آراء وتحليلات
الجيش الأميركي في سوريا: تقويض السلام ومنع إعادة الإعمار
عبير بسام
تعمل الولايات المتحدة الأميركية اليوم من أجل وقف الجهود المبذولة الماضية قدماً في عملية إحلال السلام وإعادة إعمار سوريا من قبل الدولة السورية وحلفائها. ولم تأت الخطوة الأميركية بالإبقاء على مجموعة صغيرة من قواتها، وإن لم تكن تتجاوز المئتي جندي، إلا في إطار هذه الإعاقة، والتي تم من أجلها تحديد الإستراتيجيتين السياسية والعسكرية، اللتين تنوي القيادة السياسية الأميركية اتباعهما من أجل إعادة تثبيت وجودها وإعاقة عملية إعادة الإعمار، إن استطاعت، من خلال إحكام الضغط على الرئيس السوري الأسد والضغط على إيران في آن واحد.
نشر معهد واشنطن للدراسات تقريراً حول حاجة سوريا إلى أمريكا لإعادة الإعمار، وتحاول كاتبة التقرير جمانة قدورة تبرير أسباب عجز سوريا عن القيام بعملية الإعمار دون أمريكا وحلفائها، مقدرة أن كلفة الإعمار كبيرة، وتصل إلى 400 مليار دولار أميركي. وتشير إلى أن فوز كل من روسيا وإيران في هذه المرحلة من الحرب، لا يعني أنهما قادرتان على ربح السلام وأنهما ما زالتا عاجزتين عن إعادة بناء سوريا وجميعهم بحاجة للمساعدات الدولية. وبالتالي فعلى سوريا تنفيذ مجموعة من الشروط إذا ما كانت تريد هذه المساعدات، وأخطرها: إنهاء التجنيد الإجباري.
هذا الكلام يرفض أن يلحظ حجم الاستثمارات التي بدأت فعلياً بالدخول إلى سوريا، من الصين وعدد من الدول الآسيوية، والتي بإمكانها أن تغطي عملية الإعمار كاملة، وهذا ما يقلق المستثمر الأميركي والأوروبي العاجزين عن الدخول إلى سوريا للمساهمة في عملية الإعمار بسبب العقوبات الأميركية.
وبالتالي فإن واشنطن تحاول وضع خارطة يمكن من خلالها إعاقة عملية الإعمار من خلال محاربة عملية السلام في سوريا، بعد فشلها في ربح المعارك فيها. والخطوات التي اتخذتها واشنطن من أجل منع الوصول إلى السلام في سوريا، تبدأ من خلال الضغط الاقتصادي، الذي يمارس اليوم من خلال محاصرة البنوك السورية، والذي أدى إلى انخفاض كبير في سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي، وضعف القيمة الشرائية لها، ومحاصرة المستثمرين السوريين الداعمين للدولة ووضعهم على لوائح الإرهاب. ومن هنا، فإن واشنطن تشعر أن الضغط الاقتصادي ليس كافياً، ولذلك ومن أجل زيادة أعباء الميزانية على كاهل الحكومة السورية فقد قررت الإبقاء على عزل منطقة شرق الفرات كي تبقي موارد النفط والغاز بعيدة عن متناول الدولة السورية، وهذا ما تفعله اليوم أيضاً من خلال منع بواخر النفط من الوصول إلى سوريا عبر قناة السويس، بشكل يضطر القيادة إلى تقديم التنازلات. وعليه، فإن الولايات المتحدة تلجأ للاستعانة بحلفائها الإقليميين في مضاعفة الضغوطات على النظام، لعلها تتمكن من تحقيق بعض أهدافها في سوريا.
تزعم واشنطن أن إبقاء قوة أميركية صغيرة في شرق الفرات وفي التنف على الحدود العراقية ـ السورية، ضروري من أجل حماية الأمن القومي الأميركي، وهو لا يتطلب قوة أميركية كبيرة على المدى الطويل كما حدث في العراق، بل يجب أن تكون بطريقة تتناسب والمتطلبات المتزايدة أمام واشنطن. ولكن عملياً هي تريد الحد، عبر هذه القوة، من حرية حركة الجيش السوري وحلفائه في شمال شرق سوريا لاستعادة الأمن. وبالتالي وعبر العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا ومنطقة الحظر الجوي التي فرضت في شمالها الشرقي ستسعى لمنع كل من قوات الجيش السوري والحلفاء من مهاجمة القوات الإرهابية، مما سيؤدي إلى غضب القوات المحلية وتراجع "داعش"، وزيادة الأعباء الاقتصادية على كل من إيران وروسيا من أجل إبقاء الرئيس الأسد في السلطة، معتقدة أن زيادة الضغط الأميركي إلى أقصى الحدود على إيران سيقلل من قدراتها على البقاء في سوريا.
أميركا تحاول تعويض تأخرها عن الحضور المباشر على الساحة السورية عبر الاستفادة من منظر الدمار وملايين اللاجئين والفوضى التي سببتها مع أدواتها للاستفادة منها كورقة في يد واشنطن. ومن هذه الأوراق حاجة سوريا لإعادة الإعمار وحاجة أمريكا لتطويق إيران.
في هذا الإطار يأتي إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الإثنين الماضي، تصنيف حرس الثورة الإسلامي منظمة إرهابية أجنبية. وإعلان ترامب تسمية الحرس الثوري بأنه منظمة إرهابية يعتبر سابقة في تعامل الدول مع جيوش الدول الأخرى ـ الحرس الثوري رديف الجيش الإيراني ـ. وهي تتلازم مع الطلب من سوريا إلغاء التجنيد الإجباري، أي: المطلوب تقويض الجيشين لمصلحة أمن الكيان الصهيوني. ولكن ما لم تحسبه واشنطن جيداً، هو أن الأرض ليست أرضها، وأن القوات الحليفة في سوريا تسير جنباً إلى جنب مع الجيش السوري، وبالتالي فهي تكتسب بذلك شرعية لوجودها.
وتعتقد واشنطن، أن الوجود العسكري الأميركي، ولو بالحجم الصغير، سيعزز قيام منطقة حظر جوي في شمال وشرق سوريا يحول دون قيام دولة داعش مرة أخرى كما سيمنع إيران من بناء "جسر بري" حتى البحر المتوسط. وهذا الأمر غير ممكن، فمع إعلان الحرس الثوري منظمة إرهابية، تكون واشنطن تجاوزت جميع الخطوط الحمراء، وخاصة تلك التي تتعلق بالدبلوماسية الدولية. وإعلان واشنطن حول الحرس الثوري، خصوصاً بعد يأسها من قدرة قرار وقف الاتفاق النووي مع إيران على أن "يردعها" ويضطرها إلى تحييد موقفها فيما يتعلق بالصراع مع "إسرائيل" وأميركا، يعتبر بمثابة إعلان حرب على إيران، وإيران لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي تعد على جيشها من قبل الأميركيين أو من قبل وكيلهم في المنطقة أي "الكيان العبري".
بقاء الأميركي في سوريا يدفع نحو استمرار الأزمة فيها وفي المنطقة. وحلفاء واشنطن من الأتراك والأكراد، لا يملكون الوسائل لمواجهة الإيرانيين، وتركيا لن تحارب إيران بالوكالة عن الأميركيين، لأن هذا سينهي دورها ومكانتها في المنطقة. إن استمرار الأميركيين في الطلب بتوجيه الضربات الإسرائيلية ضد الجيش السوري وحلفائه وخاصة إيران وحزب الله، يتناقض تماماً مع الحديث الإعلامي عن المحافظة على استقرار وهدوء لبنان والذي يبدو أنه يأتي ضمن تهديدات مبطنة. ولكن بالتأكيد فإن هذا العدوان المستمر المدعوم بالتواجد الأميركي في سوريا، إضافة إلى محاولات دفع لبنان نحو الفوضى، لن يثمر في شيء إلا في إعاقة عملية البناء في سوريا.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024