آراء وتحليلات
الصراع الدولي على سوريا، هل من خواتيم؟؟
عبير بسام
تسارعت الأحداث في سوريا منذ انتهاء اجتماع آستانا الثاني عشر في 25 نيسان/أبريل الماضي، والذي لم يسجل نتائج تذكر، خاصة على صعيد تشكيل اللجنة الدستورية، ولم تأت القمة إلا بتأكيد توليفات الصياغات السابقة نفسها. وكانت النتيجة، تأجيل الإجتماع لمدة ثلاثة أشهر قادمة قبل عقدها في جنيف من أجل تأليف اللجنة الدستورية.
في الوقت ذاته، وقف الجيشان العربيان العراقي والسوري إلى جانب بعضهما البعض للقضاء على "داعش" وتأمين الحدود العراقية ـ السورية. ثم جاء تصريح داوود أوغلو رئيس الخارجية التركي حول اتفاق أميركي ـ تركي بخصوص المنطقة العازلة في الشمال السوري: الأمر بات في غاية الخطورة، اذ تزامن ذلك مع بدء تركيا بناء سياج عازل حول عفرين، وهي واحدة من أهم مدن التين والزيتون في سوريا، وبلاد الشام. حينها، جاء رد دمشق عبر نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في لقاء إعلامي مؤكداً عزم سوريا منع استمرار سيطرة الجماعات المسلحة في إدلب، ووجه رسالة بأن على الأتراك وغيرهم أن يعوا أن سوريا مصممة على استعادة كل ذرة تراب من أرضها، وأنها لن تسمح لتركيا بالسيطرة ولو على سنتمتر واحد من الأراضي السورية.
كرر المقداد الدعوة للأكراد بأن يكونوا "الدعم لوطنهم بدلاً من كونهم أداة رخيصة بيد الأميركيين". لكن ذلك لم يلق أي آذان صاغية، لأن الأحلام التي تدغدغ بالإنفصال في شمال شرق سوريا عادت لتطفو على السطح، خاصة بعد القرار الأميركي بالإبقاء على القوة المكونة من 200 جندي أميركي في شرق سوريا. وكذلك تمت إعادة تفعيل العلاقة ما بين الأتراك والأميركيين من جهة وما بين إعادة تسليح مسلحي إرهابي النصرة وأخواتها من قبل دولة قطر، من جهة أخرى. ارتبط القرار الأميركي بالإبقاء على إدلب محتلة من قبل الجماعات المسلحة التي يديرها الأتراك. وتمادياً في المخطط الأميركي بالحفاظ على نسبة من الأراضي السورية تحت سيطرة حلفائها من الأتراك والأكراد، قام الأميركيون باتخاذ الإجراءات من أجل إطالة أمد سيطرة الجماعات الإرهابية في إدلب، ومنها رفع درجة الحصار الإقتصادي على سوريا بحرمانها من مصادر الدخل الهامة البترولية والزراعية في شرق الفرات وادلب، والبدء بسياسة تصدير صفر برميل من النفط الإيراني، والذي التزمت به معظم الدول ما عدا الصين وتركيا حتى اليوم. أي إن الولايات المتحدة تقوم بفرض الحصار الإقتصادي على جميع الدول التي تدعم سوريا والحليفة مع الدولة السورية والرئيس السوري بشار الأسد.
وفي ظل تعقيدات الظروف الإقتصادية والحلول السياسية التي تحاول أن تفرضها الولايات المتحدة حول الحل السياسي في سوريا، يتعقد السؤال حول الموقف الروسي والعلاقات الروسية ـ التركية، أو العلاقات الروسية ـ الأميركية ومدى تأثيرها على واقع الحال في سوريا، خاصة بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد لقائه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في 17 أيلول/ سبتمبر من العام 2018 أنه قد توصل إلى اتفاق حول إقامة منطقة منزوعة السلاح تفصل بين الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة والمناطق التي تقع تحت سيطرة الحكومة السورية. الأمر الذي رفضته الدولة السورية، التي أعلنت أنها ستقوم بتحرير جميع أراضيها. وفي وقت كان ينتظر فيه العالم قيام الجيش السوري بإنهاء وجود الجماعات المسلحة في إدلب، وبتنا جميعاً ننتظر ساعة الصفر لبدء معركة ادلب، وتغير مجرى الأحداث. وتوقف الجيش السوري على حدود ادلب، وابتدأت سلسلة من المناوشات، شيء يشبه حرب الإستنزاف، ما بين القوات السورية والجماعات المسلحة في ريف حماة الشمالي والشمالي الغربي.
الموقف الروسي، من ناحية أخرى، وإن قبل بمنطقة عازلة تسير فيها القوات الروسية إلى جانب القوات التركية في 2018، لم يكن قادراً على فرض نوع من الحلول كهذا على الحكومة السورية والقيادة فيها، وهذا ما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إعلانه عن وحدة الأراضي السورية جميعها في أستانا 12، الكلام تزامن مع قصف روسي للجماعات المسلحة فيها. ولكن الروسي كان يأمل بنهاية الأزمة السورية بحلول العام 2019، من أجل البدء بعملية إعمار سوريا بمشاركة دول عربية وأوروبية ومباركة أميركية. غير أن إعلان ترامب بالإبقاء على قاعدة التنف ومواقع أخرى في شرق الفرات عرقل الخطط التي وضعت باتجاه الحل السياسي وتشكيل اللجنة الدستورية، وإعادة كتابة الدستور بإشراف الأمم المتحدة. ومع استمرار رفض الحكومة السورية الشروط الأميركية بكتابة دستور طائفي فيها وتقسيمها إلى قوى وإثنيات وطوائف، والمساس بحرية القرار السوري، وأهمها دعم المقاومة في لبنان وفلسطين، رفضاً قاطعاً، هو في الحقيقة ما يعرقل الحل السياسي، وهذا أيضاً ما ترفضه روسيا تماشياً مع مصالحها في دولة سورية موحدة ومع الرغبة التي يعبر عنها الشعب السوري برفض دولة طائفية في بلاده، على الرغم من الأوضاع الإقتصادية الصعبة التي بات يعيشها.
وبحسب القراءات في مواقع الصحف والأبحاث الغربية، فإن الروس كانوا يرغبون بوضع اتفاق مؤقت ما بينهم وما بين أنقرة بعد الإنسحاب الأميركي المتوقع من شمال ـ شرق سوريا. وأن روسيا لم تتنازل يوماً عن وحدة الأراضي السورية، غير أن موسكو ترى أن الخطر القادم من الأميركيين هو أكبر بكثير من الخطر القادم من تركيا. وأميركا تشترط وجود اتفاق بمنطقة عازلة إذا ما أرادت الخروج من سوريا. وهنا نقطة خلاف أساسية مع السوريين الذين يرون بحسب مصدر سوري لـ "Global Research"، "يحاول الرئيس الروسي فتح الطريق إلى تركيا من أجل فتح علاقات مباشرة على أعلى المستويات. وترى روسيا أن الوجود التركي مقبول ما دام لا يهدد وحدة سوريا. ولكن نحن في سوريا نظن أنه في حال دخلت تركيا فسيكون من الصعب طردها". وما هو مؤكد أن كلاً من إيران وسوريا تختلفان مع بوتين، لأنهما مقتنعتان أن تركيا، إذا ما دخلت الشمال والشمال الشرقي السوري، فإنها لن تتخلى عن مطامعها فيما سيأتيها من المصادر الطبيعية والزراعية التي ستضع يدها عليها تحت مدعى محاربة الأكراد. ولن ننسى، أن تركيا ما زالت تتحسر على "شركة البترول التركية" بعد خسارتها الحرب العالمية الأولى، والتي تنازلت عنها لتصبح بعد أن احتلت بريطانيا العراق "شركة البترول العراقية"، والتي كانت القضية الأساس التي عولجت في مؤتمر سان ريمو في العام 1920. اذ إن تركيا ما تزال تعتبر نفسها صاحبة حقوق في الأراضي العربية. وهي لا ترغب بالخروج من سوريا اذا ما قدر لها.
اليوم بدأت الجماعات المسلحة بتهديد أمن المواطنين في ادلب وحماة واللاذقية، ويبدو أن الحلم التركي باحتلال أو فرض السيطرة على المناطق المحيطة بلواء اسكندرون، حيث تعد اللاذقية وادلب الإمتداد الجنوبي الغربي والجنوبي للواء المحتل. وبما أن نهاية العمل باتفاقية فرساي التي فرضها الحلفاء على الأتراك في العام 1923، والتي حددت الحدود التركية الحالية، متضمنة أجزاءً من الأراضي السورية ومنها "لواء اسكندرون"، قد ابتدأ العد العكسي لنهايتها في العام 2023. والسؤال هنا إذا ما كان الإتفاق الذي تحدث عنه أوغلو مع ترامب قد شمل هذه المواضيع، والتي تصب في صميم القرار الأميركي بالإبقاء على احتلال الـ 40% من الأراضي السورية.
وبناءً عليه فإن التعزيزات، التي ابتدأت الصحف السورية بتسريب أخبارها لا تخرج عن إطار القلق السوري من احتلال تركيا للأراضي السورية. ويبدو أن قصف روسيا للمسلحين في إدلب لا يخرج عن واقع فهمها بأن سوريا وحلفاءها، إيران وحزب الله، لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام الإحتلال العثماني الجديد. وأن سوريا لن تصمت عن التحرشات التركية، من خلال عملائها الإرهابيين، خصوصاً في ريف حماة واللاذقية. ولذا فمعركة إدلب قادمة قادمة، لأنها إن لم تأت فإن سوريا لن تكون أبداً الدولة التي نعرفها. ويبدو أن الأتراك قد خبروا في الخامس من هذا الشهر بعد مقتل جنودهم وهم يحاولون إنقاذ إرهابيّي ادلب، جزءاً مما يمكن أن يصيبهم، ولن يكون دخول المحتلين مهما تكن صفاتهم أو جنسايتهم، سوى رحلة الموت.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024