معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

هل اقترب موعد الاتفاق على الهدنة في غزة؟
05/05/2024

هل اقترب موعد الاتفاق على الهدنة في غزة؟

تتوالى التسريبات، التي توحي بالتوصل لاتفاق إقرار الهدنة، وادعاء وسائل إعلام عبرية وغربية وعربية موافقة حماس على المقترح المسمى بالمصري، وهو في الواقع ليس إلا صياغة مكرّرة لمقترحات الكيان بغلاف تمويه مصري يسعى من خلالها العدوّ ومن خلفه الأميركي لسحب الورقة الأقوى والأكثر فعالية، وهي ورقة الأسرى، من يد المقاومة، والتمهيد لمرحلة اليوم التالي في غزّة وفلسطين خالية من أي تأثير لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في إدارة الملفات كافةً، والاستمرار في عملية الابتزاز بواسطة التهديد باجتياح رفح، وهو في الواقع تهديد، إن أقدم عليه العدو، لن يضيف إلى فشله وفضائحه إلا فشلًا جديدًا وإجرامًا بحق المدنيين.

خلال أشهر الحرب السبعة فشلت حكومة حرب الكيان في إظهار مشهد انتصار، في حين أن حلم رفع علم الكيان الصهيوني على معبر رفح لا يزال يراود أذهان رئيسها ووزرائه، وكذلك إحكام السيطرة على المعابر الحدودية للقطاع كافةً، وإلغاء كلّ مظاهر السيادة الفلسطينية، والزعم بتدمير كتائب المقاومة كافة.

لذا، ومن كلّ ما تقدم يصبح الخطأ الأكبر هو قبول المقاومة بإنهاء ملف الأسرى قبل إقرار وقف شامل لإطلاق النار، ووقف الحرب كليًا، والحصول على ضمانات بإعادة الإعمار وكسر الحصار برًا وبحرًا. وهذا يعني أن أي انسحاب لجيش الاحتلال من القطاع من دون فك الحصار لا معنى له، و"كأنك يا أبو زيد ما غزيت!".

بعض المنخرطين في مسار التفاوض يرون في استعداد العدوّ للانسحاب من محور "نتساريم" إلى حدود القطاع مؤشرًا إيجابيًا؛ لكنّه لا يعدو أن يكون تحصيل حاصل ستضطر حكومة الحرب للقيام به. إذ إن بقاء جيش الاحتلال في هذا المحور يعرضه لمزيد من الاستهدافات المركَّزة المتواصلة؛ ما يشكّل عمليه استنزاف لم يعد يقوى جنوده وضباطه المنهكون على تحملها.

أما السماح لأهل شمال غزّة بالعودة إلى منازلهم ومدنهم ومخيماتهم شبه المدمرة من دون فتح الحدود والمعابر كليًا، وكسر الحصار، وضمان إدخال المعونات دون عوائق، فيعَدُّ مزيدًا من الابتزاز وإنهاكًا إضافيًا للشعب الفلسطيني في غزّة.

أوراق القوّة في سياق المواجهة تمنع تحقيق الأهداف الإجرامية الأميركية الصهيونية:
ورقة الأسرى - الورقة الأساسية. وهي مفتاح ضغط الشارع "الإسرائيلي"  المعارض لحكومة حرب نتنياهو.
 خشية الأميركي من اتساع نطاق المواجهة في المنطقة، وانخراط أكبر لقوى المقاومة: حزب الله، إيران، اليمن والعراق.
تطوّر لافت في تصعيد الموقف التركي، وتداعيات قرار وقف التبادل التجاري مع الكيان وحجمه يصل إلى عشرة مليارات دولار، ما يشكّل 5% من واردات الكيان.
الخشية من انفجار الوضع في مصر في حال تدفُّق اللاجئين من غزّة واضطرار الجيش المصري لفتح الحدود أو لإطلاق النار على الفلسطينيين لمنعهم من دخول الأراضي المصرية.

ظاهرة ثورة الجامعات الأميركية وانتقالها إلى دول أخرى، ما تسبب بضغط بالغ على حكومة بايدن وحزبه الديموقراطي، وتهديد واقعي بخسارته الانتخابات الرئاسية القريبة. وفي هذا السياق، فإن أي تدخل بري في رفح يعني عدة أشهر متواصلة من الحرب مع تداعيات التصعيد كافةً، وتأثيراته في حظوط بايدن وحزبه، وهو خسارة مؤكدة للانتخابات.

ضغط مجموعة الدول الداعمة لفلسطين عبر المنظمات الدولية، وإجراءات سياسية قانونية ودبلوماسية، كقطع العلاقات مع الكيان، وقرارات محكمة العدل الدولية، ومذكرات توقيف بحق قادة الحرب في الكيان. وهذا المسار سوف يكون أكثر تأثيرًا في حال إقدام الكيان على اجتياح بري لرفح.
هذه العوامل وغيرها تشير إلى أن دخول جيش الاحتلال لتحقيق حلم مشهد النصر الكامل، لم يعد مجديًا، بل إنه قد يخرج الصراع من مرحلة القدرة على استيعاب التداعيات والسيطرة.

 

ماذا في جدية الصفقة وأهدافها وتداعياتها؟
 

صحيفة "معاريف":
"مصدر مصري رفيع: الطرفان توصلا إلى اتفاق على نقاط الخلاف".
صحيفة "يديعوت أحرونوت":  
"حماس وافقت على جميع بنود المقترح المصري"
 

القناة 12:
"الولايات المتحدة تعهدت بإيقاف الحرب على نحو كامل"
غير أن نوايا الخداع "الإسرائيلية" الأميركية لم تعد خافية على أحد:
أولًا: الهدف الأميركي - "الإسرائيلي" المشترك هو التوصل إلى صفقة من مراحل يجري تنفيذ مرحلتها الأولى لكسب الوقت والوصول إلى الأهداف الاستراتيجية "الإسرائيلية" - الأميركية. فأعمال تشييد مدن الخيام قائمة على قدم وساق في الجانب المصري، وحكومة نتنياهو قد تستأنف الحرب فور تحقيقها أهدافها من التهدئة، وانتزاعها ورقة الأسرى من يد حماس وإرغامها على الاستسلام بدخولها إلى رفح وتهجير مليون ونصف مليون فلسطيني إلى مصر.
 ثانيًا: إن سحب ورقة القوّة الأكبر من يد المقاومة، وهي ورقة الأسرى، سيمكن بايدن من تسويق نصر إنقاذ الرهائن على المستوى الأميركي الداخلي واللوبيات الصهيونية الأميركية من دون السماح بخسارة نتنياهو الحرب. كما يمنح الأخير فرصة لتلافي ضغط الشارع الداخلي والتفرغ للتعامل مع ملف رفح وحسمه بالقوّة المفرطة وبسرعة.
 ثالثًا: من الغباء أو الاستغباء أن تتصرف الحكومة المصرية وكأن ضغوطها على حماس لتسليم الأسرى تمنع اجتياح رفح بموجب وعد أميركي يُشك في تحققه، بينما هو في الواقع سيطلق يد الاحتلال في رفح، ويحرر نتنياهو من أي قيود.
في الواقع، فإن المقترح المصري هو مقترح "إسرائيلي" مغلف بغلاف مصري يقضي باستسلام حماس، ويعتمد على الوعد الأميركي لحكومة السيسي، وتقديم التسهيلات لـ "إسرائيل" في إقامة جدار عميق فاصل مع تجهيزات تكنولوجية من كاميرات وأجهزة مراقبة ومجسات ضمن الحدود المصرية. وكذلك يسمح للسيسي بإظهار العرض المصري وكأنه عرض الفرصة الأخيرة، والإعراب عن استعداد مصر لإدخال قواتها للإشراف على معبر "نتساريم" إضافة لدورها في معبر رفح، بشكل متوازٍ مع تشييد مدن اللاجئين الشبيهة بمعسكرات الاعتقال النازية. وليس خافيًا عدم تخلي السلطات المصرية عن هاجس خصومتها التاريخي مع حماس والحركات الإسلامية.
في هذا السياق تسعى مصر لإظهار نفسها محركًا أساسيًا للمفاوضات على حساب حتّى الدور القطري.
 

