آراء وتحليلات
انقلاب النيجر: فرنسا تخسر نفوذها في القارة الافريقية
تونس – عبير قاسم
لا يزال الانقلاب المعلن في النيجر يثير ردود فعل واسعة إقليمية ودولية، خاصة ان النيجر تمثّل أهمية جيوسياسية بالنسبة للدول الغربية مثل فرنسا والولايات المتحدة باعتبار ما تملكانه في تلك المنطقة من قواعد عسكرية هامة.
ولا يخفى ان النيجر ــ التي تعد واحدة من أفقر دول العالم وأقلها نمواً على الإطلاق ــ هي سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم الذي يعتبر ضرورة لفرنسا ومن ورائها الدول الغربية، ويدخل في الصناعات النووية والكهربائية الهامة. ولعل التساؤل الأهم هو هل بدأت فرنسا تخسر نفوذها في القارة الافريقية خاصة ان انقلاب النيجر جاء بعد سلسلة انقلابات عرفتها المنطقة في مالي وبوركينا فاسو وأسقطت أنظمة حليفة لباريس والغرب عموما.
خارطة جيوسياسية جديدة
ويرى بعض المحللين ان هذا الانقلاب يعد ضربة لمصالح فرنسا في هذا البلد خاصة بعد انسحابها من مالي إثر انقلاب أطاح بالرئيس الحليف الرئيسي لباريس، ومن شأن انقلاب النيجر أن يًسهم في تشكيل خارطة جيوسياسية جديدة تعد جزء من تحولات كبرى تشهدها القارة، خاصة مع دخول قوى على خط المعادلات مثل روسيا والصين واللتان تعتبران بالنسبة للمجتمعات الافريقية جزء من مرحلة جديدة هي مرحلة التخلص من النفود الفرنسي التقليدي الاستعماري وبناء شراكات جديدة مع قوى أخرى تقوم على الندية.
وبات جليا الترابط القوي اليوم بين المجلس العسكري في النيجر وروسيا خاصة بعد ان طلب رسميا دعم مجموعة "فاغنر" العسكرية الروسية الخاصة، لمواجهة أي ضربة خارجية قد تنفذ ضدهم. من قبل مجموعة "ايكواس" التي وضعة خطة لتدخل عسكري محتمل في النيجر.
ويرى ادريس لكريني الباحث المغربي في العلاقات الدولية في حديث لـ"العهد" أن فرنسا بدأت تفقد تواجدها داخل القارة الافريقية سواء في مالي او تشاد وغيرها. ويقول لكريني: "يبدو ان الفرنسيين ليسوا مستعدين للتنازل عن مقاربتهم او توجهاتهم المهيمنة التي مع الأسف لم تستوعب حجم التطور الذي حدث سواء في افريقيا او المنطقة المغاربية بالصورة التي اهتزّت معها مكانة فرنسا لدى الأفارقة. وزاد من حجم التراجع تداخل الإقليمي والدولي داخل افريقيا والذي يشتغل على تعزيز العلاقات في اطار التعاون المربح بالنسبة للجميع. وأيضا مع وجود نوع من الارتباط في السياسة الخارجية تجاه افريقيا التي لم تستطع ان ارساء علاقات مبنية على المصالح المتبادلة".
ويتابع لكريني: "لاحظنا ذلك في مالي حيث كان التواجد الفرنسي قد شكل عاملا عمّق المشكلة أكثر مما ساهم في حلها. وأيضا في تشاد حيث تبين ان كثيرا من التشاديين يرفضون التواجد الفرنسي ويرفضون النخب التي تدافع عن مصالح فرنسا داخل النيجر".
ويضيف الباحث المغربي: "بالتالي كل هذه المعطيات حقيقة تشير الى اهتزاز ثقة الافارقة بالفرنسيين انطلاقا من مجموعة من الاعتبارات الموضوعية والتي تجسّد رغبة الفرنسيين في الهيمنة واستمرار الهيمنة وعدم تخلص الفرنسيين من النظرة الاستعلائية التي تحركها تصورات استعمارية داخل الفضاء الافريقي".
ويتابع المتخصص بالعلاقات الدولية: "افريقيا شهدت تصاعدا لنخب واعدة أصبحت اليوم تفرضها صناديق الاقتراع وتمثّل شرعية ومشروعية لمواجهة هذه التوجهات الفرنسية، على عكس النخب في الماضي التي كانت تكتسب وتستمد جزء من شرعيتها من الدعم الفرنسي او دعم بعض البلدان الأوروبية.
ويعتبر "لكريني" ان "افريقيا اليوم تمرّ بمنعطف صعب وحاسم يقتضي التحلي بالمسؤولية والتكتل وبذل المزيد من الجهد لمواجهة هذه الضغوطات الأجنبية. فعدد من الدول تحاول استغلال الأوضاع الهشّة في عدد من الدول الافريقية لتكريس هيمنتها واستغلال الثروات الإفريقية وتكريس هشاشة الأوضاع داخل البلدان التي تظل تابعة للبلدان الأوروبية".
وبجسب "لكريني" "النخب الافريقية لها من المصداقية وهامش التحرك وخصوصا من خلال البحث عن شراكات جديدة مع قوى دولية أخرى ليس لها تاريخ استعماري وبإمكانها ان تقود شراكات جديدة تجعلها تتخلص من هذه الهيمنة ومن هذه التبعية التي كلّفت افريقيا والأفارقة كثيرا.
عوامل داخلية وخارجية
اما عن أسباب الانقلاب وتوقعاته لمآل الوضع يجيب الباحث المغربي بالقول: " ان هذا الانقلاب يحيل الى عوامل متداخلة فيها ما هو داخلي وفيها ما هو خارجي. على المستوى الداخلي هذا الانقلاب يعتبر في جزء كبير منه ناتج عن هشاشة الوضع داخل البلاد الافريقية التي لم تتمكن من ارساء مؤسسات مستقرة، ولم تراكم تجربة تنموية قادرة على تجاوز التبعية للخارج وتجاوز المعضلات الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية التي تهمّ عددا من البلدان الواقعة في منطقة الساحل الافريقي."
اما على المستوى الخارجي يجيب محدثنا بالقول: " لا تُخفى حقيقية احتدام التنافس الشديد بين مجموعة من القوى الدولية الكبرى وانتقاله الى افريقيا. وبرز هذا التنافس في مالي وعدد من الدول. وتجلى ذلك في شكل رفض للتواجد الفرنسي داخل افريقيا في مقابل تصاعد أدوار بعض القوى الدولية والإقليمية كما هو الأمر بالنسبة لروسيا والصين" .
في المحصلة ان هشاشة بعض الانظمة وعدم وجود مقومات تدعم سيادة الدول في أبعادها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية هو الذي فتح المجال أمام القوى الدولية لتمارس المزيد من التدخل بغية تحقيق مصالحها الأمنية والاستراتيجية وتوظفّها في سياق الصراع الحالي لإرساء نظام دولي تعددي تسعى كل من روسيا والصين للعب دور طلائعي فيه.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024