آراء وتحليلات
"الناتو" يعزز الردع النووي مقابل روسيا.. هل اقتربت الحرب النووية؟
شارل ابي نادر
حتى ما قبل الامس، لم يكن الناتو يشير علانية الى قدراته النووية والى امكانية استعمالها بالقدر الذي كانت روسيا تشير الى ذلك، وحيث دأبت الأخيرة على إظهار قدراتها الاستراتيجية في كل مناسبة. ومن مبدأ الردع طبعًا، فإن الغرب الاطلسي بدأ ينحو باتجاه التشبه بالاستراتيجية الروسية في التلويح بالردع النووي، ومن باب الرد على موسكو، باشارته وفي موقع الحلف المذكور ضمن مقال تحليلي اعدَّه غريغوري ويفر، أحد كبار موظفي الحلف السابقين، وذلك بقوله إن "روسيا ستبادر إلى استخدام الأسلحة النووية في حال نشوب حرب مع الناتو، وإنّ هناك ضرورة لأن يعزز الحلف الأطلسي ردعه النووي، وأن لا يعتمد فقط على التفوق في الأسلحة التقليدية".
في الواقع، ليست المرة الاولى التي يخادع فيها الغرب او احد اطرافه الاساسيين، الاميركيين تحديدا او حلف شمال الاطلسي، حول حقيقة الموقف الدولي الذي يعيشه العالم حاليا، وحول عدم مسؤوليتهم عن التوتر غير المسبوق الذي وصل اليه العالم اليوم. وفي الوقت الذي يدعي فيه الغرب الاطلسي انه بحاجة لتعزيز قدراته النووية ومستواه في الردع النووي، بسبب معلومات لديه بأن روسيا سوف تبادر الى استخدام الاسلحة النووية، فإن كل المعطيات الاستراتيجية التي طبعت الساحة الدولية مؤخرًا، والتي كان أهمها، تلك التي دفعت روسيا الى اطلاق عمليتها الخاصة الاستباقية في اوكرانيا، تشير وبقوة الى ان الغرب الاطلسي استفز موسكو واستدرجها الى هذه المواقف الردعية، بعد ان شعرت ولمست بأن الناتو يراكم عناصر الخناق والحصار عليها يوما بعد يوم وواقعة بعد اخرى، وخاصة بعد ان تجاهل الناتو كل مطالب الروس عن ضمانات امنية ضرورية وواقعية كان مفترضا بالحلف اخذها بعين الاعتبار ومعالجتها.
ولتبيان هذا الخداع الغربي حول حقيقة من هو مسؤول عما وصل اليه اليوم المسرح الدولي، وحيث قد لا يكفي ما قاله المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف، في أكثر من مناسبة، من أنّ "المزيد من توسع الحلف شرقاً لن يجلب مزيداً من الأمن إلى أوروبا"، مشيراً إلى "الطبيعة العدوانية لـلناتو"، ربما يجيب عن حقيقة هذه المسؤولية بالاضافة الى الكثير من الاصوات في الغرب التي تقول إنّ سياسات واشنطن وحلف شمال الأطلسي هي التي تؤدي إلى مواجهة مباشرة مع روسيا، ما أشار اليه وبكل وضوح، المرشح الرئاسي الأميركي السابق، والسياسي المعروف في ولاية هاواي تولسي غابارد متهما الرئيس الأميركي جو بايدن بـالتحريض على حرب نووية.