رابعًا: في متابعة لاجتماع الدول السبع العربية في المملكة السعودية مع بلينكن بحضور حسن الشيخ مهندس سلطة رام الله لتصفية المقاومة في الضفّة، مع ورود معلومات تفيد بحضور مسؤول من "الموساد" "الإسرائيلي" الاجتماع، ولا سيما أن هبوط طائرة رئيس "الموساد" قد رصد في مطار الرياض في الوقت المحدّد، فإن الهدف المعلن للاجتماع هو أنه من أجل التنسيق لمرحلة ما بعد سلطة حماس في غزّة، وتسليم القطاع لإدارة مدنية مطواعة تابعة لرام الله تحت سيطرة عسكرية "إسرائيلية" تسمح لقوات الاحتلال بالدخول إليها، والمرابطة فيها، واقتحامها، وتنفيذ عمليات التوغل والاعتقالات وشن الضربات في غزّة وقت الحاجة الذي تقرره “إسرائيل". وما جرى الاتفاق عليه هو نسخة مطورة من التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال برعاية عربية أميركية يسمح لقوات شرطة فلسطينية مدعومة بقوات عربية بمطاردة وملاحقة عناصر المقاومة، وكشف الأنفاق وتنسيق ضربات جيش الاحتلال وتوغلاته ضمن مسار تفكيك المقاومة وفك ارتباطها بحاضنتها الشعبية خلال مدة قد تطول لسنوات.

لذا، يصبح هدف سحب ورقة الأسرى الصهاينة من يد المقاومة هدفًا مشتركًا (إسرائيليًا، أميركيًا، مصريًا، عربيًا وللسلطة الفلسطينية).  
فالإيحاء بالتوصل لاتفاق توافق عليه حركة حماس يندرج حاليًّا ضمن مسعى رمي الكرة في ملعب حركة المقاومة، وتحميلها مسؤولية رفض الصفقة، ووضعها أمام ضغوط شعبية فلسطينية ودولية، وجرها للاستسلام التدريجي، وإظهارها كمسؤولة عن التسبب باجتياح رفح على سبيل المثال.

خيارات المقاومة وتكتيك حماس في المفاوضات والحرب:
إن نجاح حركة المقاومة الإسلامية حماس في إدارة المعركة مرهون بمعركة رفح في حال منع حصولها أو في حال الاضطرار لخوضها، ولذا فإن أمامها خيارين:
 إما رفض الصفقة وخوض معركة استنزاف في رفح في ظلّ  تآمر إقليمي ودولي، والقبول باحتمالات تطوّر المعركة من تحرير بعض الأسرى الصهاينة خلال عملية الاجتياح، واحتلال السياج الحدودي مع مصر، وتهجير مئات ألوف المواطنين إلى مصر، ودخول قوات عربية مصرية في مرحلة معينة لكي تحل مكان القوات "الإسرائيلية" بالتزامن مع حملة إعلامية عربية تظهر الدخول المصري وكأنه لإنقاذ الفلسطينيين، ما يعقد الوضع أمام المقاومة، ويهدّد بحصول شرخ بينها وبين حاضنتها الشعبية التي صمدت حتّى اليوم.
الخيار الثاني وهو قبول الصفقة والتفريط بورقة الأسرى من دون ضمانات وقف كامل للحرب، ومن دون الحصول على مكاسب لمصلحة السيادة الفلسطينية وتحقيق سيناريو الخيار الأول نفسه، ولكن من دون مواجهة.

من هنا، نرى أن موقف المقاومة ليس هو الرفض ولا القبول، وكما تصوره بعض وسائل الإعلام "الإسرائيلية" نقبل، ولكن...
أو نقبل، ولكن بشرط كذا وكذا...

التمسك بالشروط عينها منذ بدء المعركة: وقف كامل للحرب، انسحاب كامل لجيش الاحتلال، عودة النازحين من دون قيود، صفقة تبادل أسرى جدية (تبييض السجون)، إعادة إعمار بغير عراقيل، مع رفض دخول أي قوات عربية أو غيرها إلى غزّة. وبذلك تعيد إلقاء الكرة مجددًا في الملعب الأميركي، بالمطالبة بوجود ضامنين آخرين تركي، روسي، صيني أو غيرهم؛ الأمر الذي ترفضه واشنطن.
هذا الخيار يسحب ورقة تحميل المقاومة مسؤولية رفض الصفقة، ويضع حكومة حرب الكيان في موقف حرج من اتّخاذ قرار اجتياح رفح، وقد يبقيه عند مستوى التهويل والقصف عن بعد. كما أننا سنشهد في المرحلة المقبلة حملة من الغضب الأميركي والمصري والعربي "الإسرائيلي" المتصاعد متزامنًا مع مزيد من التفاعلات الشعبية والدولية المناهضة للعدوان.

في ظلّ  هذا المشهد المعقّد، ما هي العوامل التي تتحكم في شكل وحدة اجتياح رفح في حال حصوله:
لا يزال في جعبة المقاومة ما تخفيه في "صندوق رفح الأسود" من مفاجآت تعيد خلط حسابات حكومة حرب نتنياهو الصهيونية الداخلية والدولية.
كما أن التصعيد في أداء جبهات الإسناد قد بدأ عمليًا مع إعلان اليمن الدخول في مرحلة رابعة من التصدي للعدوان والدعم لغزّة، ما يهدّد بإغلاق الممرات البحرية على نحو كامل ليبقى الممر البري عبر المملكة السعودية والإمارات والأردن خط الاستيراد المتبقي أمام كيان الاحتلال بعد دخول القرار التركي في المعادلة. يضاف إلى ذلك خشية قوى العدوان من تحول جبهة جنوب لبنان شمال فلسطين المحتلة إلى جبهة مفتوحة وإدخال حزب الله أسلحة جديدة في المعركة، وتخطي صواريخه المديات السابقة فور البدء في عملية اجتياح بري لرفح. كما أن حركة الجامعات الأميركية قد تنتقل لقطاعات ومستويات أخرى يضاف إليها التحرك القانوني الدولي المؤيد لفلسطين.
 

في المحصلة:
خديعة الصفقة لن تنطلي على قوى المقاومة والنية "الإسرائيلية" الأميركية واضحة بجر المقاومة لتنفيذ المرحلة الأولى والتنصل من بقية الاتفاق واجتياح رفح وتنفيذ مخطّط التهجير. لذلك من المستبعد أن تنجح الصفقة حتّى ولو أشيع خبر قبولها. ولا توجد مؤشرات على تخلي نتنياهو وحكومة حربه المتحالف مع اليمين المتطرّف عن رغبتهم بتحقيق انتصار ولو باستنفاد الفرصة الأخيرة في اقتحام رفح، الذي يرجح أن يحصل في جميع الأحوال، ولو بدرجات حدة متفاوتة ضمن سيناريوهات مختلفة، تتطور وفقًا للضغوط والعوامل المؤثرة إقليميًا ودوليًا.

في الناحية المقابلة: من المتوقع توجه الشارع "الإسرائيلي" إلى مرحلة انقسامات أعمق وأخطر مع اتساع في حدة دائرة العنف في ظلّ  تجاهل حكومة الحرب لمسألة الأسرى ومطالب ذويهم، وظهور حالة الإنهاك العسكري للجنود والضباط الصهاينة بصورة فاضحة مع تفاقم الحالة الاقتصادية على المستوى المعيشي لدى مستوطني الكيان.
أمام حماس هامش زمني كبير للمناورة بهذا النحو من دون الحاجة إلى إعلان الرفض أو القبول في رهان على تفاعل الضغوط؛ بينما لم يبق أمام حكومة الكيان والأميركي من فرص لتحقيق إنجازات فعلية وتسويقها. في حين أن الاستمرار في عملية التفاوض يسمح بتدفق قدر معين من المساعدات لمختلف مناطق قطاع غزّة؛ الأمر الذي سمحت به الولايات المتحدة بهدف تخفيف الضغط والاحتقان الشعبي العالمي ضدّها.

الصفقة أصبحت ضرورة ضاغطة على نتنياهو وبايدن أكثر من كونها عامل ضغط على حركة المقاومة والشعب الفلسطيني في غزّة. فقبول المقاومة بالاستسلام وإنهاء نفسها مرفوض، لأنه استسلام كلّ الشعب الفلسطيني وتصفية لقضيته؛ الأمر الذي يدركه أطفال غزّة قبل شيوخها. والنتيجة مع مرور مزيد من الوقت لمصلحة خيار المقاومة يحددها الميدان.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات