آراء وتحليلات
جولة بلينكن الجديدة ومحاولة النزول الأميركي عن الشجرة
أعلنت الولايات المتحدة أنها تجري مشاورات للتقدم بمشروع قرار لمجلس الأمن الدولي حول وقف إطلاق النار في قطاع غزّة. وبحسب مسؤولين أميركيين في مجلس الأمن فإن مشروع القرار "يرى ضرورة لوقف فوري وثابت لإطلاق النار"، لكنّه يخلو من دعوة مباشرة لوقف إطلاق النار في القطاع، ومن المفترض أن يجري التصويت على القرار قبل نهاية الأسبوع الحالي بحسب ذات المصادر.
يتضح من مشروع القرار الأميركي أن واشنطن تركت هامشًا للمناورة حتّى في حال صدور القرار وفق الصيغة الأميركية المقدمة على اعتبار أنه لا يتضمن ما يلزم "إسرائيل" بوقف عدوانها على غزّة، لكنّه يأتي متناغمًا مع الجولة الجديدة لوزير الخارجية الأميركي بلينكن في المنطقة والتي ابتدأها من السعودية ومن ثمّ مصر على أن يختتمها بزيارة الكيان الصهيوني.
لقاءات بلينكن في جولته شملت حتّى الآن كلًّا من ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، والرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي"، وشمل برنامج بلينكن لقاءً جماعيًّا مع وزراء ومسؤولين عرب من مصر والأردن وقطر والإمارات والسلطة الفلسطينية.
وتشير تصريحات بلينكن وبيانات الخارجية الأميركية إلى أن محاور تلك اللقاءات تركزت حول ثلاث ثنائيات سياسية متلازمة: وقف لإطلاق النار مدته ستة أسابيع في إطار صفقة لإطلاق "الرهائن"، وإدخال المساعدات مع رؤية سياسية لغزّة ما بعد توقف الصراع، وكذلك الحديث عن حل مستدام وفقًا لصيغة حل الدولتين مقابل تطبيع سعودي إسرائيلي.
التناغم بين جولة بلينكن ومشروع القرار الأميركي في مجلس الأمن يمكن ملاحظته من خلال استبعاد كليهما لطرح تاريخ محدّد لوقف إطلاق النار، وهو ما يخدم المحاور الثلاثة لموضوعات جولة بلينكن، ويمنح الفرصة لحكومة نتنياهو للاستمرار بالتلويح باقتحام رفح.
إذًا يمكن القول بأن جولة بلينكن كما جولاته الخمس السابقة لا تخلو من المراوغة ومحاولة تمرير الأهداف الأميركية وبطبيعة الحال أهداف الكيان الصهيوني، غير أن تلك الجولة تستند إلى عوامل جديدة، وفي نفس الوقت تأتي في ظلّ مخاطر جديدة تتهدّد واشنطن.
في العوامل الجديدة التي تستند إليها جولة بلينكن، يمكننا الحديث عن تطوّرات ملف المفاوضات المتعلّقة بوقف إطلاق النار والتي تجري في الدوحة بعد أن تقدمت حركة حماس بورقة جديدة لتسهيل الوصول لوقف إطلاق النار، فيما تحدثت مصادر إعلامية من الدوحة عن استمرار عمل لجان فنية متخصصة بحيثيات المفاوضات وخاصة ما يتعلق منها بملف الأسرى وإدخال المساعدات.
كذلك يمكن الحديث أيضًا عن تشغيل الممر البحري من قبرص إلى سواحل فلسطين المحتلة والبدء بإنشاء ميناء عسكري أميركي قبالة سواحل غزّة.
أيضًا تأتي زيارة بلينكن في ظلّ حراك سياسي مستجد في الإقليم، شمل زيارة لوزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى السعودية، وزيارة مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وبالرغم من أن الزيارتين جاءتا تحت عناوين مختلفة ومحدّدة، غير أنه يمكن النظر إليهما من زاوية المستجدات الهامة والمؤثرة سياسيًا.
