معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

الشرطة الفرنسية تستنسخ عنصرية نظيرتها الامريكية: القتل بدم بارد
01/07/2023

الشرطة الفرنسية تستنسخ عنصرية نظيرتها الامريكية: القتل بدم بارد

د. علي دربج باحث وأستاذ جامعي.
يبدو ان ارث الجرائم العنصرية التي ارتكبتها الشرطة الامريكية (وما زالت) بحق الاقليات العرقية في الولايات المتحدة خصوصا الافارقة والعرب، يجد ايضا، ارضية خصبة له في فرنسا، التي استنسخ  أحد ضباطها مؤخرا أساليب القتل بدم بارد، بعدما اطلق النار في 27 حزيران الفائت، على  مراهق من اصول جزائرية يدعى "نائل " يبلغ من العمر 17،  فأرداه على الفور. 
 
اندلعت الاحتجاجات في فرنسا، وامتدت من باريس إلى عدة مدن فرنسية خارج العاصمة بما في ذلك مرسيليا وليون وتولوز، الأمر الذي دفع بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى قطع رحلته إلى بروكسل، ثم مبادرته لعقد اجتماعًا طارئًا لمجلس الوزراء في قصر الإليزيه في باريس لمناقشة الإجراءات الهادفة إلى تهدئة التوترات التي ادت الى احراق سيارات، ووقوع اعمال شغب واشتباكات بين المتظاهرين والشرطة. ومن المرجح ان تتصاعد الاضطرابات في البلاد غداة  جنازة، ولهذه الغاية، نشرت وزارة الداخلية الفرنسية  حوالي 40 ألف عنصر امن، في جميع أنحاء البلاد، فيما علقت المدن وسائل النقل العام، وأُعلن حظر التجول. 
 
ما موقف ماكرون والحكومة الفرنسية من قتل المراهق الجزائري؟ 

في الواقع، رغم تحرك ماكرون في البداية ـــ ومعه مسؤولون فرنسيون آخرون بسرعة ــ لإدانة إطلاق النار، ووصف الرئيس الفرنسي الأمر بأنه "لا يمكن تفسيره ولا يغتفر". لكن الأزمة المتصاعدة، تشكل اختبارا صعبا لماكرون الذي واجه طموحه على الساحة العالمية في الأشهر الأخيرة، تحديًا بسبب الاختلال الوظيفي في الداخل. زد على ذلك، ان هذه الجريمة، تُعد لحظة مؤلمة لفرنسا، حيث أن وفاة المراهق أشعلت من جديد نقاشًا محتدمًا حول العرق والهوية والشرطة في هذا البلد الذي يرفع لواء احترام حقوق الانسان.

وبدلا من إخماد غضب المحتجين، من خلال متابعة الإجراءات العقابية المناسبة ضد رجال الشرطة المتورطين بالجريمة، أججت مواقف الرئيس الفرنسي لاحقا الاوضاع، في اعقاب القائه اللوم ايضا، على وسائل التواصل الاجتماعي، وما وصفه بـ "ألعاب الفيديو" التي زعم أنها تتسبب في "تسميم" الشباب وتأجيج أعمال الشغب، داعيا الآباء على إبقاء أطفالهم في المنزل بعد ليال من الاضطرابات. 
 
وتعليقا على كلام ماكرون قال فيليب مارليير أستاذ السياسة الفرنسية في يونيفرسيتي كوليدج لندن: "في العادة، لا يعلق القادة، فهم يتركون العدالة تقوم بالعمل.

اكثر من ذلك كانت رسالة ماكرون مشوشة، حيث تم تصويره وهو يحضر حفلا في باريس مساء الأربعاء الماضي، بينما كانت الاحتجاجات جارية.

وما زاد الطين بُلة برأي المراقبين، انه كان الاجدى بماكرون ــــ الذي استنكر الهجمات على الشرطة، والأضرار التي لحقت بالمباني العامة ووصفها بأنها "غير مبررة" ــــ  التركيز على الظلم العنصري في ضبط الأمن، خصوصا وان هناك (والكلام يعود لمارليير) نوع من الإجماع في فرنسا على عدم انتقاد الشرطة".
 
وفي الاطار ذاته قالت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن  في تغريدة على موقع "تويتر" أمس الجمعة، إن جميع الخيارات "مطروحة على الحكومة لاستعادة النظام"، ووصفت العنف بأنه "لا يطاق ولا يغتفر".
 
ما الرابط ما بين قتل المراهق فرنسي وجرائم الشرطة في امريكا؟   
 
في الحقيقة، ان أوجه التشابه بين القتل في فرنسا، وعنف الشرطة في الولايات المتحدة كبير، وهو ما لفتت اليه صحيفة "لوموند" العريقة، في مقال افتتاحي، نُشر في 28 حزيران/ يونيو الفائت، بالقول "بغض النظر عن السياق العرقي الأمريكي المحدد تمامًا ، فإن الأحداث تذكرنا بمقتل جورج فلويد، الرجل الأسود الذي قام بخنقه ضابط شرطة يدعى وايت مينيابوليس في ايار/ مايو 2020".
وإذ دعت الصحيفة فرنسا إلى توضيح قانون الأمن العام لعام 2017، خصوصا القواعد المتعلقة باستخدام الأسلحة النارية، رأت انه  "في فرنسا ، لا ينبغي أن يموت أي مواطن عادي ، ولا أي ضابط شرطة بسبب هذا الأمر، أثناء توقف المرور".
 
ما معدل عمليات القتل التي ارتكبتها الشرطة الفرنسية مقارنة بامريكا؟ 
 
صحيح ان عمليات إطلاق النار المميتة أقل شيوعًا في فرنسا منها في الولايات المتحدة، الا ان القضية، ولّدت غضبًا شعبيًا هائلاً لم تشهده البلاد منذ مقتل فلويد، مما أثار احتجاجات عالمية في عام 2020،  كما أشعلت جدلا عالميًا حول العرق وسلوك الشرطة الامريكية.

ليس هذا فحسب، فمنذ إقرار قانون الامن العام في العام 2017  ردًا على الهجمات الإرهابية في فرنسا ، شهدت فرنسا زيادة بمقدار خمسة أضعاف في عدد الأشخاص الذين قتلوا بالرصاص في سياراتهم، وفقًا لسيباستيان روش، أستاذ باحث في جامعة غرونوبل ألب الذي يدرس سياسات الشرطة واستخدامها للأسلحة.
 
الجدير بالذكر، انه بموجب هذا قانون، يُسمح لضباط الشرطة بإطلاق النار على مركبة عندما لا يطيع السائقون أمر التوقف، او مجرد الاشتباه بأن يرتكب ركابها هجمات على حياتهم أو سلامتهم الجسدية أو تلك الخاصة بالآخرين ".
 
من هنا، اوضح مجتبى رحمن، العضو المنتدب لأوروبا في مجموعة أوراسيا، وهي شركة استشارية للمخاطر السياسية، ان إطلاق النار أثار مثل هذه المشاعر بسبب ما وصفه بإرث عنصرية الشرطة التي كثيرا ما ترفض مؤسسات إنفاذ القانون الاعتراف به، وتابع "في فرنسا، هناك تمييز من قبل الشرطة". 
 
كيف قتل المراهق الجزائري؟ 

تظهر مقاطع فيديو انتشرت على الإنترنت هذا الأسبوع، ضابط يطلق شرطة النار على نائل في صدره بعد أن تم إيقافه أثناء تفتيش مروري في نانتير، إحدى الضواحي الغربية لباريس. 

وبحسب رواية باسكال براش، المدعي العام الإقليمي، فإن الضباط حاولوا إيقاف السائق لفحص الشرطة، لكنه أسرع. وبعد مطاردة السيارة في شوارع نانتير، توقف الضباط بجانب السيارة عندما توقفت في حركة المرور على طريق رئيسي.

بالمقابل، اتهم ياسين بوزرو، محامي عائلة الشاب، ضابط الشرطة الذي أطلق النار على نائل بالإدلاء بأقوال كاذبة و "نية القتل". واكد المحامي أنه يمكن سماع الضابط في الفيديو وهو يقول للسائق: "سأضع رصاصة في رأسك". وقال الأصوات في الفيديو مكتومة جزئيًا بسبب ضوضاء المرور، غير انه يمكن سماع كلمات: "في رأسك" بوضوح.
 
وعلى المنوال ذاته، طالب نشطاء فرنسيون منذ ذلك الحين بوضع حد لما يسمونه تكتيكات الشرطة التمييزية التي تستهدف بشكل غير متناسب الأقليات في فرنسا ، ومعظمهم من أصل أفريقي وعربي.

بدورهم، أعرب مشاهير فرنسيين بمن فيهم نجم كرة القدم كيليان مبابي والممثل عمر سي عن تضامنهم وغضبهم. فيما اصدرت آسا تراوري  ـــ اخوها غير الشقيق أداما تراوري ، وهو رجل أسود يبلغ من العمر 24 عامًا، كان توفي في حجز الشرطة في عام 2016  ـــ أيضًا مقطع فيديو قارنته فيه بين قضيتها وجريمة نائل، ونددت بوحشية الشرطة والعنصرية.

في المحصّلة، ثمة طريق واحدة قد تؤدي الى التهدئة استنادا لرؤية نشطاء حقوق الإنسان في فرنسا.  وهي تبدأ بتطبيق العدالة، وتحديد المسؤوليات بدقة، وإلغاء قانون 2017، واعتراف الحكومة بشرعية الحراك الشعبي ، وأخذه بعين الاعتبار، والاهم  العودة إلى حوار اجتماعي حقيقي ، لتهدئة التوترات الحالية لفترة أطول يمكن السيطرة عليها.

العنصريةايمانويل ماكرون

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل