معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

ماذا بعد الاعتداء الأميركي الأخير على الحشد الشعبي؟
08/01/2024

ماذا بعد الاعتداء الأميركي الأخير على الحشد الشعبي؟

بغداد  -  عادل الجبوري

من أية زاوية نظرنا إليه، فإن الهجوم الأميركي الأخير على الحشد الشعبي، الذي أدى إلى استشهاد نائب قائد عمليات حزام بغداد والقيادي في حركة النجباء، مشتاق جواد(ابو تقوى) السعيدي ومرافقه قرب وزارة الداخلية العراقية وسط العاصمة بغداد، عبّر عن ضعف واضطراب واشنطن وحجم المازق الذي تواجهه، ليس في العراق فحسب، وانما في عموم المنطقة وخارجها.

لم تتأخر الإدارة الأميركية في الاعتراف بتنفيذها لعملية اغتيال القيادي في الحشد الشعبي. ويبرر مسؤولون عسكريون اميركيون هذا الهجوم والاستهداف بأنه كان ردًا على أكثر من مائة عملية نفذتها فصائل مسلحة عراقية ضدّ القوات الأميركية المحتلة في العراق منذ بدء حرب "طوفان الاقصى" بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني.

بالفعل، نفذت المقاومة الإسلاميّة العراقية خلال الشهور القلائل الماضية عشرات الهجمات على القوات الأميركية التي تتمركز في عدد من القواعد العسكرية، مثل قاعدة عين الأسد في الأنبار، وقاعدة حرير في أربيل، وقواعد أخرى في سوريا، في اطار هدفين، أحدهما يتمثل في السعي إلى إخراج تلك القوات من البلاد واستعادة السيادة الوطنية بصورة كاملة، لا سيما وأن واشنطن ماطلت وراوغت كثيرًا في مغادرة البلاد، بعدما كانت قد عادت بقوة في صيف عام 2014 تحت ذريعة محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، لترتكب مختلف الجرائم والانتهاكات والتجاوزات، ولم يكن آخرها استهداف مقرات الحشد الشعبي على الحدود العراقية - السورية ومن ثمّ اغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الحاج أبو مهدي المهندس وقائد فيلق القدس الإيراني الحاج قاسم سليماني قرب مطار بغداد في الثالث من كانون الثاني - يناير 2020.

وتمثل الهدف الأساسي من وراء عمليات المقاومة ضدّ القوات الأميركية، بدعم واسناد الشعب الفلسطيني في معركته ضدّ الكيان الصهيوني، والتي ألقت الولايات المتحدة الأميركية بكل ثقلها في تلك المعركة لمساعدة الأخير وتجنيبه الهزيمة.

وفي كلا الجانبين، تشعر واشنطن أنها في مأزق كبير وخطير للغاية، وهي في الوقت الذي تتحرك فيه خطوة أو تبادر إلى فعل شيء ما حتّى تتخلص من ذلك المأزق، فإنها في الواقع تجد نفسها في وضع أسوأ. فمثلما أن اغتيال سليماني والمهندس لم يقلل من حجم وطبيعة الاستهداف لها، ولم يساهم في تعزيز أمنها وأمن قواتها، بل حصل العكس تمامًا، فإن اغتيال أبو تقوى السعيدي، لن يوقف سلسلة الإستهدافات المتكرّرة والمتواصلة لها في العراق وسوريا، وقد تتوسع مساحات ومديات الإستهدافات، ناهيك عن ان خيار انسحابها ومغادرتها العراق سيكون لا بد منه مع تصاعد وتيرة الاحتجاجات والرفض السياسي والشعبي. ولعل رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة العراقية محمد شياع السوداني، تحدث بوضوح في الكلمة التي ألقاها بالحفل التأبيني للحشد الشعبي على أرواح قادة النصر بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على اغتيال القائد السعيدي، عن خطأ الحسابات والتقديرات الأميركية، والخطوات القادمة لاغلاق ملف الوجود العسكري الأميركي في البلاد.

في ذات الوقت، ثمة من يقول إن الولايات المتحدة ربما تتمكّن من تحييد المقاومة العراقية وتقليل ضغط وتعدد الجبهات على الكيان الصهيوني، إلا أن الواقع يؤشر إلى خلاف ذلك تمامًا، فواشنطن أخفقت إلى حد كبير في تحييد أي جبهة، لا سيما الجبهتين العراقية واليمنية، وكذلك الإيرانية. وهي - اي واشنطن - ترى أن كبار ساسة وعسكر "تل ابيب" وضعوها في موقف حرج وسيئ لا تحسد عليه، فلا هي قادرة على انقاذ الكيان الغاصب والمحافظة على قوته وتماسكه، ولا هي قادرة على التراجع، وما الخلافات والتقاطعات الحادة بين الطرفين، التي راحت تطفو على السطح بوضوح، إلا دليلًا على عمق وخطورة مأزق واشنطن ومعها "تل ابيب".

وليست خطوات وتحركات واشنطن وحدها هي التي تسببت وتسبب باستمرار بتعقيد المشاكل وتفاقم الأزمات والمازق، وانما خطوات وتحركات "تل ابيب" أيضًا، من قبيل اقدامها على اغتيال القائد في الحرس الثوري الإيراني رضي الموسوي في سوريا، وبعدها اغتيال نائب رئيس حركة حماس صالح العاروري في لبنان، وربما لا تبتعد التفجيرات الإرهابية في مدينة كرمان الإيرانية قبل عدة أيام، والتيأوقعت عشرات الشهداء، عن هذا السياق.

ولعل التجارب الطويلة والكثيرة والكبيرة، أثبتت عدم جدوى وعبثية خيار استخدام القوّة من قبل الولايات المتحدة الأميركية ضدّ أعدائها وخصومها، فالجمهورية الإسلاميّة الإيرانية ازدادت قوة وصلابة رغم كلّ المؤامرات والضغوطات عليها طيلة أكثر من أربعة عقود من الزمن، وكذا الأمر بالنسبة لحزب الله في لبنان، وحركة أنصار الله في اليمن، والمقاومة الفلسطينية، والمقاومة العراقية. فضلًا عن تجارب أميركا البائسة والفاشلة على الصعيد العالمي، بدءًا من حرب فيتنام قبل أكثر من خمسين عامًا، وصولًا إلى دورها الداعم لأوكرانيا في حربها الحالية مع روسيا.

باختصار، اغتيال السعيدي - كما اغتيال من سبقه - لن يدفع أي طرف من أطراف المقاومة إلى الركون والاستسلام، ولن ينهي مطالب انهاء الاحتلال الأميركي، ولن يجعل أميركا وجنودها ومصالحها في العراق والمنطقة والعالم أكثر أمنًا واطمئنانًا واستقرارًا، وبالتأكيد أن العكس هو الذي حصل ويحصل.

الحشد الشعبيقوات الاحتلال الأميركي

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة