آراء وتحليلات
هل بات الوجود الامريكي في الخليج مجرد "زخرفة"؟
د. علي دربج باحث وأستاذ جامعي.
منذ الاعلان عن التقارب السعودي الإيراني برعاية بكين، تزعم الولايات المتحدة انها غير مهتمة بدور الصين التي نجحت باختراق منطقة الخليج التي لطالما اعتبرت تاريخيا بأنها حكرا على الامريكي فقط. وإذا كانت أمريكا تصّر على المكابرة للتقليل من اهمية هذا الحدث وتداعياته الاستراتيجية، لكنها حتما تعيش هذه الايام، حالة من القلق والهلع والاستنفار، بعد المعلومات الاستخبارية الأمريكية التي كشفت عن أن الصين تبني منشأة عسكرية في الإمارات العربية المتحدة، أحد أقرب وأهم حلفاء أمريكا في المنطقة.
فهذا الأمر يعد مؤشرا على ان التنين الاحمر بات منافسا حقيقيا للولايات المتحدة، وسيقوض بالتالي من نفوذ واشنطن هناك.
صحيح ان الصين لن تتجاوز الولايات المتحدة ــــ لا يزال لديها أكثر من 34000 جندي في الشرق الأوسط ـــ عسكريًا في أي وقت قريب، ولكن قد يتعين على الأفراد العسكريين الأمريكيين تعلم التعايش مع القوات الصينية ــ كما يفعلون بالفعل في جيبوتي.
كيف تنظر دول الخليج الى القواعد العسكرية الامريكية في المنطقة؟
في الظاهر، تقول الولايات المتحدة إنه لا يزال لدينا كل هذه القوات والقواعد في منطقة الخليج، ولكن بالنسبة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فإن السؤال ليس ما إذا كانوا موجودين هناك، ولكن ما إذا كانت واشنطن على استعداد لاستخدامهم. اما الجواب كما تراه هذه الدول فهو لا. فالقوات الأمريكية تمكث هناك، بطريقة "زخرفية" بحتة.
هل تراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الاوسط فعليا؟
في الحقيقة، يدرك صانعو السياسة الأمريكيون ان النفوذ الأمريكي آخذ بالتراجع، وهذه نتيجة مباشرة وطبيعية، للسياسات التي اتبعها آخر ثلاثة رؤساء للولايات المتحدة. فمنذ أن تحولت غزوات العراق وأفغانستان إلى مستنقعات مكلفة، سعى خلفاء الرئيس السابق جورج دبليو بوش إلى إخراج الولايات المتحدة من "الحروب الأبدية" وتجنب التورط في حروب جديدة. من هنا، بدأ التحول النوعي في النظرة الخليجية تجاه الدور الأمريكي والجدوى منه استنادا للخبراء والسياسيين الامريكيين، فعندما رفض الرئيس الامريكي دونالد ترامب الرد على استهداف منشأتين نفطيتين سعوديتين رئيسيتين وأدى يومها إلى خفض إنتاج النفط السعودي مؤقتًا بنسبة 50 بالمائة، يقول المبعوث الأمريكي آرون ديفيد ميللر: "أقنع فشلنا في الرد السعوديين بأننا لم نعد حليفًا موثوقًا به".
ماذا عن سياسات بايدن الشرق اوسطية؟
في الواقع، واصل الرئيس جو بايدن ـــ الذي يركز على مواجهة الصراع الروسي ــ الاوكراني وصعود الصين ـــ اتجاه فك الارتباط الأمريكي عن الشرق الأوسط، بينما يتظاهر بأن ذلك لا يحدث. فخلال رحلة إلى المنطقة العام الماضي، قال: "لن نبتعد لنترك فراغا تملأه الصين أو روسيا أو إيران. ... الولايات المتحدة لن تذهب إلى أي مكان". لكن أفعال بايدن تتعارض مع كلماته.
فعلى الصعيد العملي، عمد الى سحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان، ما أدى إلى استيلاء طالبان على السلطة، وبالكاد استطاع الرد على الهجمات على القواعد الأمريكية في سوريا، أو على التقدم النووي السلمي لإيران وتحقيقها نجاحات جديدة في عمليات التخصيب للأغراض المدنية، أو على الدور المتزايد لإيران في روسيا ومنطقة القوقاز بشكل خاص. كما أنه لم ينجح في إقناع السعودية بإقامة علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني، والمفارقة انه لم يكن حتى على استعداد لتقديم الضمانات الأمنية الأمريكية إلى السعودية، أو المساعدة في تطوير برنامج نووي مدني تريده الرياض كثمن للتطبيع مع "إسرائيل"، من هنا يعتبر عدد من القيادات العسكرية الامريكية، انه "لم يعد من الواضح ما يعنيه الردع الأمريكي بعد الآن".
ثمة اجماع في الولايات المتحدة على ان الإدارة الامريكية، تحتاج إلى القيام ببعض التفكير الجاد حول كيفية حماية المصالح الحيوية للولايات المتحدة وسط رمال الشرق الأوسط المتحركة. ويشير هؤلاء إن التظاهر بأن تحول السلطة لا يحدث ــ وأن الولايات المتحدة يمكن أن تستمر في التصرف كقوة مهيمنة ــ لن ينجح. فالإدارة بحاجة إلى الخروج من حالة الإنكار والبدء في التعامل مع الواقع الجديد.
في المحصلة لأول مرة منذ عقود، يتعين على الولايات المتحدة التنافس على النفوذ في الشرق الأوسط، بدلاً من اعتبار أسبقيتها أمرًا مفروغًا منه.
الخليجالقواعد الأميركية في الخليج
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
07/11/2024
كم ستنبت الأرض منك!
07/11/2024