آراء وتحليلات
صواريخ "اتاكمز" الأميركية إلى أوكرانيا.. أي تغيير في المواجهة؟
شارل ابي نادر
حتى وقت قريب، كان الغموض ما زال يلف موقف الرئيس الأميركي جو بايدن من تزويد أوكرانيا بصواريخ "اتاكمز" التكتيكية، لتفيد المعطيات أخيرًا عن موافقته على منح كييف هذه الصواريخ. وبحسب صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، فإنّ واشنطن قرّرت إرسال "أعدادٍ قليلة مبدئيًا" مِن صواريخ "اتاكمز"، مزوَّدة بذخائر عنقودية إلى أوكرانيا. القرار أُعلِن بعد نفي البيت الأبيض الخميس الماضي على لسان مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان تضمين حزمة المساعدات العسكرية الجديدة لكييف هذه الصواريخ، وأثبت الأميركيون من خلال هذا التناقض المقصود في قراراتهم حول استراتيجية تزويد أوكرانيا بالأسلحة، أنه لا يمكن الاستناد إلى تصريحاتهم أو الاعتماد عليها في أي تصريح يتعلق بمتابعة ومقاربة سياساتهم بشكل عام، أو في مقاربة الحرب في أوكرانيا والاشتباك الأطلسي الروسي بشكل خاص.
في هذا الاطار، أشارت صحيفة "بوليتيكو" الأميركية نقلًا عن مسؤولين أميركيين رفضوا الإفصاح عن هوياتهم إلى أن صواريخ "اتاكمز" لن تكون "رصاصةً سحريةً"، ولن تغيّر قواعد اللعبة في أوكرانيا"، لتشير أيضًا مصادر صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إلى أنّ قرار تزويد كييف بهذه الصواريخ كان تمّ اتخاذه قبل زيارة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي الأخيرة للولايات المتحدة، والتي جاءت على هامش مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن بحسب الصحيفة أيضًا، فضّلت إدارة بايدن عدم إعلان القرار صراحةً حتى لا تتمكن روسيا من أخذ احتياطاتها.
عمليًا، صحيح ما تقوله بوليتيكو بأن صواريخ "اتاكمز" لن تكون "رصاصةً سحريةً"، ولن تغيّر قواعد اللعبة في أوكرانيا، فالوحدات الأوكرانية ستحصل على عدد قليل من هذه الصواريخ لأسباب لوجستية تتعلق بصعوبة نقلها حاليًا خاصة في مناطق مُراقَبة ومرصودة من الروس بشكل فعّال، أو لأسباب مالية تتعلق بثمنها الغالي وبكونها أسلحة تقليدية استراتيجية أميركية، لا يمكن تزويد كييف بعدد كاف منها لتغطية ودعم جبهات شرق وجنوب شرق وجنوب اوكرانيا، والتي تمتد لمسافات تتجاوز 800 كلم. ولكن، هناك عدة معطيات تتعلق بمضمون هذه الصفقة الصاروخية الأميركية لكييف، وترتبط كذلك بالتوقيت الحساس لبعض الوقائع العسكرية والميدانية التي تشهدها المعركة في أوكرانيا حاليًا خاصة في جنوبها، تدفع بعض المتابعين لاعتبار أن هناك تغييرًا غير عادي ربما تشهده الحرب في أوكرانيا بعد سلوك القرار الأميركي طريق التنفيذ. ويمكن الاشارة إلى هذه المعطيات حسب التالي:
أولًا: صواريخ اتاكمز هي صورايخ تكتيكية متطورة، قصيرة إلى متوسطة المدى في مفهوم الحرب الباردة ومفهوم الاشتباك الاستراتيجي بين الناتو وروسيا، حيث يبلغ مداها 300 كلم، ولكنها في المفهوم العملي للمواجهة الحالية بين كييف وموسكو على الأراضي الأوكرانية، تعتبر صورايخ بعيدة المدى من ضمن الصواريخ التي كانت حتى الأمس تحاذر واشنطن تسليمها لكييف، حيث تغطي بهذا المدى، (300 كلم) كل مناطق الاشتباك المباشر في الدونباس وصولًا إلى بحر آزوف وشبه جزيرة القرم، إضافة لقدرتها على تغطية كل نقاط القيادة والسيطرة الروسية البعيدة خلف خط الجبهة مباشرة، كما أنها - مع غياب القرار الأوكراني بذلك حتى الآن - قادرة على استهداف العمق الروسي والعمق البيلاروسي من أي منطقة حدودية أوكرانية تتواجد فيها وحدات كييف اليوم، لمسافة المدى المذكور، وحتمًا هناك الكثير من القواعد العسكرية الروسية أو البيلاروسية كأهداف أوكرانية تنتشر ضمن أراضي الدولتين وتشارك في الحرب داخل أوكرانيا.
ثانيًا: بحسب تاس السوفياتية، نقلًا عن صحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن تسليم الولايات المتحدة صواريخ "اتاكمز"، سوف يُقنع المانيا تلقائيًا بتسليم كييف صواريخ كروز المجنحة من طراز توروس (الالمانية – السويدية) كون برلين وبحسب الصحيفة تؤكد منذ فترة أنها تفضل "اتباع واشنطن" في تزويد كييف بالأنواع الجديدة من الأسلحة، وفي الوقت الذي سيكون توروس من الصواريخ المخصصة لتوجيه ضربات إلى الخطوط الخلفية للقوات المسلحة الروسية وإصابة أهداف على مسافة بعيدة حيث يبلغ مداه المجدي 480 كلم، سيكون فعالًا بدرجة مهمة، إذ يمكن تزويده بمحرك توربيني صغير الحجم يشبه محرك صاروخ، وقد تم تصنيعه باستخدام تكنولوجيا "ستلز" للتخفي عن الرادارات، مع تزويده بنظام الملاحة الاستمراري المستقل الذي يتم تعديل مواصفاته دائمًا بواسطة نظام الملاحة الفضائية "جي بي إس"، سيشكل (توروس) مع صواريخ كروز من طراز ستورم شادوز البريطانية (300 كلم) وسكالب الفرنسية (250 كلم) اضافة مهمة للقدرات الصاروخية الأوكرانية.
ثالثًا: أيضًا، اللافت في هذه الصواريخ المجنحة نوع كروز: "اتاكامز" الأميركي وتوروس الألماني السويدي وستورم شادو الفرنسي البريطاني وسكالب الفرنسي، أن جميعها صواريخ جو – أرض، تطلق من قاذفات بعيدة المدى، وما تملكه أوكرانيا اليوم من القاذفات وخاصة سوخوي 24 و29، يمكن أن يكون مناسبًا لإطلاق هذه الصواريخ، مع الإشارة إلى أن الاستهداف الناجح لمراكز البحرية الروسية في سيفاستوبول مؤخرًا، والذي تم بصاروخ ستورم شادوز البريطاني أطلقته قاذفة سوخوي 24، إضافة إلى أن الطيارين الأوكران الذين يتدربون على قيادة الأف 16 الأميركية والتي أمّنت بعض الدول الأوروبية عددًا منها للقوات الجوية الأوكرانية، اقتربوا من حصولهم على رخصة وامكانية قيادة هذه القاذفات الفعالة (اف 16).
ويأتي التوقيت الحساس اليوم، الذي بدأت تشهده الحرب في جنوب أوكرانيا، ليعطي صورة معينة تتمحور حول التالي:
بالرغم من فشل الهجوم الأوكراني وخاصة في جنوب زاباروجيا نحو ميليتوبول وبحر ازوف لفصل شبه جزيرة القرم عن الدونباس، والخسائر الضخمة التي تكبدتها الوحدات الأوكرانية في هذا الهجوم، ما زال الدفع الغربي - الأطلسي - الأميركي في أوجِه لزج القوات الأوكرانية في هذا الهجوم دون استسلام، ليتحول نحو شبه جزيرة القرم صاروخيًا من خلال هذا التغيير الاستراتيجي في مد أوكرانيا بصورايخ فعالة كانت محظورة سابقًا، ويكون شبه الجزيرة على موعد مع تصعيد صاروخي غير مسبوق، سيهدف الناتو من خلاله إلى جعله منطقة غير قابلة لسكن المدنيين من جهة، وإلى جعله من جهة أخرى غير قابل ليكون قاعدة بحرية وبرية روسية متقدمة، وليكون – وهذا هو الأهم في أهداف الغرب الأطلسي - نقطة الضعف التي ستجعل روسيا تعيد حساباتها وتخفض شروطها وتذهب لتسوية لا تناسب أهدافها الأساسية من العملية العسكرية في أوكرانيا.
فهل ينجح الغرب الأطلسي في تحقيق هذا الهدف، أم أن روسيا تحضر لما ليس في حسبان هذا الغرب الأطلسي؟
قد يكون لقادم الأيام القريبة، الجواب الواضح على هذه التساؤلات.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024