آراء وتحليلات
حزب الله.. إعصار النار وكابوس الشمال
شهدت الأيام والساعات الأخيرة تصعيدًا نوعيًا من حيث حجم وطبيعة وعدد العمليات التي نفذتها المقاومة الإسلامية في لبنان في شمال فلسطين المحتلة، حيث كثف الحزب من استخدام المسيّرات الانقضاضية، سواء بشكل إفرادي أو عبر أسراب لمهاجمة مقرّات قيادة فرقة الجليل في جيش العدو الإسرائيلي، بالإضافة إلى صواريخ بركان التي عصفت بالعديد من المواقع المستهدفة.
شملت عمليات حزب الله كامل الجغرافيا الممتدة من الجولان السوري المحتل مرورًا بإصبع الجليل والجليل الأعلى ووصولًا إلى صفد ونهاريا في الغرب، بما تتضمنه تلك المناطق من مقرّات قيادة وتجمعات عسكرية ومحطات رادارية قديمة أو جديدة حاول الجيش الإسرائيلي استحداثها مؤخرًا.
إضافة إلى الإصابات المباشرة التي حققتها المقاومة في العتاد والأفراد والتجهيزات والآليات، فقد تسببت تلك العمليات بحرائق واسعة في محيط العديد من المستوطنات في كريات شمونة وشلومي والمطلة وصفد وغيرها، والتي ما يزال العديد منها مشتعلًا، في ظلّ عجز الكيان عن إطفائها أو السيطرة عليها، سواء بسبب حجمها أم خشية من استهداف المقاومة لعناصره وآلياته وخاصة الطيران اللازم لإطفاء الحرائق.
الحزب كان قد بدأ عمليات الإسناد لغزّة منذ اليوم الثاني لطوفان الأقصى، في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023، واعتمد نهجًا تدريجيًا تصاعديًا وفقًا لظروف المعركة في غزّة بالتنسيق مع محور المقاومة وجبهات الإسناد، وفي مرّات عديدة سُجّل ما يقارب من 13 إلى 15 عملية في شمال فلسطين المحتلة في يوم واحد. ووفقًا لوسائل إعلام إسرائيلية، فقد نفذ حزب الله 325 عملية خلال شهر أيار/مايو الفائت، بمعدل وسطي يزيد عن 5 عمليات في اليوم الواحد.
تتفق تلك العمليات في ما بينها من حيث الأهداف العامة التي أعلنها حزب الله، بشكل واضح وصريح، على لسان الأمين العام سماحة السيد حسن نصر الله في أكثر من خطاب له منذ بدء تلك العمليات. ولكن في الوقت ذاته، فقد كان لكل مرحلة سياقها في ما يخص تلك العمليات وأهدافها. فقد شكّل بعضها علامة ودلالة على هدف خاص بعينه، كما هو الحال عند استهداف قاعدة ميرون مثلًا، والذي أصاب أحد أهم مراكز التجسس والسيطرة الجوية في الشمال. وكذلك العمليات التي كانت ترافق بعض جولات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في المنطقة، والتي كانت تهدف إلى إيصال رسائل رافضة لمشاريعه الخبيثة التي كان يسعى لتمريرها على حساب الفلسطينيين.
هذه الخصوصية، تنطبق على التصعيد الأخير الذي بدأه الحزب في الأيام الأخيرة. فما هي الأسباب المحتملة التي قد تقف خلف هذا التصعيد البطولي والنوعي للمقاومة الإسلامية في لبنان؟
• يأتي التصعيد نصرة لغزّة ولمقاومتها بعد أن سيطر جيش العدو على محور فيلادلفيا، وما يعنيه ذلك من إطباق الحصار الكامل والمحكم على غزّة وأهلها ومقاومتها.
• يأتي التصعيد انسجامًا مع الأهداف التي وضعها حزب الله لدخوله في المعركة منذ يومها الثاني، وأهمها عدم السماح بهزيمة المقاومة في غزّة.
• يأتي التصعيد في ظلّ فشل كلّ المبادرات والمناورات الإسرائيلية - الأميركية لفرض وقف إطلاق للنار يحقق أهداف وشروط واشنطن و"تل أبيب"، ويبدو أن محور المقاومة بات يدرك عجز إدارة بايدن عن التأثير في نتنياهو وحلفائه في اليمين.
• يأتي التصعيد تحسبًا من احتمال قيام نتنياهو باتّخاذ قرار لاجتياح رفح مستغلًا انغماس إدارة بايدن بالانتخابات وتعرضه للضغوط الداخلية.
• يأتي التصعيد انتقامًا وردًا على الاعتداءات الصهيونية المتصاعدة على لبنان، والتي تسببت مؤخرًا بارتقاء العديد من الشهداء المدنيين.
• يشكّل التصعيد عامل ردع في هذه المرحلة التي قد يعتقد فيها نتنياهو، ومن خلفه بايدن، بأن إيران ستنشغل بانتخاباتها الرئاسية، وهو ما يمنح "إسرائيل" الفرصة- بحسب ظنهم - لاتّخاذ قرارات ميدانية حاسمة، سواء في غزّة أم في لبنان.
• يأتي التصعيد بعد أن أنهى جيش العدو الإسرائيلي المناورات التي بدأها في الأسابيع الأخيرة، والتي تحاكي حربًا على الأراضي اللبنانية، وشملت تلك التدريبات سيناريوهات القتال وتحريكًا سريعًا للقوات وعمل مقرات للقيادة. ولعلّ تركيز المقاومة على استهداف مقرات القيادة بأسراب المسيرات الانقضاضية والصواريخ خلال الأيام الأخيرة يأتي خطوةً استباقيةً لخطط الجيش الصهيوني.
• يأتي التصعيد دعمًا للموقف التفاوضي للمقاومة الفلسطينية بعد تهديد بايدن في حال عدم قبولها بالمقترح الأميركي، وخاصة أنّ المقترح تزامن مع محاولات أميركية - إسرائيلية عبر المفاوضات مع مصر لوضع معبر رفح تحت وصاية جهات خارجية.
أخيرًا، يخطئ نتنياهو ومن خلفه بايدن، ومن يدور في فلكهم، إن كانوا يعتقدون أن باستطاعتهم استغلال أي ظروف إقليمية أو دولية لتحقيق أي إنجازات حقيقية أو صورية، ويخطئون أكثر إن كانوا يراهنون على انشغال الجمهورية الإسلامية في إيران بانتخاباتها الرئاسية، أو انشغال الجمهورية العربية السورية بأوضاعها الداخلية. ولعل زيارة الرئيس بشار الأسد لطهران ولقائه بآية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي، والتصريحات الصادرة عن اللقاء، تثبت بما لا يدع مجالًا للشك بأنّ محور المقاومة ماضٍ بكلّ عزيمة وثبات وقوة إلى نهاية المعركة وحتّى تحقيق النصر.
وللمراهنين على تبدل مواقف إيران بعد الانتخابات نحيلهم إلى ما قاله وزير الخارجية الإيراني بالوكالة علي باقري كني من بيروت، والتي اختارها أولى وجهاته الخارجية، حين قال إن: "يضع خطوط السياسات الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية العريضة المجلس الأعلى للأمن القوميّ الإيراني، ويوافق عليها قائد الثورة".
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024