معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

الشمال رعبٌ رغم إستراتيجية التهوين
14/06/2024

الشمال رعبٌ رغم إستراتيجية التهوين

"إنّ حربًا في الشمال ستكون قاسية وطويلة"، "إنّ الحرب مع حزب الله سيتعين فيها على "إسرائيل" التعامل مع ثلاثة آلاف قذيفة صاروخية يوميًا"، "ستكون الحرب مع حزب الله غير مسبوقة"، "في الحرب المقبلة مع حزب الله سيحدث دمار هائل في الشمال". كل ما سبق هو حديث الإعلام العبري، وهو حديثٌ تلفيقي وتزويري، يحاول الإيحاء بأنّ الحرب مع لبنان هي كالحرب مع غزّة، لكنّها أكثر قسوة على المستوطنين، من باب التهوين وتخفيف الوطأة.

وهذه إستراتيجية معتمدة لطمأنة القتلة من المستوطنين القدماء والمستجدين الذين يتنقلون من الشمال إلى الوسط، ومن الجنوب إلى الوسط، بدل الانتقال خارج فلسطين مرة واحدة ودون رجعة، وذلك على أمل خلاصهم من أعدائهم شمالًا وجنوبًا، وهم ينتظرون في الوسط، ذلك الجيش الذي لا يُقهر، والذي لم يعد أحدٌ مقتنعٌ بذلك سوى بن غفير ومن هم على شاكلته في الحماقة والصلف والبلادة.

ولكن الحقيقة أنّ الحرب مع حزب الله لن تكون شبيهة لأيّ سيناريو يتصوّره أؤلئك الحمقى، حيث أعدَّ لهم الحزب من المفاجآت ما ستنخلع لها قلوبهم، وما سيجعل ندمهم أسرع من أرجلهم حين يطلقونها للريح، إن استطاعت لهم حملًا.

إنّ حزب الله في إطار ردّه على عملية اغتيال القائد طالب عبد الله "أبي طالب"، لم يعلن أنّه فتح الجبهة لحربٍ شاملة، بل ما زالت العمليات في إطار قواعد الاشتباك وإن بشكلٍ أوسع، وأنّ الحزب لا يزال في إطار مرحلة الإسناد لغزّة، ورغم ذلك، فإنّ ما واجهه الصهاينة على مدار 48 ساعة، جعلهم يعيشون الجحيم والإذلال، وعليهم أن يتساءلوا ويجيبوا بأنفسهم، ماذا لو فُتحت جبهة الشمال؟ هل يكفي الجحيم ويوم القيامة لوصفها؟

وهذا ما تدركه أميركا قطعًا، لذلك لن تغامر بدخول حربٍ في لبنان، ولكن بما أنّ اتفاقًا في غزّة بات مستعصيًا، خصوصًا أنّهم يريدون أن ينتزعوا بالصفقة ما عجزوا عنه بالحرب، لذا فقد يجربون أيّامًا قتالية، وفي ظنهم أنّهم كما سينجحون في أن يكونوا أصحاب الطلقة الأولى، سينجحون في أن يكونوا أصحاب الطلقة الأخيرة، خصوصًا أنّ أميركا تقوم بحملة تضليل مسبقة، لغاية التنصل من قرار الحرب الذي ستتّخذه "إسرائيل" إن اتّخذته، وهذا يتيح لها لعب دور الوسيط لوقف الحرب، إن استشعرت أنّ مسارها ليس في صالح الكيان.

والقرار بالقطع ليس "إسرائيليًا"، بل هو قرارٌ أميركيٌ مئة بالمئة، لأنّه في السابع من تشرين/أكتوبر ماتت "إسرائيل"، ولولا أنّ الغرب وعلى رأسه أميركا تدخل بشكلٍ مباشرٍ وغير مباشر في العدوان على غزّة، لأصبحت من التاريخ، وحتّى اللحظة لا شيء، سوى أنها تفشل وتكرر الفشل فتراكم الهزائم، الهزائم التي ستجعل من نتنياهو وحكومته، آخر الحمقى في تاريخ الكيان القصير.

وسيكون أكثر قصرًا في حال ذهبت به أميركا لمغامرةٍ في الشمال، تجعل من 7 تشرين الأول /أكتوبر مجرد مقدمة لما سيعيشه الكيان من أهوال الزوال، خصوصًا إذا تُرك وحيدًا دون تدخلٍ عسكريٍ أميركيٍ مباشر.

وهذا احتمال ضمن احتمالات، أمّا الثابت الوحيد هو أن ما يحدث على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، كانت لتشن "إسرائيل" بسببه عشر حروب وعشرة اجتياحات، لكنّها حتّى اللحظة تثبت أنّها مرتدعة، وأنّها تدرك أنّ الحرب الشاملة هي نهاية وجودها، لذلك فهي تحاول البقاء ضمن قواعد اشتباك وإن مع بعض التفلت أحيانًا، ولكن المعضلة الأميركية التي لا حلول لها، هي أنّ هزيمة الكيان في غزّة ممنوعة، ولكنها واقعةٌ لا محالة.

لذا يبقى خيار أيامٍ قتاليةٍ في لبنان واردًا، ولكن المعضلة الأكبر هي من يضمن أن تظل مجرد أيامٍ قتالية، ولا تتحول إلى حربٍ شاملة؟

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات