آراء وتحليلات
هل يزيد انسحاب بايدن إمكانية نشوب الحرب الواسعة في المنطقة؟
كل المعطيات الميدانية والعسكرية التي تحيط بالمواجهة في غزّة مع جبهات إسنادها، تؤشر إلى أن لا مخارج جدية للحرب الدائرة حاليًّا بين العدوّ "الإسرائيلي" من جهة ومحور المقاومة من جهة أخرى، بل على العكس من ذلك، فإن إمكانية جنوح أطراف الصراع إلى مواجهة واسعة في المنطقة، لم تعد بعيدة، لا بل تتعزز يومًا بعد يوم إمكانية نشوبها، خاصة في ظل التعنت "الإسرائيلي" والاستمرار بسياسة الإبادة الجماعية دون تراجع، مقابل ثبات في مواقف أطراف محور المقاومة بمواجهة العدوان الصهيوني غير المسبوق تاريخيًّا.
صحيح أن الحرب على غزّة هي محور الصراع اليوم، ووقفها سيكون حتمًا مدخلًا لمنع امتدادها وتوسعها، ولكن تبقى التأثيرات المباشرة لتوسع هذه الحرب محدودة، الأمر الذي برهنته التطورات العسكرية والميدانية خلال عشرة أشهر من المواجهة في غزّة، على عكس أي تطوّر للمواجهة على إحدى جبهتي الإسناد من لبنان ومن اليمن، أو على الاثنتين معًا، واللتين أصبحتا جاهزتين لتكونا الشرارة المناسبة للانفجار الواسع، حيث استطاعت كلّ من الجبهتين، أن تفرض على العدوّ "الإسرائيلي" معادلات جديدة لم يكن يتوقعها، في الأسلحة النوعية أو في إدارة المعركة أو في مستوى الاستهداف، وبالتالي، بعد أن فرضتا على العدوّ التخلي عن عناصر الردع التي كان يعتبر أنها تحصن احتلاله وتحميه.
ولكن عمليًّا، ورغم قدرة تأثير تطوّر جبهتي إسناد غزّة من اليمن ومن لبنان نحو الحرب الواسعة، يبقى هناك عامل مانع بنسبة معينة، ويمكن أن يكون ضابطًا معقولًا لعدم توسع الحرب، وهو موقف الإدارة الأميركية، والتي تعتبر الراعي الفعلي الذي يقود عمليًّا حرب العدوّ على الشعب الفلسطيني. وموقف هذه الإدارة الفاصل لحصول أو عدم حصول الحرب الواسعة في المنطقة، يرتبط طبعًا بصاحب القرار الفعلي في واشنطن، مع بقائه مرتبطًا بمسار العمليات العسكرية والمواجهات على الجبهة اليمنية مع العدوّ أو على الجبهة اللبنانية مع العدو.
لناحية المعركة مع اليمن، والتي كان ولا زال - قبل انقضاض مسيّرة "يافا" على "تل أبيب" - تدور رحاها في أغلب الساحات البحرية في المنطقة، فقد توسعت لتصبح - بعد مسيّرة "يافا" - في عقر دار عاصمة الاحتلال، "تل أبيب"، ولتتحول معركة استراتيجية بمستوى متقدم وخطير، في حين أن موقف الإدارة الأميركية يبقى ضدّ توسع الحرب في تلك الساحات التي لها طابع دولي بامتياز، والتي تتجاوز تأثيراتها "إسرائيل" ومصالجها إلى المصالح الدولية والغربية تحديدًا.
لناحية المعركة مع حزب الله، فإن مستوى ما وصلت له مؤخرًا لناحية إفقاد العدوّ "الإسرائيلي" أغلب عناصر الردع التي كانت تُوازِن موقعه العسكري على جبهته الشمالية، والضغوط التي تفرضها عليه هذه الجبهة، داخليًّا وعسكريًّا وشعبيًّا، بدأ يدفعه نحو التفكير بالانزلاق إلى توسيع المواجهة، ليبقى أيضًا موقف الإدارة الأميركية جاهزًا لِضبط "إسرائيل" ولجمِها، بسبب تأثيرات هذه الحرب لو توسعت على كامل منطقة شرق المتوسط وغرب آسيا، ولوجود كثير من الهواجس والمخاوف الجدية لدى هذه الإدارة، بأنها لن تكون بتاتًا لمصلحة الكيان المحتل.
والأهم في الأمر، أن أي مواجهة واسعة بين "إسرائيل" مع اليمن أو مع لبنان أو مع الاثنين معًا، أصبح واضحًا أنها سوف تتطور حتمًا وتؤدي لتدخل إيراني، ليكون هنا دور واشنطن أساسيًّا وضروريًّا لمساعدة "إسرائيل"، وتجربة الرد الإيراني على "إسرائيل" في منتصف نيسان/إبريل الماضي، ما زالت تداعياتها مخيّمة على حاجة الأخيرة الإجبارية لقدرات واسعة من الدفاع الجوي ومن التنسيق والمعلومات الجوية الأميركية والغربية.
كل هذه المعطيات أعلاه، تجعل أي جنوح "إسرائيلي" نحو مواجهة واسعة يتطلب حتمًا موافقة رسمية أميركية، وهذا يفرض الارتباط بين من هو على رأس الإدارة الاميريكة وبين انخراط "إسرائيل" في حرب واسعة في المنطقة؛ وهنا يمكن الإشارة إلى الاحتمال الأكبر أن تحصل هذه المواجهة قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية.
في هذا الإطار، صحيح أنه من وجهة نظر الكثيرين، توجد خلافات أساسية بين نتنياهو وبين إدارة بايدن حاليًّا، حيث ظهرت هذه الخلافات في أكثر من جانب، أغلبها له علاقة - ظاهريًّا فقط - بالحرب "الإسرائيلية" على غزّة وتحفظات الأميركيين الخادعة، طبعًا، لناحية استهداف المدنيين أو لناحية الهجوم على رفح - واليوم على خان يونس أيضًا - أو لناحية تضييق الخناق الحياتي والإنساني على القطاع، ولكن عمليًّا، لم تكن هذه الخلافات أو التحفظات مانعًا جوهريًّا من حصول إبادة جماعية على الشعب الفلسطيني، ولم تكن وسيلة لإدخال مساعدات كافية بالحد الأدنى لغزّة، فقط كانت خلافات وتحفظات إعلانية إعلامية سياسية، في الوقت الذي تابعت فيه "إسرائيل" تنفيذ أعمالها المشينة وجرائهما بنفس المستوى والقدر من الوحشية، كما لو لم تكن موجودة هذه التحفظات الأميركية.
هذا يعني، عمليًّا، أن قرار "إسرائيل" نحو مواجهة واسعة، يحظى حاليًّا، عمليًّا وفعليًّا، بموافقة بايدن، خاصة أن الأخير وبعد تنحيه مرغمًا عن الترشح للانتخابات الرئاسية، والتأثيرات السلبية المرتقبة لهذا الأمر على حظوظ الديمقراطيين بالرئاسة، قد يكون بحاجة لصدمة دولية تحول الأنظار خارج الولايات المتحدة الأميركية، لتكون الحرب في الشرق الأوسط وإظهار الخطر على "إسرائيل"، الرافعة الإعلامية والسياسية والشعبية لدعم رئيس يساند "إسرائيل" ويحمي وجودها.
من ناحية أخرى، صحيح أن الناخب الأميركي يركز على الضرائب والبطالة والتضخم والحدود مع المكسيك والرعاية الصحية وأمور داخلية أخرى، أكثر من السياسة الخارجية الأميركية، ولكن للأخيرة تأثير قوي على اهتمامات الناخب الأميركي المذكورة أعلاه، خاصة أن الحروب وتمويلها ونشر الوحدات بعيدًا عن البلاد والاشتباك الاستراتيجي مع الصين أو روسيا أو إيران...الخ. كلها ترتبط بخلق وضع اقتصادي واجتماعي داخلي متوازن أو غير متوازن، لتفرض عبر هذا الارتباط التأثيرات المطلوبة على الناخب الأميركي، في طريق تحديد رأس الإدارة الذي يرعى ويقود كلّ السياسات الأميركية الخارجية والداخلية.
ولأن دونالد ترامب، المرشح الجمهوري القوي المنافس للديمقراطيين، رغم إظهار دعمه الواسع لـ"إسرائيل"، وربما هو غير بعيد عن دعم نتنياهو أيضًا، أعلن صراحة أنه سوف يعمل جاهدًا على وقف نزيف الحروب التي خلقها وقام بها بايدن، ولأن ترامب لن يسمح لـ"إسرائيل" في إدخال منطقة الشرق الأوسط في حرب واسعة، في الوقت الذي ينادي بقوة لوقف الحرب بين روسيا والناتو في أوكرانيا، سوف يحاول كلّ من بايدن ونتنياهو استغلال الفرصة الأنسب قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، لدفع المنطقة والعالم نحو حرب واسعة، يكون فيها للاثنين، مخرج للهروب إلى الأمام.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
07/11/2024
كم ستنبت الأرض منك!
07/11/2024