آراء وتحليلات
25 أيار/ مايو.. لحظة التقدّم نحو الطوفان
سيبقى نتاج الشاعر التونسي الكبير أبا القاسم الشابي من أعذب الأغاريد العربية غير المكتملة. الشاب مفرط الذكاء، عجيب اللفظ سهل العبارة، كأن الشعر العربي تغير بحياته القصيرة جدًا – مات عن 25 عامًا - وترك هذا الشهاب اللامع في فضاء القصيدة العربية نوعًا جديدًا هو شعر فلسفة المقاومة والإرادة، وقصائده القليلة جد عبقرية ورمزية. هل يصدف أن شخصًا واحدًا من العالم العربي لم يسمع: "وإذا الشعب أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر".
بالقدر ذاته الذي حمله من البلاغة والحكمة والتفرد، هو أيضًا الشاعر صاحب الإرادة التي لا تتزلزل الذي كتب: "لا عدل إلا إن تعادلت القوى.. وتصادم الإرهابُ بالإرهابِ"، وله لفتة رائعة في قصيدة صغيرة العدد كثيفة المضامين والعبر اسمها "فلسفة الثعبان المقدس"، بمجرد قراءة حروفها الأولى ستحملك إلى كلّ الثوار عبر التاريخ، وأمام كلّ الطغاة والأوثان، وستهدهد روحك بذكر فلسطين بالمعنى والروح والدم، في بيتان يلخص الشابي فلسفة كلّ جبار عنيد:
"أفلا يسرُّك أن تكون ضحيتـي.. فتحلَّ في لحمي وفي أعصابي؟
وتكون عزمًا في دمي وتوهجًا.. في ناظري وحدةً في نابي؟"
هنا بالضبط تصلح نقطة بداية الحديث عن كيان العدو، هذه هي فلسفته، سيقتلنا، ثمّ يطلب منا أن نشكره على أنه اختار قتلنا. سيحرق مدننا وحقولنا ويسمم مياهنا وأجوائنا، ثمّ يجب أن نتقبل هذا العطف السامي والشرف المروم في أننا ضحايا الصهيوني. هذه الفلسفة ليست خيالية أو مبالغة على الإطلاق، فالكيان قد رفض أثمن هدية يمكن أن يحصل عليها مستعمِر من مستعمَر، حين وقعت له السلطة الفلسطينية على صك شرعية احتلاله للأراضي العربية، ونقلته من مغتصب حق إلى صاحب اعتراف بالحق، ومن الطرف الأصيل مباشرة، ورغم ذلك لم يقتنع أحد في كلّ الكيان بأنه يمكن لدولة فلسطينية مختزلة ومثقوبة أن تعيش بجوارهم وبشروطهم.
أكثر طرف أجاد التعامل مع العقلية الصهيونية، ومن ورائها إمبراطورية غربية لا تتوقف عن الدعم والمدد والتغطية، هو الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، وهو السيد الذي حمل أمانة كسر تلك الفلسفة الصهيونية، وقبلها كسر فلسفة الهزيمة العربية، ليس عبر خطب وكلمات، وما أصدقها كلماته، لكن عبر تجربة جهادية واعية ومؤمنة بقدرها وقدر أمتها ومصيرها، عبر خط طويل من التضحيات والآلام والدم والعرق، عبر عملية إعادة بعث للروحية العربية التي كانت في تيه طويل جدًا.
قدّم لنا السيد والحزب الانتصار العربي الحقيقي الأول على كيان العدوّ في مثل هذه الأيام قبل 24 عامًا، حين هرب جيش الجرذان من جنوب لبنان أمام كاميرات العالم وعيونهم، كانت هذه المشاهد بالنسبة لبعض العرب تنتمي إلى سماء الأحلام لا دنيا الواقع، منذ هذا التاريخ تحديدًا لم يرجع حزب الله خطوة واحدة إلى الخلف، منذ هذا التاريخ كانت المسيرة تتصاعد وللأمام، وتقفز فوق كلّ حاجز وتقهر كلّ مانع، في سبيل بناء طريق التحرير، تحرير فلسطين والمسجد الأقصى.
خلال إطلالة سماحة السيد نصر الله في الحفل التأبيني للشهيد آية الله السيد إبراهيم رئيسي ورفاقه المجاهدين الأبرار، يوم الجمعة 24 آيار/مايو الجاري، تحدث عن الجبهة الشمالية التي بات قطعان مستوطني العدوّ قبل نخبته يعرفون وضعها المزري والبائس أمام أبطال الحزب، ورغم ذلك لا يزال نتنياهو يستعرض خططًا لاستعادة الأمن والأوضاع إلى الشمال، قال سماحة سيد الوعد الصادق: "نحن من يحق له أن يتحدث عن مفاجآت"، بات لفلسطين سيف حق ونور ضدّ الثعبان غير المقدس.
لم يسبق ولن يحدث أن خيب سيد المقاومة رجاء الأمة وأملها فيه، في معركة طوفان الأقصى بالذات كان السيد مصممًا على بث روح التفاؤل واليقين بالنصر، رغم عظم التضحيات، خلال 8 شهور لم يكن السيد يردّد أكثر من كلمة نصر فلسطين ونصر غزّة ونصر حماس، كان يرى منذ الخطاب الأول في 3 تشرين الثاني هزيمة العدوّ واقعة، اليوم يمكن لنا أن نعاين بعضًا من التغيير العميق والجذري الذي فرضه طوفان الأقصى على العالم، من خلال رفع قضية فلسطين إلى أولوية إنسانية أولى.
في التاريخ ذاته، أعادت المقاومة الفلسطينية البطلة توجيه عملية استثنائية لجنود نخبة العدو، وأسر عدد جديد من قواته وقتل عددًا آخر، ليعيد هذا الكيان الواقف على مرحلة الهزائم تأكيد بعض البديهيات في طوفان الأقصى، فالتفوق الكاسح لألوية النخبة الصهيونية بات نكتة، والإمكانيات والنفاذ المعلوماتي لأجهزة أمنه ومعلوماته الـ"شاباك" والـ"موساد" هو الآخر هراء لا أكثر، وهم يكتبون من جديد بمداد الدم الصادق في 25 آيار/مايو 2024، أن هذا الكيان ما هو إلا وهم تخلفنا وضعفنا وتمزقنا، وأنه بالفعل أوهن من بيت العنكبوت.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024