آراء وتحليلات
العملية الإرهابية في شمال لبنان... الاسباب والتداعيات
شارل أبي نادر
ربما كانت منتظرة العملية الارهابية التي نفذها الارهابي الداعشي عبد الرحمن مبسوط في طرابلس بالامس، والتي نتج عنها استشهاد ضابط ورتيب من الجيش اللبناني ورتيبين من قوى الامن الداخلي ، مُنتظرة اولا لان منفذها يملك تاريخ ارهابي معروف ، وكان موقوفا على خلفية ذلك لفترة حوالي العام وأُطلق سراحه، ومنتظرة ثانيا لان خلايا "داعش" الارهابية وذئابه المنفردة ما زالت ناشطة في المنطقة، ومخرج انهاء سيطرة التنظيم الارهابي في شرق سوريا باشراف الاميركيين، كان غير واضحاً وحمل الكثير من الشبهات والثغرات والنقاط الخفية، وبالتالي كان منتظرا تمدد وتسلل ارهابيي التنظيم الفارين في المنطقة المحيطة بالشرق السوري، غربا نحو لبنان وشرقا نحو العراق.
صحيح ان الاجهزة الامنية والعسكرية اللبنانية تمسك الوضع الداخلي والحدودي بطريقة فعالة، والاستقرار الامني الذي شهدته مؤخرا هذه الساحة يبرهن ذلك، لكن تبقى هناك ثغرات غير بسيطة، تسمح بحصول عمليات ارهابية مشابهة لعملية طرابلس، يمكن الاشارة اليها بالتالي:
اولا : من غير المنطقي او الطبيعي او القانوني ان يتم اطلاق سراح ارهابي مثل عبد الرحمن مبسوط ، بهذه السهولة وبعد هذه الفترة القصيرة من التوقيف ، وهو صاحب التاريخ الارهابي المعروف بالعمليات والمعارك التي اشترك بها تحت جناح التظيم الارهابي "داعش".
ثانيا: هذه الترسانة التي ظهرت معه في عمليته الارهابية، من قنابل ورشاش اوتوماتيكي وحزام ناسف، تؤشر الى انه لم يخضع للمراقبة المطلوبة امنيا بعد اطلاق سراحه ، خاصة وان هذا الاطلاق كان بأمر قضائي ومن المفترض ابقائه تحت المراقبة المشددة.
ثالثا: ربما جاءت الاشارة بأن وضعه النفسي غير مستقر، للتخفيف من خطورة الوضع الامني، ولقطع اية امكانية لارتباط عمليته بمخطط اوسع او بمسلسل من العمليات الاخرى ، ولكن هذا لو كان صحيحيا ، فلا يبرر ابدا إطلاق سراحه وتركه حراً، بل بالعكس، كان يجب ان يكون سببا لابقائه تحت الحراسة المُراقَبة، خاصة انه يحمل خطراً مزدوجا، بسبب وضعه النفسي المضطرب من جهة، وبسبب تاريخه الارهابي المتشدد من جهة اخرى.
هذه العملية الارهابية، بالاضافة لاغلب العمليات المشابهة لها، والتي حصلت في لبنان سابقا، او في غير بلدان، تم تنفيذها بواسطة عناصر ارهابية متشددة كانت موقوفة لدى السلطات الامنية والعسكرية، على ذمة التحقيق او بعد ان أدينت باحكام قضائية، وقد تم اطلاق سراحها قبل اكمالها مدة التوقيف المناسبة، قضائيا او امنيا، وبعد ان اطُلق سراحها ، قامت بتنفيذ عملياتها، اما بداعي الانتقام من الاجهزة الامنية والعسكرية ، وهذا ما يفسر استهدافها باغلب عملياتها تلك الاجهزة، امّا على خلفية التشدد الارهابي التكفيري، والذي تبين انها ما زالت تحمله في فكرها وفي عقيدتها المتشددة.
كل ذلك، يفتح الباب واسعا امام ضرورة اعادة النظر بسياسة السلطة السياسية اللبنانية، لناحية عدم تسهيل اطلاق سراح الارهابيين الموقوفين، والاهم، ضرورة التدقيق بشكل واسع في دراسة حيثيات ووقائع ما يتم تداوله حول مشروع قانون العفو العام المقترح ، وبالاخص في ما يتعلق بملف المحكومين والمُدانين بأعمال ارهابية وبجرائم اعتداء على الاجهزة الامنية والعسكرية.
ويبقى لتحصين الساحة الامنية الداخلية اللبنانية، ان تعمل السلطة بكافة رموزها ومراجعها الدستورية، اولا للمحافظة على معنويات الاجهزة الامنية والعسكرية، من خلال حماية حقوقهم وتقديماتهم، ومن خلال عدم ترك اي ثغرة ادارية او سياسية في هذا الموضوع، او من خلال منع التصويب الاعلامي غير المسؤول، والمتعلق بتشريح معاشاتهم وحقوقهم امام الرأي العام بطريقة غير لائقة، وثانيا من خلال الاتفاق على تثبيت المراسيم والقوانين التي تعنى بتدابير الجهوزية والاستنفار، والمناسبة لتنفيذ عمليات حفظ الامن بطريقة فعالة، لان الساحة الامنية الداخلية ما زالت مرتبطة بتداعيات وباخطار ارهابية اقليمية ، لم تنته مفاعيلها بعد ، وهذه الساحة ما زالت مفتوحة على كافة الاحتمالات.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024