معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

روسيا وأوكرانيا : خيار الضرورة الأصعب 
02/07/2023

روسيا وأوكرانيا : خيار الضرورة الأصعب 

حيّان نيّوف 

في ظلّ التردد الصيني في المواجهة، تبقى روسيا الحاجة الملحّة لكلّ من يقف بوجه المحور الإستكباري الأطلسي الذي يمثّل الليبرالية الإستعمارية الجديدة .

الحاجة إلى روسيا هي حاجة سياسية و عسكرية في إطار مكانتها على هذين الصعيدين، لذلك فإن حاجة "العالم المناهض للغرب بما فيه الصين" لروسيا هي خيار الضرورة الحتمي الذي لا يمكن التفريط به مطلقاً.

اليوم لا يمكن الحديث عن ممكنات كان بمقدورها تجنب الصراع الأوكراني قبل وقوعه، بل إنه يمكن الحديث ربما عن أخطاء روسية تسببت في تأخير انطلاق هذا الصراع حيث كانت روسيا تراهن على التفاوض لإحلال السلام في الدونباس بالتوازي مع مخاولاتها لاختراق اوروبا عبر الشراكة في مجال الطاقة "خطوط نورد ستريم".

اليوم يجب الوثوف أمام حقيقة لا مجال للهروب من مواجهتها تقول بأن الحديث عن توقيت نهاية هذا الصراع، أو عن حسمه هو نوع من السذاجة في التحليل إذا ما وضع في إطار الصراع الجيوسياسي بين الخير والشر، أو بين القيم والشذوذ، أو سمّهِ ما شئتَ. 
إنه صراع لن ينتهي إلا بانكسار إحدى الجبهتين مهما امتد أو اتسع، وأي حديث خلاف ذلك فهو لا يخرج عن إطار البحث عن هدنة مؤقتة، لا عن سلام دائم يستلزم الوصول إليه انكسار الغرب الأمريكي.

انطلاقاً من ذلك يجب على الجميع الإعتراف والإدراك بأن روسيا تقود صراعا جيوسياسيا بروحية إنسانية لإنقاذ هذا العالم من شرّ مطلق يحيق به، هذا الشرّ اللاأخلاقي يستند على تعميم أفكار وعقائد شاذة وهدامة أنتجتها وتسعى لتعميمها الليبرالية العابرة للحدود عبر الشركات العالمية التي اعتادت طوال عقود أو لنقل قرون من الزمن على نهب الثروات العالمية والتي وجدت نفسها اليوم في أزمة كبرى في ظل اندفاعة الصين الإقتصادية خارج حدودها، وقوة روسيا العسكرية المتعاظمة الى خارج حدودها.

تدرك الليبرالية الغربية العابرة للحدود أنها في مأزق وجودي حتّم عليها التخطيط لحرب أوكرانيا بعناية فائقة لتحقيق هدفين رئيسيين، مواجهة القوة العسكرية الروسية واستنزافها وانهاكها، واعادة اوروبا الى طاعتها واغلاقها بوجه الاندفاعة الصينية الاقتصادية العابرة أيضا.

لذلك فإن خيارات الحرب الاوكرانية تبدو معقدة ، وبات لزاما على روسيا أن تتبع نهجا ينتج عنه وضع الغرب الليبرالي أمام مأزق استراتيجي يجبره على الإنكفاء و التراجع والاعتراف بالهزيمة ، هذا المأزق بات غير ممكنا من دون تخفيض سقف نظرية استخدام السلاح النووي الروسي خاصة وأن روسيا تتفوق في السلاح الفرط صوتي الذي يعطيها أسبقية الضربة الاولى، قد يكون نشر السلاح التكتيكي النووي في بيلاروس نوعا من تغيير العقيدة النووية الروسية لكنه ما زال غير كاف للجم التعنت الغربي الذي يصر على إنهاك روسيا في الساحة الاوكرانية.

واحدة من الأوراق التي لعبها الغرب للرد على الخطوة الروسية كان إعلان الأمين العام السابق لحلف الناتو "راسموسن" بأن الحلف سيرسل قوات إلى أوكرانيا. 

ليأتيه الرد الروسي عبر صاروخ كينجال تسبب بنفوق عشرات من "أكلة البيتزا" الأمريكيين المكلفين بمهمة حماية منطومات الباتريوت المقدمة لأوكرانيا.

على أثر ذلك سارعت الخارجية الأمريكية على الفور للقول بأن واشنطن لن ترسل قوات أمريكية إلى أوكرانيا مطلقاً.

ويبدو أن الولايات المتحدة حاولت "جس نبض" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد "تمرّد فاغنر" فسارع بوتين إلى إيصال رسالة جوابية شديدة القوة، حتى أن منسق السياسة الخارجية في الإتحاد الاوروبي "جوزيف بوريل" اضطر للقول "إن إضعاف بوتين يجعله أكثر خطورة".

لم ولن تنتي اللعبة بالنسبة للأميركي الذي استشعر خطر الأنياب النووية للدب الروسي، حيث قام عضوان في مجلس الشيوخ الأمريكي هما "ليندسي جراهام" و "ريتشارد بلومنتال" بطرح مشروع قرار إلى الكونغرس يلزم الرئيس الأمريكي "جو بايدن" باستخدام السلاح النووي ضد روسيا، ومما جاء في نص مشروع القرار: 

"إن قيام روسيا أو جمهورية بيلاروس أو وكلائهم باستخدام سلاح نووي تكتيكي، أو تدمير مرفق نووي، ونشر الملوثات المشعة في أراضي منظمة حلف شمال الأطلسي، وتسبب في إلحاق ضرر جسيم بالحياة البشرية، يعتبر بمثابة هجوم على حلف الناتو الذي يتطلب استجابة فورية، بما في ذلك تنفيذ المادة الخامسة من معاهدة شمال الأطلسي، وهي مادة المعاهدة التي تلزم كل دولة عضو بدعم حرب الناتو".
 
يمثل مشروع القرار نقلة استباقية امريكية على رقعة شطرنج الصراع من خلال تخفيضه لسقف العقيدة النووية الامريكية عبر البند الثاني منه أو تدمير مرفق نووي الذي يجعل الأمر شديد الخطورة في حال تمرير القرار، ذلك أن هذا البند ينطبق على محطة زابوروجيا النووية والتي تسيطر عليها روسيا وتحاول أوكرانيا قصفها على الدوام لاتهام روسيا بذلك، وبمعنى آخر فإن تمرير مشروع القرار يعطي الضوء الاخضر لقادة أوكرانيا لقصف محطة زابوروجيا بشكل جدي وإطلاق شرارة الحرب العالمية الثالثة. 

من هنا فإن روسيا وكما قلنا باتت بحاجة إلى تعديل لسقف العقيدة النووية لديها، هذا التعديل يجب أن يتضمن إعلانا روسيا بأن الأعتداء على الأقاليم الأربعة ــ التي قبل إعادة ضمها بعد استفتاءات أجرتها للمطالبة بالعودة إلى روسيا ــ أو الإعتداء على قواتها المنتشرة خارج الحدود الروسية في العالم، يمثل تهديدا وجوديا للكيان الروسي، وهو ما يستوجب استخداما للسلاح النووي وفقا للعقيدة النووية الحالية، ما يعني تحولا استراتيجيا في مسار الصراع ورسما لخطوط حمراء جديدة بات لزاما على الغرب أخذها بالإعتبار وأجباره على الإنكفاء الاستراتيجي اللازم ليس فقط لفرض السلام في اوكرانيا فحسب، بل لسلامة البشرية جمعاء.

اوكرانيابيلاروس

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة