آراء وتحليلات
الفرقاء الاكراد... الخلافات توصد ابواب التوافقات!
بغداد ـ عادل الجبوري
تشهد كواليس البيت السياسي الكردي العراقي، حراكا محتدما ومتواصلا بين القوى الرئيسية الثلاث المعنية بتشكيل الحكومة المحلية الجديدة، وهي الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) الحائز ستة واربعين مقعدا من بين مقاعد البرلمان الكردي البالغة مائة واحد عشر مقعدا، والاتحاد الوطني الكردستاني (اليكتي)، الحائز اربعة وعشرين مقعدا، وحركة التغيير (كوران) الحائزة اثني عشر مقعدا.
وتشير الفاصلة الزمنية الطويلة (ستة شهور ونصف الشهر) بين الانتخابات البرلمانية في الاقليم، التي اجريت في الثلاثين من شهر ايلول/ سبتمبر من العام الماضي، وبين الحراك الحالي، الى وجود ازمة عميقة، وتفاوت كبير في وجهات النظر والمواقف بين الفرقاء، محوره الصراع والتنافس على المواقع والمناصب، ناهيك عن "غياب" الثقة، والتراكمات السلبية الممتدة لعقود من الزمن.
وفيما بدا ان رئاسة الاقليم ورئاسة الحكومة حسمت للحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحديدا لكل من نيجرفان البارزاني، صهر رئيس الحزب، ونجله، مسرور البارزاني، فان هناك جدلا يدور بين بعض الكتل البرلمانية حول جدوى وجود منصب رئاسة الاقليم، هذا الجدل لا يتعدى كونه جزءا من المساومات والضغوطات المتبادلة من اجل الحصول على اكبر قدر من المكاسب، لان موضوع رئاسة الاقليم بات خارج سياق البحث والنقاش، في حين يحتدم الخلاف حول منصبي نائبي الرئيس، ولمن سيؤولا، في ظل تنافس وتشنج كبير بين الاتحاد الوطني وغريمه التقليدي في السليمانية، حركة التغيير.
وتقول اوساط كردية معنية ومشاركة في المفاوضات الماراثونية، انه "على مدى الاعوام الثلاثة الأخيرة، كانت أغلب الكتل في برلمان كردستان، ترى أنه لا حاجة إلى منصب رئيس إقليم كردستان، وترفض تلك المؤسسة جملة وتفصيلاً، لكن التنافس الآن محتدم على منصبي نائبي الرئيس لدرجة أن ذلك يعيق خطوات تشكيل الحكومة منذ أسبوعين".
وتضيف تلك الاوساط، "ان الوضع الآن مرتبط بمبادرة جديدة من نيجيرفان بارزاني نائب رئيس الحزب الديمقراطي، أو اجتماع حاسم بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحركة التغيير، يجيب عن السؤال الذي يشغل بال أغلب أعضاء المجلس الوطني ومركز صناعة القرار في حركة التغيير، الا وهو، "ما الذي تجنيه حركة التغيير من القبول بنائبين لرئيس الإقليم؟".
والى جانب الخلاف على منصبي نائبي الرئيس، هناك خلاف حاد على الية توزيع الوزارات الاساسية (السيادية)، كوزارات الداخلية والمالية والطاقة وشؤون البيشمركة، وربما يكون الخلاف والتنافس على تلك الوزارات اشد وطأة من الخلاف حول نائبي الرئيس.
وفي واقع الحال، يتمحور مجمل الخلاف بين اليكتي وكوران، لان البارتي، ضمن نصيبه الكبير في توزيع المناصب مسبقا، من خلال احتفاظه برئاسة الاقليم والحكومة، اضافة الى مواقع سياسية وامنية مهمة اخرى، كمستشارية امن الاقليم، لكنه يدرك ان عدم احتواء الخلاف بين اليكتي وكوران، يعني استمرار دوران الامور بحلقة مفرغة، وهذا بالتأكيد لا يصب في صالحه، فضلا عن انه يتحمل جزءا من استمرار وتفاقم الخلاف بين الطرفين، لانه ابرم اتفاقيات ثنائية مع كل منهما، لكي يضغط على احدهما من خلال الاخر، وهذه الاتفاقيات، تنطوي على تقاطعات وتناقضات، برزت واضحة الى السطح، بعدما قرر الاتحاد الوطني الكردستاني انهاء مقاطعته، والعودة الى طاولة المفاوضات.
وفي هذا الاطار، تؤكد عضو المجلس العام لحركة التغيير، كويستان محمد، "أن الفقرة التي تشير إلى تعيين نائب ثان لرئيس الإقليم، في اتفاقية الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، هي التي تعيق محادثات تشكيل الكابينة الحكومية الجديدة" وإن حركة التغيير مستعدة للتخلي نهائياً عن منصب نائب رئيس الإقليم لقاء الحصول في المقابل على وزارة شؤون البيشمركة أو الداخلية، لأن منصب النائب الثاني لرئيس الإقليم يلغي أهمية منصب نائب الرئيس بالنسبة إلى حركة التغيير".
وتعارض وتقاطع المواقف والتوجهات بين الفرقاء الاكراد، قد يعيد الامور الى المربع الاول او الى نقطة الصفر، كما يشير الى ذلك القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني فريد اسسرد، بقوله، "إنه في حال إصرار حركة التغيير على رفض وجود نائبين لرئيس إقليم كردستان، يجب تغيير الاتفاقيتين، والبدء من جديد بمحادثات حول توزيع المناصب، وهذا صعب وقد تأخر الوقت على مثل هذه الخطوة"، هذا في الوقت الذي يؤكد حزب الاتحاد على لسان كبار قياداته، "ان اصرار الحزب للحصول على منصب نائب رئيس إقليم كردستان، كان من اجل تذليل العقبات أمام المصالحة الداخلية بين اجنحة الحزب، لأن هذا المنصب سيكون بمثابة منقذ يحل المشكلة بين أجنحة الحزب الثلاثة، المتمثلة بجناح عائلة الطالباني، وجناح كوسرت رسول علي، وجناح ثالث في المكتب السياسي وقيادة الاتحاد الوطني، تمثله بعض الوجوه القيادية الشابة.
ومن خلال المعطيات والوقائع المشار اليها، واخرى غيرها، يبدو ان الحزب الديمقراطي الكردستاني، يلعب دور الوسيط بين الاتحاد الوطني وحركة التغيير، وهو ـ كما اشرنا انفا ـ يحرص على احتواء الموقف، ومعالجة النقاط الخلافية، لان مصالحه تقتضي انهاء حالة الانسداد السياسي في الاقليم، فضلا عن انه يتحمل جزءا من المسؤولية ازاء الوضع القائم، باعتبار ان تفاهماته الاولية مع التغيير "كوران" اربكت المشهد بعد عودة حزب الاتحاد، لكن ذلك لا ينفي حقيقة انه -اي الديمقراطي الكردستاني- كان وما زال طرفا في مجمل ما يجري في الاقليم، ومسؤولا بدرجة كبيرة عن الازمات السياسية والاقتصادية والحياتية فيه.
في ذات الوقت، فإن حل ومعالجة النقاط الخلافية بين الفرقاء الاكراد، لا ينهي عموم الازمة، او الازمات، لان الخلافات والتقاطعات الداخلية، وان كانت بدرجات متفاوتة، غالبا ما تلقي بظلالها على كل المفاصل والمساحات، وبالتالي فإن التوصل الى الحد الادنى من التوافقات والتفاهمات، من الصعب ان يتحقق بقليل من الوقت والجهد والبحث والحوار، وفي حال تحققت اي توافقات وتفاهمات، فإنها تكون هشة وقلقة وعرضة للتصدع والانهيار عند اصغر هزة وأقل اضطراب!.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024