معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

حزب الله في ذكرى انتصار تموز.. دروسٌ وعبر ومسار ثابت في المقاومة
12/07/2023

حزب الله في ذكرى انتصار تموز.. دروسٌ وعبر ومسار ثابت في المقاومة

شارل ابي نادر
 
في الذكرى السابعة عشرة لانتصار لبنان وحزب الله على "اسرائيل" في تموز/ يوليو من العام 2006، لا بد من الإضاءة على ما حققه حزب الله للبنان بشكل خاص ولمحور المقاومة في الصراع الوجودي ضد الاحتلال بشكل عام، انطلاقًا من تلك الحرب غير المتكافئة التي خاضها ضد العدو الاسرائيلي.

في الواقع، لا يمكن الكلام عن حرب تموز/ يوليو عام 2006 دون التطرق إلى حرب التحرير التي خاضتها المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي قبل العام 2000، والتي توّجت بالتحرير في 25 أيار/ مايو من ذاك العام حين فُرض على العدو الانسحاب المذل، مع الإشارة إلى وجود ارتباط عضوي وبنيوي كامل بين مستوى وعناصر المواجهة في عدوان تموز، وبين مسار العمل المقاوم قبل التحرير، حيث شكّل الأخير بما حمله من تجارب وخبرات ومكتسبات تكتيكية وميدانية وعملانية اللبنة الرئيسية لبناء المستوى المتميز من الأعمال القتالية التي طبعت حرب تموز بطابعها الخاص، فكانت عناصر معركة المقاومة في تلك الحرب علامة فارقة في تاريخ الصراع ضد الاحتلال.

شكّل انتصار المقاومة - حزب الله في تموز/ يوليو 2006 في جنوب لبنان، نقطة تحوّل رئيسية ومفصلية في الصراع ضد الاحتلال، وامتداد مفاعيل هذا الانتصار إلى كل ساحات المواجهة التي خاضتها أطراف محور المقاومة في فلسطين وسوريا والعراق واليمن صمودًا وانتصارً، حصل بانعكاسٍ لدور حزب الله المفصلي بطريقة مباشرة  أو غير مباشرة، كقوة عسكرية مُساعِدة وداعمة لهذه الساحات، وكطرف رئيسي من المحور، برهن عن مستوى متقدم في القتال والمواجهة وعن خبرة متميزة في إدارة المعركة لناحية التخطيط والتدريب والتجهيز والتنسيق والتنفيذ العملاني.

لناحية المبادىء العامة التي طبعت مسار معركة حزب الله منذ ما قبل التحرير وحتى تحقيقه الى حرب تموز/ يوليو 2006، والتي يمكن القول إنها انسحبت على كل ساحات المقاومة الأخرى المذكورة، وكان لها دور أساسي في تمكين أطراف المحور في هذه الساحات، يمكن الاشارة إلى التالي:  

أولا: الجرأة، حيث كان لافتًا ومستغربًا وغير تقليدي، أن ينخرط حزب الله في مواجهة غير متكافئة بالأساس، وعلى كافة الصعد والمجالات وخاصة عسكريًا وماليًا، وهذه الجرأة  عينها دفعت به الى الاإنخراط في مواجهة جيش الاحتلال بداية قبل التحرير بقدرات متواضعة جدًا، فانطلق من الصفر تقريبًا في التجهيز والخبرات القتالية والامكانات المالية واللوجستية، في الوقت الذي تعتبر فيه هذه العناصر أساسية ورئيسية وضرورية لأية معركة أو مواجهة.

هذه الجرأة الاستثنائية التي تطورت في حرب تموز/ يوليو 2006 وتعاظمت لدرجة اتخاذ قرار بمواجهة جيش الكيان الذي يعتبر الأقوى في المنطقة لناحية التجهيز والدعم والتدريب، امتدت إلى باقي أطراف محور المقاومة، فكان انتصار تموز مثالًا لهذه الأطراف بأن المستحيل يصبح ممكنًا لو توفرت عناصر المعركة الأساسية وأهمها الالتزام بحتمية مواجهة الاحتلال أو الاعتداء.

ثانيًا: الاقتناع والاستعداد للتضحيات وبذل الدماء مهما كانت الضغوط  والصعوبات، وهذه النقطة قد تضاهي بتأثيراتها ما يمكن أن تؤمنه كل القدرات والأسلحة والإمكانيات التي تتوفر لأقوى الجيوش.

ثالثًا: العمل الشاق والصبر، وهو مسار طويل ومتشعب طبع كل مسيرة حزب الله منذ نشأته أثناء المواجهة قبل التحرير وحتى تحقيقه وفرضه فرضًا على العدو.
 
واستمر حزب الله ثابتًا على هذا المسار بعد التحرير، آخذًا بعين الاعتبار أن العدو أولًا ما زال يحتل أراض لبنانية في شبعا والغجر، وثانيًا بأنه لم ولن يتخلى عن أطماعه، الأمر الذي يستوجب متابعة التحضير والتجهيز والتطوير في القدرات والأسلحة والتكتيكات والخبرات، فكانت حرب تموز فرصة حزب الله لإثبات نجاح هذا المسار من العمل الصعب والشاق والواسع.

في تفاصيل ما قدمه حزب الله لأطراف محور المقاومة على صعيد خبراته وتجاربه بمواجهة الصهاينة، كان لموقف الحزب القتالي وادارته الناجحة للمعركة في تموز/ يوليو ٢٠٠٦، دور أساسي ومؤثر بقوة رغم الصعوبة والخطورة وضخامة التهديدات الجدية والمباشرة التي فرضها العدو على الميدان مباشرة داخل الاراضي اللبنانية، بمدرعاته وقاذفاته وطوافاته ومسيَّراته ووحداته الخاصة المجوقلة والمُنزلة من الجو، الأمر الذي ساهم في تكوين عقيدة مقاومة ومواجهة أصبحت مدرسة، استعان بها المقاومون داخل كل أطراف محور المقاومة.

كان للمقاومة الفلسطينية الدور اللافت في إثبات نجاحها في هذه المدرسة، وبسبب تعدد الاعتداءات والحروب التي شنتها "اسرائيل" على مناطق الاحتلال واماكن تواجد تلك المقاومة، كان للأخيرة الفرصة الأكبر في اكتساب الدروس والمهارات والتقنيات والتكتيكات من مدرسة حزب الله المقاوِمة، وفي الوقت الذي كان حزب الله قد بذل تضحيات ضخمة لاكتسابها، بتقديمها للمقاومة الفلسطينية، وفَّر عليها الكثير من الوقت والجهود والتضحيات، فصعدت وبسرعة بمستواها القتالي العملاني أشواطًا لافتة بفضل هذه الخبرات ووصلت إلى مستوى فاعل بمواجهة العدو، برهنته في أكثر من مواجهة وحرب في غزة (وأهمها الجرف الصامد وسيف القدس) وبرهنتها باقتدار مؤخرًا في جنين وفي معركة بأس جنين، تلك المعركة – الملحمة، والتي لا يمكن إلا أن تجد بصمات مدرسة حزب الله في كل تفاصيلها العسكرية الصادمة.

من الضروري هنا الإشارة إلى ثلاثة خطوط أو عناصر قتالية اكتسبها وطورها وصاغها حزب الله في حرب تموز، وكانت أساسية وفاصلة في مواجهات المقاومة الفلسطينية ضد العدو، وهي:

1 - قتال الأنفاق، في حفرها ونشرها وتجهيزها وتمويهها وتنسيق معركتها.

2 - مناورة إطلاق الصواريخ، والتي هي عماد المواجهة اليوم ضد العدو انطلاقا من غزة.

3 - سلاح الاتصالات السلكية التي شكلت مساحة أمان مهمة ضد قدرات العدو في الرصد والتنصت والمراقبة الالكترونية والسيبرانية.  

وهذه الخطوط الثلاثة التي اكتسبها واختبرها وطورها حزب الله في حرب تموز/ يوليو ٢٠٠٦، اكتسبتها المقاومة الفلسطينية وأتقنت استعمالها في كل المواجهات الأخيرة ضد الصهاينة.

أمّا في موضوع دور حزب الله كداعم أساسي للدولة السورية في الحرب الكونية التي شنت عليها، فقد كان لانتصار حزب الله في تموز/ يوليو ٢٠٠٦ دور مساعد أساسي في انتصار سوريا وثباتها في عشريّة النار، وذلك من خلال ما استطاع تقديمه من خبرات في التكتيك بشكل عام وخاصة في المعارك الخطيرة بمواجهة الانتحاريين، أو في أغلب المعارك الفاصلة التي شكل الانتصار فيها عاملًا رئيسيًا للانتصار في تلك الحرب بشكل عام، وأهمها معركة القصير ومعارك الغوطة وأرياف دمشق ومعارك تحرير حلب وأريافها، ليكون مستوى ما تمتع به قادة حزب الله الميدانيين وكوادره ومقاتليه، رافعة مؤثرة بقوة في دعم الجيش العربي السوري في الحرب الكونية التي شنت على سوريا.

ويبقى كافيًا القول إن لانتصار حزب الله في تموز/ يوليو 2006، دورًا رئيسيًّا في بناء وتثبيت معادلات القوة والردع التي فرضها ويفرضها لبنان اليوم بمواجهة العدو الاسرائيلي، بدءا من الترسيم البحري الذي حصل تمامًا كما طلب لبنان، الى ما يحصل اليوم من تحدٍ لـ"اسرائيل" في موضوع الخيم المنصوبة من قبل بعض الاهالي من اللبنانيين في مناطق كانت محتلة في تلال كفرشوبا، حيث تسير "اسرائيل" مرغمة نحو الخضوع الكامل لشروط حزب الله ولبنان بالانسحاب من القسم الشمالي من بلدة الغجر ووقف كل اجراءاتها العدائية التي حصلت بعد القرار 1701.

حرب تموز 2006عدوان تموز 2006

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة