آراء وتحليلات
حكومة السوداني.. بين الانجازات والتحديات
بغداد ـ عادل الجبوري
في مجمل احاديثه وتصريحاته حول مختلف القضايا السياسية والامنية والاقتصادية، وتحركاته الميدانية على كل الميادين والمساحات الاجتماعية، بلور رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال الستة اشهر الاولى من عمر حكومته رؤية تبدو واقعية الى حد كبير عن مجمل اولويات الحكومة، ومنهجيات عملها، واساليب وادوات معالجتها للمشاكل والازمات الماثلة امامها، وهي رؤية اقتربت كثيرا من جوهر ومضمون البرنامج الوزاري الذي طرحه بعد ترشيحه للمنصب التنفيذي الاول، وتم التصويت عليه من قبل البرلمان فيما بعد.
ولعله من الواضح جدا ان رئيس الوزراء العراقي الجديد افرد حيزا كبيرا من الاهتمام لملفين رئيسيين، الاول ملف الفساد الاداري والمالي، والملف الثاني تمثل بالخدمات بعنوانها العام الواسع، وقد كانت المؤشرات والخطوات الاولية في اطار هذين الملفين ايجابية ومدعاة للتفاؤل خلال الأشهر الستة الاولى والتي يفترض ان يتبعها تقييم عام لاداء الوزراء ووكلاء الوزراء والمديرين العامين واصحاب الدرجات الخاصة، مثلما وعد السوداني بذلك بعد نيل حكومته ثقة البرلمان في السابع والعشرين من شهر تشرين الاول/ اكتوبر الماضي.
وفي هذه الايام، اخذ الحديث عن التعديل الوزاري المفترض والتغييرات المحتملة، يشغل حيزا كبيرا من اهتمام الاوساط والمحافل السياسية المختلفة ووسائل الاعلام وبعض النخب المجتمعية. وقد ارتبط ذلك الحديث بمدياته الواسعة بحراك في دوائر ضيقة ومحدودة في مكتب السوداني، امتد عدة شهور، اريد منه بلورة مخرجات تقييمية دقيقة لاداء الوزراء والمحافظين ووكلاء الوزارات ورؤساء الهيئات والمفاصل الحكومية العليا الامنية والسياسية والاقتصادية. ويقال ان تلك الدوائر وضعت تقييماتها على طاولة رئيس الوزراء ليتسنى له اتخاذ القرارات المناسبة، علما ان هناك عدة مجسات ومعايير وآليات لدى السوداني للتقييم. وبالفعل فإن الوجبة الاولى من التعديلات والتغييرات شملت عشرات المديرين العامين في وزارات ومؤسسات حكومية عليا، والذين صدرت اوامر وقرارات اما بإعفائهم من مناصبهم او نقلهم الى مواقع اخرى.
وكان السوداني قد صرح قبل بضعة ايام بالقول "ان الدستور يمنح رئيس الوزراء صلاحية إعفاء الوزير المقصر"، و"لن اتنازل عن صلاحياتي الدستورية في إجراء التغيير الوزاري"، و"سأذهب للبرلمان وأطلب إعفاء الوزير المقصر ومن يريد أن يرفض سيكون أمام الشعب"، و"تحدثت بوضوح مع القوى السياسية وأبلغتهم أن تقييم الوزير مهني ولن يكون وراءه أي استهداف".
وبصرف النظر عن حجم وطبيعة التعديل الوزاري والتعديلات الاخرى التي سيقدم عليها رئيس الوزراء العراقي، فإنها بلاشك ستخلق مقدارا من اللغط والجدل، بين مؤيد وداعم، وغاضب ورافض، وهذا امر طبيعي جدا بحكم حسابات المصالح والمنافع الحزبية والفئوية المتحصلة من وراء التواجد في مواقع السلطة والنفوذ. بيد ان خطوة استبدال بعض الوزراء وكبار المسؤولين بآخرين، لا تخرج عن السياق العام لاداء حكومة السوداني خلال الفترة الزمنية القصيرة من عمرها، وهو اداء يتحرك وفقا لمجمل المعطيات والحقائق والمؤشرات بمسارات صحيحة وصائبة.
فاجراءات محاربة الفساد، افرزت نتائج ايجابية طيبة، وان كان الطريق ما زال طويلا وشاقا في هذا الجانب، ولعل رئيس هيئة النزاهة القاضي حيدر حنون لم يخطئ ولم يجانب الصواب حينما اكد "ان المعركة ضد الفساد أعقد من مكافحة الإرهاب كون الأخيرة واضحة والأعداء مشخصون، بينما تتسم معركتنا ضد الفساد بالغموض ونحتاج لعمليات مضنية من التحري والتقصي والتحقيق لدك أوكار الفاسدين، وأن العمل الرقابي يكتسب الأهمية من عدة جوانب، منها أنه يمثل أحد الحلول الناجعة التي يمكن من خلالها إزالة المعوقات والعقبات التي تعرقل عمليات الإعمار والاستثمار وولوج البلد لمرحلة التنمية الاقتصادية".
وقد تم استرداد الكثير من الاموال والمطلوبين للقضاء، وتقديم العشرات من المسؤولين السابقين والحاليين الى المحاكم بسبب نهب المال العام واستغلال المناصب لتحقيق منافع خاصة على حساب المصلحة العامة، فضلا عن ذلك فإنه تم تفعيل العمل في العديد من المشاريع المتلكئة والمتوقفة منذ بضعة اعوام، وملاحقة المتسببين بتوقفها سواء كانوا افرادا او شركات.
وكذلك فإن ايلاء الاهتمام بالملفات الخدمية الاساسية المتعلقة بحياة المواطنين اليومية، من قبيل الملف الصحي، والملف الزراعي، وملف الرعاية الاجتماعية، وملف الاسكان، شكل علامة فارقة في عمل الحكومة العراقية الثامنة برئاسة السوداني، وكان للحضور والتحرك والتواجد الميداني للاخير اثر كبير جدا في معالجة العديد من الاشكاليات وتسريع وتيرة العمل والاداء، وبالتالي خلق حالة من الرضى والقبول الشعبي العام وتفاؤل بما يمكن ان يتحقق من انجازات على الصعيد المستقبلي.
وتشير بعض الاستبيانات الى ان اكثر من 70% من ابناء الشعب العراقي راضين عن اداء حكومة السوداني، ويعتقدون انها عملت بصورة صحيحة خلال الستة اشهر الاولى، ويرون ضرورة استمرارها واكمالها المدة الدستورية لها. وتتعزز الرؤية الشعبية الايجابية حيال حكومة السوداني، مع رؤية سياسية ايجابية من قبل معظم ــ ان لم يكن جميع ــ قوى ائتلاف ادارة الدولة المتشكل من الاطار التنسيقي الشيعي وتحالف السيادة السني والاحزاب الكردية الرئيسية مع قوى اخرى صغيرة.
الى جانب ذلك فان هناك تحديات لا يمكن الاستهانة بها تواجه الحكومة العراقية الثامنة، لعل ابرزها التواجد الاميركي، وكيفية التعاطي مع ذلك الملف، والذي يمكن ان يفتح ابواب التأزيم على مصراعيها في اي وقت، اذا لم يصَر الى حسمه بطريقة واقعية مرضية ووفقا للارادات السياسية والشعبية التي بلورتها جملة من الحقائق والمعطيات خلال الاعوام الثلاثة الماضية، وتحديدا منذ عملية اغتيال كل من نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس، وقائد فيلق القدس الايراني قاسم سليماني قرب مطار بغداد الدولي في الثالث من شهر كانون الثاني/ يناير 2020. ولا شك ان قضية التواجد الاميركي يجب ان تكون ضمن الاولويات، لان لها مساسا بمبادئ السيادة الوطنية الحقيقية والامن الوطني، وعموم الاستقرار الحقيقي للبلاد بمختلف الاصعدة السياسية والامنية والاقتصادية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024