آراء وتحليلات
هل ردّت "إسرائيل" على إيران؟
تناقلت معظم وسائل الإعلام أن بعض المناطق الغربية الشمالية لإيران تعرضت لاستهدافات بعدة مسيّرات صغيرة، استطاعت وسائل الدفاع الجوي الإيراني التعامل المناسب معها والسيطرة عليها، وأجمعت هذه المعطيات على أن مدينة أصفهان هي المستهدفة الأساسية بهذه المسيّرات.
الجانب الإيراني الرسمي لم يجد في هذه الاستهدافات أي قيمة عسكرية تستدعي عدّها عدوانًا إسرائيليًأ واضحًا، وقد يكون وضَعها ضمن العمليات الروتينية التخريبية التي تعوّدت عليها إيران خلال السنوات الماضية، والتي تدخل ضمن الحرب الغامضة بينها وبين "إسرائيل". وفي الوقت الذي لم تفد أي مصادر عن وقوع خسائر أو إصابات، في أي من المناطق التي دخلت إلى أجوائها هذه المسيّرات الصغيرة، وفي مؤشر إلى تقديرها بأن العمل التخريبي محدود وقد تمّت السيطرة عليه، أعادت السلطات الرسمية الإيرانية إجراءات الطيران الداخلي إلى وضعها الطبيعي، بعد أن كانت قد قيّدتها بحذر لساعات محدودة، وذلك بعد انتفاء الحاجة الأمنية والعسكرية لمتابعة هذه القيود.
في الجانب الإسرائيلي، تناولت وسائل إعلام العدو الإشارة إلى أن هذه الاستهدافات المسيّرة هي عمل عسكري إسرائيلي، ومن دون تحديد إذا كان مصدر إطلاقها من داخل فلسطين المحتلة أو من خارجها. ولجأت بعض هذه الوسائل إلى القول إن هذا العمل العسكري هو من مسؤولية "إسرائيل"، من دون أن تنسب ذلك لمسؤولين إسرائيليين، في ما نسبته وسائل أخرى الى مسؤولين عسكريين ورسميين إسرائيليين، وكلّ ذلك من دون أن يصدر أي إعلان رسمي إسرائيلي يتبنى المسؤولية عن هذا العمل.
من الواضح أن "إسرائيل" قد ذهبت، من خلال هذا العمل الغامض، والذي يدخل بكامل معطياته ضمن مسار سابق من مسارات الاعتداءات التخريبية التي دأبت على استهداف الداخل الإيراني بها، من دون إعطائه بعدًا رسميًّا بقرار من حكومة العدو، ومن دون أن يكون بمستوى الرد الإيراني الأخير عليها، ولتكون هذه الاستهدافات الإسرائيلية الخجولة لإيران ببعض المسيّرات الصغيرة، إلى تسجيل موقف من دون أن تتدحرج الأمور نحو مواجهة واسعة.
عمليًا، يبدو أن واشنطن نجحت في تطويع "تل أبيب" بالذهاب نحو التهدئة بالتي هي أحسن. ولكن، ما هي الأسباب الفعلية التي تدفع بـ"اسرائيل" لاعتماد هذه المناورة المواربة وغير الشفافة؟ وهل فعلًا اعتمدتها بناء لرغبة أميركية أم بقرار ذاتي؟ ولأي أسباب؟
حتّى الآن لمّا يتبين – بالرغم من تصريحات واشنطن و"تل أبيب" الإعلامية المخادعة - أن هناك تناقضًا جوهريًا بين الاستراتيجيتين الأميركية والإسرائيلية تجاه ملفات الشرق الأوسط، وتحديدًا تجاه ملفات إيران وفلسطين وحزب الله، فقط الخلاف أو التباين هو في الوسيلة المعتمدة لتنفيذ هاتين الاستراتيجيتين.
انطلاقًا من ذلك؛ يمكن الاستنتاج أن قرار تمييع الرد الإسرائيلي على إيران هو قرار إسرائيلي - أميركي مشترك وذلك للأسباب الآتية:
١ - اليوم "إسرائيل" بغنى كامل عن الانخراط في مواجهة واسعة، وكل المعطيات العسكرية التي تحيط بمعاركها المختلفة في غزّة والضفّة الغربية ومع لبنان واليمن والعراق تؤكد أنها تعمل لتلافي هذه المواجهة الواسعة، والتي سوف تنزلق إليها بشكل مؤكد في ما لو نفذت على إيران أي اعتداء عسكري جدي أو واضح المعالم.
٢ - حتّى الآن، لم تستطع "اسرائيل" أن تخطو ولو خطوة واحدة باتّجاه حسم الحرب التي تخوضها اليوم على غزّة ومنذ حوالي السبعة أشهر تقريبًا، وهي أصبحت بحاجة لتركيز جهودها في هذه الحرب بشكل واسع، علّها تستطيع تحقيق ولو بعض أهدافها منها، وما تزال ترى أن عملية مهاجمتها لرفح هي جدّ ضرورية وإجبارية، لكي تتلافى الهزيمة المؤكدة في هذه الحرب، الأمر الذي سوف يضيع عليها حتمًا هذا الهدف، في ما لو دخلت في متاهات الحرب الواسعة لو تدحرجرت الأمور نحوها.
إزاء هذا الواقع، يمكن القول إن الاستهدافات الإسرائيلية الخجولة لإيران ببعض المسيّرات الصغيرة، جاءت بهدف تسجيل موقف يحفظ ماء وجهها جراء الرد الإيراني التاريخي عليها مؤخرًا، وذلك من دون أن تستجلب ردًا إيرانيًا، كانت قد رأت بعض النماذج الشبيهة له في الرد الإيراني الأخير عليها السبت الماضي، وكلّ ذلك بهدف عدم تدحرج الأمور نحو مواجهة واسعة، ويبدو أن واشنطن نجحت في تطويع "تل أبيب" لتجنبها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
07/11/2024
كم ستنبت الأرض منك!
07/11/2024