وبما يخص المخاطر الجديدة التي تواجهها واشنطن والتي من المتوقع أن تكون ألقت بظلالها على صانع القرار الأميركي ودفعته للتحرك سياسيًا لتجنبها أو مواجهتها، فيمكن الحديث عن مخاطر إقليمية وأخرى داخلية وفق الآتي:
• إعلان صنعاء عن توسيع دائرة استهدافاتها للسفن الإسرائيلية والسفن المتجهة لـ"إسرائيل" لتشمل المحيط الهندي والطريق البحري "رأس الرجاء الصالح" لتضاف إلى البحرين الأحمر والعربي.
• إعلان صنعاء عن صواريخ متطورة وتكنولوجيا حديثة تمكّنت من خلالها من استهداف ميناء أم الرشراش "إيلات".
• تسريبات الصحافة الروسية واعتراف الإعلام الأميركي بامتلاك صنعاء لصواريخ فرط صوتية متطورة تصل سرعتها إلى 8 ماخ.
• تثبيت المقاومة العراقية معادلة استهداف عمق الكيان الصهيوني بالمسيرات والصواريخ مع العجز الأميركي الإسرائيلي الأردني عن اعتراضها، وهو ما ظهر مؤخرًا باستهداف مواقع ومنشآت صهيونية في الجولان و"تل أبيب" ومطار بن جوريون.
• إدراك واشنطن أن مرتكزات مشروعها في المنطقة والذي يمتد من المحيط الهندي إلى الخليج ومنه لشرق المتوسط قد باتت جميعها تحت قوس استهدافات محور المقاومة بكلّ مكوناته، وأنه ليس ثمة إمكانية لتغيير هذه المعادلة مطلقًا.
• الاتفاق بين صنعاء وكلّ من روسيا والصين برعاية سلطنة عمان للسماح للسفن الصينية والروسية بعبور البحر الأحمر.
• وعلى الصعيد الداخلي فقد زاد الضغط على إدارة بايدن لاتّخاذ موقف حازم لوقف إطلاق النار خاصة بعد تراجع شعبية بايدن إلى ادنى مستوى لها، في مقابل استغلال خصومه الجمهوريين لفشل بايدن في ملف الحرب على غزّة وخلافه مع رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو ودعوتهم الأخير لإلقاء خطاب أمام الكونغرس لزيادة الضغط على بايدن الذي اضطرّ للاتصال بنتنياهو وإبلاغه بأنه لا يسعى لتقويضه سياسيًّا.
هذه العوامل والمستجدات، إذا ما أضيفت إلى عوامل الصراع العالمي وخاصة في أوكرانيا وشرق أوروبا والحسم الروسي المتسارع للمعركة هناك، دفعت بواشنطن لإعادة صياغة تكتيكها الإقليمي في الشرق الاوسط، ومع دخولها موسم السباق الرئاسي في ظلّ استعار التنافس بين بايدن وترامب، في الوقت الذي أنجزت روسيا انتخاباتها الرئاسية التي فاز بها بوتين مكتسحًا أصوات الناخبين بنسبة وصلت إلى 87%.
هذه النسبة المرتفعة جاءت تعبيرًا عن تبني الشعب الروسي لخيارات بوتين الاستراتيجية في مواجهة الغرب الجماعي وإعادة المكانة التاريخية لروسيا كدولة عظمى وقطب عالمي على الساحة الدولية.
ويأتي هذا الإنجاز بعد أن أنجزت إيران انتخاباتها البرلمانية التي اكتسح فيها التيار المحافظ المعادي للغرب الجماعي النتائج، وأعلن الشعب الإيراني وقوفه خلف الاستراتيجيات التي يقودها الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي والمرشد الأعلى السيد علي الخامنئي.
وعليه، فإن القيادتين الروسية والإيرانية ستكونان أكثر تحررًا من قيود الانتخابات بعد إنجاز تلك الاستحقاقات، في الوقت الذي تدخل فيه واشنطن سباق الاستحقاق الرئاسي، والأمر ذاته ينطبق على "تل أبيب" التي تتعرض لضغوط لتقديم موعد الانتخابات.
تدرك واشنطن أنه في المرحلة القادمة ستكون موسكو وطهران أكثر ارتياحًا واطمئنانا في اتّخاذ القرارات، على عكس بايدن ونتنياهو اللذين يدخلان مرحلة الضغوط الداخلية والخارجية وتحاصرهما قيود السياسات والاستراتيجيات الفاشلة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
07/11/2024
كم ستنبت الأرض منك!
07/11/2024