آراء وتحليلات
بعد أربعين يوماً: شبح الهزيمة يلاحق واشنطن
حيان نيوف
بالرغم من أنه لا قيمة تنفيذية لقرار مجلس الأمن الصادر، في اليوم الأربعين للمعركة، لكن مجرد صدوره يعطي مؤشرات ودلالات لا بد من التوقف عندها لفهم الصورة الحالية. لقد تضمن القرار الذي صدر دعوةً إلى هدن إنسانية عاجلة وممتدة وإلى إنشاء ممرات إنسانية، كما دعا إلى الإفراج غير المشروط عن "الرهائن".
امتنعت كل من واشنطن وموسكو ولندن عن التصويت لصالح القرار، لكنها لم تعرقله، ولكل منها أسبابها، فموسكو كانت تتطلع لقرار أكثر حزمًا ووضوحًا يسهم بوقف دائم لإطلاق النار وتبنّي عملية سياسية تفضي لمحادثات سلام. أما بالنسبة إلى واشنطن؛ فإنّ تمرير القرار يأتي بناءً على خلفيات عديدة، أولها متعلق بالرغبة بعدم توسيع الصراع، وثانيها متعلق بقناعتها بالعجز الإسرائيلي عن تحقيق إنجازات ميدانية، وثالثها متعلق بالضغط الذي تتعرض له داخليًا بسبب ملف الرهائن الأميركيين، ورابعها ناتج عن الضغوط التي تتعرض لها بسبب الجانب الإنساني، وخامسها متعلق بقمة سان فرنسيسكو التي لا تريد لها الفشل، أو على الأقل لا تريد ما يؤثر عليها، وسادسها - وهو الأهم - متعلق بفتح مسار لإخراج حليفها الإسرائيلي من الورطة التي وجد نفسه فيها.
ميدانيًا، كان لافتًا في اليوم الأربعين بأنّ واشنطن تنصلت من مسؤوليتها عن اقتحام الجيش الإسرائيلي لمجمع الشفاء الطبي، مع أنها هي من أعطت أمر العمليات باقتحامه على لسان البيت الأبيض الذي أكد بأنّ المجمع يحتوي على مقر قيادة لحماس ومخازن سلاح وسجن "للرهائن"، وأن لدى واشنطن معلومات استخبارية مؤكدة حول ذلك، بينما أرادت "اسرائيل" أن تشكّل عملية اقتحام المجمع الطبي إنجازًا ميدانيًا يتيمًا لها في ظل الفشل العسكري والأمني الذي منيت به.
ما لبثت أن تلاشت فقاعة الإنجاز الإسرائيلي لاقتحام المجمع الطبي بعد أن ثبت عدم احتوائه على السلاح والأسرى، أو ما يثبت أن المقاومة استخدمته مقرًا عسكريًا لها، وهو ما دفع واشنطن للمسارعة إلى التنصل من المسؤولية عن قرار الإقتحام، ويبدو أن واشنطن كانت تنتظر أن يعثر الجيش الإسرائيلي على "الرهائن" فيه لتبرير موقفها المؤيد والداعم للاقتحام.
ميدانيا أيضًا، شهدت المواجهة مجموعة من العوامل، في الساعات الأخيرة، كان لها الأثر الكبير في عملية الردع، ويمكن تلخيص تلك العوامل على الشكل الآتي:
- العامل الأول: أثبتت المقاومة الفلسطينية في غزة، بعد 40 يومًا، أنها ما تزال قادرة على دكّ المدن والمستوطنات الصهيونية، بما فيها عاصمة الكيان الصهيوني "تل ابيب"، بالصواريخ والمسيّرات، وهي ما تزال قادرة على الاشتباك والمواجهة وتدمير الآليات والدبابات العسكرية الإسراىيلية في الميدان، وأن قياداتها السياسية والعسكرية ما تزال بخير.
- أظهرت المقاومة الإسلامية في لبنان استعدادًا أكبر للمواجهة، خاصة بعد الخطاب الثاني للأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله الذي كان جازمًا بقوله "العين على الميدان". هذا الاستعداد ترجمته كثافة العمليات ونوعيتها التي تنفذها في شمال فلسطين المحتلة، وكذلك ما كشفه سماحة السيد في خطابه حول الجانب التسليحي للمقاومة وقدراتها.
