آراء وتحليلات
ما بعد التقشف.. هاوية؟!
يوسف الريس
القرارت التقشفية ستقرّ... قد تفصلنا عنها أيام قليلة لا أكثر. موازنة 2019 والتي مضى على الصرف فيها أكثر من خمسة أشهر ستقرّ في غضون أيام لتشرع خفض الرواتب وأجور المتقاعدين مستثنية بذلك موظفي المصرف المركزي. لم ينجح أي من نقابات العمال بالحفاظ على الأجور سوى نقابة موظفي المصرف المركزي بعد أن لوحت بإضرابها المفتوح والتمست الحكومة خطورة الموقف خاصة بعد إعلان المصارف إمكانية إقفال أبوابها لعدم قدرتها تأمين السيولة في ظل إضراب موظفي المصرف المركزي.
نجح حاكم مصرف لبنان في المضي بما شجع عليه، خفض سلسلة الرتب والرواتب، عدم المس بأي من بنود استقلالية المصرف المركزي، وحماية المصارف الخاصة من ضرائب لا تناسبها أو معالجة حقيقية لخدمة الدين لا تتوافق مع مصالحها.
مشهد إضراب موظفي المصرف المركزي يحمل في طياته أكثر من الحفاظ على رواتب العاملين فيه. عكس مشهد إضراب المصرف المركزي عن العمل سيناريوهات عواقب المضي بما لا يرضي الحاكم. بعد أن عمل الحاكم على تثبيت الليرة ونجح في حصد الجوائز والتبريكات، هددها بنفسه بعد أن عمد موظفو الحاكمية إلى الإضراب. هذا التهديد لا ينطبق حصرا على المس بموظفيه، بل يتمدد ليحمي كل القطاع المصرفي من الخطة التقشفية. من هنا ستقرّ الحكومة الموازنة بما يرضي الحكومة والحاكم والمصارف على حساب ذوي الدخل المحدود كما هي الحال من التسعينيات.
لا يأبه واضعو السياسات بنتائجها، لم يصرّح أيّ من الجهات السياسية أو الحكومية عن عواقب تخفيض الكتلة النقدية في ظل حالة من الانكماش تشهدها الأسواق. كذلك لم يتم وضع آلية واضحة لتتفاعل مع هذه الخضة الجديدة التي تلي خضة ضخ النقد إبان سلسلة الرتب والرواتب. ما لا يبدو أن أي من واضعي السياسات يعيه أن الاقتصاد تفاعلي. لا يمكن حصر نتائجه بما تريده الدولة وخاصة في ظل اعتماد الاقتصاد اللبناني على تحويلات رأسالمال الخارجية والاستيراد.
قانونيا، إن أي صرف من المال العام منذ أكثر من اثنى عشر عاما غير قانوني. فالدستور اللبناني واضح في هذا السياق: لا صرف يسبق الموازنة، ولا موازنة بدون قطع حساب. القاعدة الاثني عشرية هي استثناء تحمي لبنان من الوقوع في أزمة عدم سدّ التزاماته وتعطي المالية سقفا يوازي موازنة العام الماضي. وهنا يكمن إعجاز الدولة اللبنانية في اتباع هذه القاعدة على مدى اثنى عشر عاما لتقرّ بعدها أول موازنة بلا قطع حساب متأخرة عن المهلة القانونية. لتمضي الحكومتين المتعاقبتين بنفس الطريق: موازنات متأخرة بلا قطع حساب. فحال التلاعب على القانون بات مهنة المشرعين.
عمليا، السياسة التقشفية في ظل توجه الاقتصاد إلى الركود يعني خلق أزمة مالية نقدية. حجم الناتج المحلي الإجمالي يقدّر ب55 مليار دولار، أما حجم الاستيراد فيقدّر بـ18 مليار دولار. هذه المقاربة توضح الفجوة الانتاجية والحاجة الشبه مطلقة للمنتجات الأجنبية. علاوة على ذلك نسبة التضخم في لبنان حتى في ظل الإنتاجية المتدنية 4.08%. وفي هذا دلالة على أن لبنان يعاني من الضدين التضخم والركود.
من هنا لا يمكن خوض السياسات المالية والنقدية بعيدا عن توصيف علمي ودقيق للاقتصاد اللبناني من قبل الجهتين الرسميتين المسؤولتين عن الاقتصاد المتمثلتين بوزارة المالية وحاكم مصرف لبنان. ولذلك لا بد من توضيح عن مدى صوابية المضي في سياسة مالية تقشفية في ظل سياسة نقدية انكماشية وحالة ركود اقتصادي تستشعرها الأسواق قبل الحديث عن كيفية تنفيذ هذه السياسة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024