آراء وتحليلات
دلالات الخطوة الأميركية بإعلان بايدن شخصيا لمقترح الهدنة
بعد المقترح الصهيوني الذي أعلنه الرئيس الأميركي بايدن بنفسه في خطوة تبدو نادرة، تتّجه مجدّدًا الأنظار إلى حركة المقاومة حماس، باعتباره ما أدلى به يمثّل القاء للكرة في الملعب المقاوم.
وهذه الخطوة وملابساتها تبدو موجّهة ومقصودة للتعافي من آثار الصفعة السياسية التي تلقتها "إسرائيل" ومعها أميركا والمتمثلة في موافقة حماس على مقترح وقف إطلاق النار الماضي والذي تهرب منه العدوّ وقابله بالعدوان على رفح، وآثار ذلك على كشف نوايا العدوّ وعدم جديته في التفاوض وكذلك فضح النفاق الأميركي.
ويمكن النظر لهذا المقترح والحرص الأميركي على إعلانه وعلى لسان الرئيس الأميركي شخصيًا من عدة زوايا، ولكن وقبل استعراض مختلف الزوايا، فإن هناك ثوابت ومشتركات بين مختلف الزوايا وباتت من الحقائق السياسية:
1 - أميركا في أزمة كبرى تتعلق بالمصداقية وكشفت التناقضات بين تصريحاتها وممارساتها العملية أمام العالم أنها ليست مجرد شريك بالعدوان وإنما قائد له، وبالتالي، فهي تحاول تبرئة ذمتها من سهام النقد التي تتوجه إليها شخصيًا قبل العدوّ الإسرائيلي، عبر ابراز أنها تحث متطرّفي "إسرائيل" على قبول المقترح وأنها مجرد وسيط لا تمتلك سلطة توجيه الأمر للكيان بوقف العدوان.
2 - هناك اتفاق وقد أعلنته فصائل المقاومة على أن أميركا منافقة وأن الخلافات المزعومة بينها وبين نتنياهو هي مجرد خداع وأنها في أفضل الأحوال خلافات تكتيكية ولكن هناك تطابق استراتيجي على هزيمة المقاومة، كما أن الخلافات بين مكونات الكيان الصهيوني السياسية هي أيضًا خلافات تكتيكية وربما مكايدات سياسية، ولكنهم متفقون أيضًا على تصفية المقاومة وهزيمتها.
3 - بملاحظة السياق الدولي والمتمثل في الاختراقات الاستراتيجية الكبرى التي حققتها روسيا في جبهة القتال مع أوكرانيا ووصولها إلى مشارف خاركوف وهي ثاني أكبر مدينة بأوكرانيا، وما تبعه من تداعيات أجبرت أميركا ودول الناتو على الدخول إلى المحظور بالموافقة على استخدام اسلحتها في استهداف الأراضي الروسية وما يستتبعه ذلك من عواقب مواجهة مباشرة بين روسيا والناتو قد تصبح مواجهة نووية بعد التهديدات الروسية الجدية التي تحذر من هذه القرارات، وكذلك السياق الإقليمي بتنامي وتصعيد جبهات الإسناد واستهداف حاملة الطائرات الأميركية ايزنهاور والسخونة المتصاعدة على جبهة لبنان، والسياق الداخلي الأميركي المأزوم، فإن هذه السياقات تجبر أميركا على اتّخاذ موقف مختلف عن الموقف الذي حافظت عليه طيلة الأشهر الماضية، فلا تستطيع أميركا البقاء على نفس الموقف بنفس التفاصيل.
وربما العبارة التي وردت بكلمة بايدن (حان وقت انتهاء هذه الحرب)، تنطلق من ضرورة انتهاء هذا الشكل للموقف الأميركي من الحرب، وليس بالضرورة إنهاء العدوان وقيادة أميركا له.
وعليه فإن هناك عدة احتمالات لهذه الخطوة الأميركية:
أولا: أن تكون مناورة أميركية صهيونية لالقاء الكرة في ملعب حماس ووضع فخاخ بالمقترح لا تستطيع حماس قبولها، وبالتالي تبرئة الذمة أمام الرأي العام العالمي والداخل الأميركي وتحميل حماس والمقاومة مسؤولية استمرار العدوان وانزلاقاته، وكذلك الإيقاع بين حماس والشعب في غزّة بتحميلها مسؤولية تضييع فرصة وقف العدوان ودخول المساعدات.
ومن نماذج هذه الفخاخ كما ورد بالمقترح المعلن بوسائل الإعلام، عدم تحديد صيغة دقيقة لانسحاب العدوّ في المرحلة الأولى، حيث ذكر أنه انسحاب من المناطق الآهلة بالسكان، وهو لفظ فضفاض تكمن ضمنه تفاصيل كثيرة يجب تحديدها بدقة، كما لم تناقش قضية المعابر وتحديدًا معبر رفح الذي تحتله "إسرائيل" حاليًا في أي مرحلة من المراحل الثلاث، كما أن الديباجة التي افتتح بها الرئيس بايدن خطابه أصرت على ذكر أن المقترح يضمن يومًا تاليًا للحرب من دون وجود حماس!
ثانيًا: أن تكون مناورة لتحميل اليمين الصهيوني مسؤولية العدوان إذا ما واصل نتنياهو الحرب ورفض علنًا وقف العدوان بذريعة ضغط المتطرّفين في حكومته، وبالتالي تبرّئ أميركا ذمتها امام الرأي العام وتلصق العدوان بتطرف صهيوني لا تستطيع السيطرة عليه ولكنها ملزمة بأمن "إسرائيل".
ثالثًا: أن تكون هناك قراءة أميركية صهيونية بأنه تم احكام الحصار على حماس والمقاومة وفقًا لاتفاقيات إقليمية مع دول عربية ومع احتلال محور فيلادلفيا وأن المقاومة فقدت قدرتها على تهديد الكيان وبالتالي فإن انتزاع الأسرى بالتفاوض بعد العجز عن تحريرهم بالقوّة هو مكسب، وأن هناك مجالًا لعدم السماح للمقاومة بالتعافي وإعادة بناء قدراتها.
وأيا كانت القراءة الصهيو - أميركية أو النوايا، فإن المقاومة صامدة سياسيًّا وعسكريًا، فهي تتسلح بالوعي الكافي لمواجهة الخداع والفخاخ، ولن تقبل بشيء لا يحقق وقفًا دائمًا لإطلاق النار وانسحابًا كاملًا للعدو من غزّة، ولديها من القدرات التي يمكن أن تثبت به خطأ أي قراءة تذهب إلى أنها ضعفت أو تفككت، ناهيك عن يقظة وتصميم ساحات المقاومة المساندة على النصر.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024