- الخطاب الذي ألقاه قائد أنصار الله سماحة السيد عبد الملك الحوثي، والذي أكد فيه استمرار اليمن بالدخول في صلب المعركة، سواء عبر الصواريخ البالستية والمسيّرات التي تستهدف جنوب فلسطين المحتلة وعلى وجه التحديد "إيلات"، أم عبر التهديد العلني باستهداف سفن الكيان الصهيوني في البحر الأحمر وباب المندب. وهذا العامل الأخير كان، ربما، الأكثر تأثيرًا على واشنطن قبل "تل ابيب" والحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة، لأن ذلك يعني إغلاقًا للممر المائي الأكثر أهمية لهم على الإطلاق كونه المعبر الرئيسي لسلاسل التوريد المتنوعة لهم، ونقصد البحر الأحمر بالتأكيد.
- إعلان المقاومة الإسلامية في العراق إدخال صاروخ جديد ذكي قصير المدى في الخدمة، تحت اسم "صارم"، وتكثيفها لعملياتها ضد قوات الاحتلال الأمريكي في العراق وسورية، وخاصة العمليات الأخيرة التي عدّت ردًا على تهديدات واشنطن.
بالإضافة إلى عوامل الردع العسكرية الأربعة التي أظهرتها مكوّنات محور المقاومة، فإنّه لا بد من التعريج على العوامل الجيوسياسية الإقليمية والدولية، ويمكن ذكر أهمها:
- العامل الأول متعلق بالجبهة الأوكرانية، وما تردد في الإعلام الغربي عن استعداد روسيا لهجوم مضاد وواسع على كامل الجبهات هناك مع انطلاق فصل الشتاء. وهو ما أكده ارتفاع وتيرة العمليات العسكرية الروسية على كامل خطوط الجبهة وإعلان موسكو عن نشر مقاتلات من الجيل الخامس "سو ٥٧" لاستخدامها في العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا. ويضاف إلى ذلك الأخبار المتواترة عن تصدعات، في القيادتين السياسية والعسكرية الأوكرانية، ودعوات خرجت للعلن لاستبدال زيلينسكي، وكذلك عجز الغرب في تأمين التمويل والعتاد والذخيرة لأوكرانيا في ظل تحويله للاموال والسلاح إلى "إسرائيل".
- العامل الثاني متعلق بالتحولات العسكرية في شرق أسيا وجنوب شرقها والمحيط الهادئ. فقد كُشف عن قيام كوريا الشمالية باختبار محركات لصواريخ متوسطة المدى قادرة على ضرب القواعد الأمريكية في جزيرة جوام في المحيط الهادئ، وكذلك اتفاق بين روسيا وفيتنام على إرسال سفن حربية روسية إلى فيتنام وإجراء مناورات عسكرية بحرية مشتركة، والأمر ذاته كذلك بين روسيا وميانمار. وهذا يعني تعزيز الوجود العسكري الروسي في جنوب أسيا، يضاف إلى ذلك التحركات الصينية شبه اليومية في المناطق التي ذكرناها، وكل ذلك في ظل انشغال الغرب بالشرق الأوسط وإرساله الأساطيل وحاملات الطائرات إليه.
- العامل الثالث متعلق بإيران، والتي بالإضافة إلى دعمها العلني والمطلق لمكوّنات وفصائل محور المقاومة، فإنها حافظت على التشبيك السياسي في الإقليم وخاصة مع السعودية، وظهور بوادر لعودة العلاقات السياسية مع مصر. وهذا يعني انعكاسًا فرضته الحرب على غزة بعد أن أريد لها ان تكون عامل تفريق وتناحر، وأكدته القمة العربية الإسلامية في السعودية.
بالمحصلة، إذا أضفنا العوامل الميدانية إلى العوامل الجيوسياسية الإقليمية والدولية، ستكون النتيجة واضحة، وهي أن الولايات المتحدة وجدت نفسها أمام كمٍ كبير من المعطيات السلبية التي سينتج عنها مزيد من تراجعها وتراجع نفوذها على المستوى الإقليمي والدولي لصالح خصومها. وعليه؛ فقد وجدت واشنطن، في قمة آبيك المنعقدة في سان فرانسيسكو وفي القمة الصينية الأمريكية التي عقدت على هامش قمة آبيك، فرصةً لها لإعادة ترتيب أوراقها في محاولة للنزول عن الشجرة التي صعدت إليها برفقة حليفها الإسرائيلي، فهي تدرك بأن ذلك دونه تنازلات يجب عليها تقديمها، ولعل قرار مجلس الامن بالأمس كان أولى تلك التنازلات أو لنقل بأنّه يشكّل المدخل الأولي لاستعدادها لتقديم تلك التنازلات.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024