فمع هذا التوتر والتشنج والاتهامات المتبادلة والتنصل من مسؤولية الوصول الى هذه الوضعية الدولية الخطيرة، ومع صعوبة تراجع كل طرف أساسي في هذه المواجهة الشرسة، والتي هي ظاهريا بين موسكو وكييف ولكنها فعليا بين روسيا وبين الغرب الاطلسي، هل يمكن القول إن احتمالات اندلاع حرب نووية بدأت فعليا ترتفع مؤخرا وإن العالم على الطريق نحو هذه الحرب المدمرة؟
انطلاقا اولاً من الحرب الدائرة حاليا في اوكرانيا، وبمعزل عما أشرنا اليه أعلاه عن مسؤولية الناتو باستفزاز الروس وباستدراجهم وباجبارهم على خوضها، فإن المعطيات والوقائع الميدانية أثبتت حتى الآن، ان الغرب وبقيادة اميركية لا يريد لهذه الحرب أن تتوقف، وهو يقفل كل امكانيات التفاوض والتسويات، وفي الوقت الذي كانت قد انطلقت هذه المفاوضات بين موسكو وكييف في صيف العام السابق (2022) برعاية انقرة، فقد اجبرت واشنطن الرئيس الاوكراني زيلنسكي على وقفها، ودفعته نحو تسعير المواجهة العسكرية بعد ان رعت اكبر حملة دعم وتسليح عسكرية لوحداته، ووجهته لتنفيذ هجوم مضاد لاسترجاع الاراضي التي سيطرت عليها روسيا في شرق وجنوب اوكرانيا، ورغم الخسائر الضخمة التي دفعتها اوكرانيا وما زالت تدفعها بغزارة، ما زال الغرب الاطلسي يدعمه ويجره الى متابعة الهجومات العقيمة المتتالية حتى آخر جندي اوكراني .
من هنا، وحيث يمكن القول ان الغرب الاطلسي يسيّر الوضع في اوكرانيا ويوجِّهه نحو مواجهة غير تقليدية، ومع تصاعد التوتر الحساس دوليا، ومع استسهال اغلب الأطراف الدولية النووية الكلام عن حرب نووية او التهديد بها، واستنادا إلى حتمية التدمير الشامل لاغلب هذه الاطراف، كيف يمكن تحديد مستوى القدرات النووية لكل من الاطراف الدولية المعنية باية مواجهة نووية مقارنة بين بعضها بعضًا؟ وما هي نقاط ضعف كل من الناتو وحلفائه من جهة وروسيا وحلفائها من جهة اخرى في مجال القدرات غير التقليدية؟ وهل يمكن تخيل سيناريو معين لهذه المواجهة المفترضة؟
في الحقيقة، وحيث لا يمكن التمييز بين قدرات كل طرف من هذه الاطراف الدولية المتواجهة حاليا، (روسيا وحلفائها مقابل الغرب الاطلسي وحلفائه)، اولًا لأن كل الاطراف هي غير شفافة في تبيان حقيقة مستوى امتلاكها للرؤوس النووية (لا وجود للثقة بين هذه الاطراف)، خاصة بعد ان توقف العمل بمعاهدة ستارت الجديدة التي تضبط وتخفّض عدد الرؤوس النووية، وثانيا لاننا هنا نتكلم عن أن اي عدد معين من الرؤوس النووية، ولو بالحد الادنى، هو كاف لاحداث الدمار الشامل، رغم الفارق الكبير في عدد هذه الرؤوس بين طرف وآخر، وحيث وصل مستوى ما تملك كل جهة من القدرات النووية الى درجة كافية لتدمير الجهة الاخرى، وحيث وصلت امكانية كل جهة الى النجاح في اطلاق ونقل القدرات الكافية لالحاق التدمير بالجهة الاخرى، رغم كل ما يتم الحديث عنه عن انظمة دفاع جوي ودرع صاروخية وما شابه.
انطلاقا من كل ذلك، يمكن القول ان الحاجة للعودة إلى ضبط (التنافس النووي الدولي) اصبحت حاجة ملحة وضرورية جداً لكل الأطراف، وبمعنى آخر، من الطبيعي ان يؤدي رفع السقف الخطير بهذا المستوى وهذا التهديد الواسع والشامل ومن كافة الأطراف، إلى التعقل والى تبريد الرؤوس الحامية وفتح باب التفاوض على مصراعيه وفي كافة الملفات الخلافية دوليا، وبالتالي، وبتقديرنا، مع كل كلام عن الحرب النووية، ومع كل اظهار وكشف للقدرات غير التقليدية، ومع كل رفع لمستوى الردع من طرف او من كل الاطراف، يكون هناك عمليا ابتعاد عن القرار بالجنوح نحو استعمال السلاح النووي، ومن كافة الاطراف.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
13/11/2024
هل انتصرت المقاومة؟
13/11/2024
"اسرائيل" والنصر المزيّف
12/11/2024
حسابات حقول العدوان وبيادر الميدان
11/11/2024