معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

الأبعاد الحقيقية للاحتراب في السودان‎‎
26/04/2023

الأبعاد الحقيقية للاحتراب في السودان‎‎

 يونس عودة

وقع الكثير من المتابعين للوضع في السودان بعد اندلاع القتال بين الجيش السوداني بقيادة اللواء عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة اللواء محمد حمدان دقلو في فخ التبسيط، وكأن الأمر مجرد نزاع على السلطة، بينما حقيقة الأمر يتداخل فيها المحلي مع الاستراتيجي والنفوذ الإقليمي والدولي، في ظل الاتجاه العالمي وبخطى متينة الى انتاج عالم عادل، في مواجهة عالم يتمسك الغرب بقيادة الولايات المتحدة بقواعده الاستغلالية والاستعمارية بأشكالها المختلفة.

لا يبدو صحيحًا أن العديد من الدول المتنفذة تريد وقف الاحتراب السوداني، وهي أصلًا تقف وراءه، بعدما استشعرت أن نفوذها في المنطقة يقترب من خواتيمه، وأن الثروات المأمول السيطرة عليها لن تكون في عهدتها في مسار نهب ما أمكن منها، والقاء فتات منها الى النافذين المحليين.

لقد جاء اندلاع القتال في السودان بعد تطورات هامة في المنطقة على رأسها الاتفاق الإيراني – السعودي، بما ينعكس من استقرار مهم على كل المنطقة، وبعد طي ملفات التنافر، وأيضًا التطورات المهمة في الملف السوري من حيث الاجتماع العربي والإقليمي، وأيضًا "التمرد" السعودي في بعض النواحي على التسلط الأميركي – الغربي غير المحتمل أكان في خطوات "أوبك +" أو في الحرب على اليمن، والعمل على وضع الأخيرة على سكة الحل، وكذلك اقتراب لا بل العمل على الانتماء الى منظومتي شنغهاي وبريكس المواجهتين للتسلط الغربي على اقتصاديات العالم، وأيضًا السعي الى التصديق على الاتفاقية بين موسكو والخرطوم بشأن إنشاء مركز لوجستي للبحرية الروسية في السودان، لأنها تتيح إمكانية الوصول المباشر إلى جمهورية إفريقيا الوسطى غير الساحلية ومنطقة الصحراء والساحل، حيث تعمل شركات التعدين الروسية". وأيضًا المواجهة الصينية – الأميركية في افريقيا حيث تتوسع الاستثمارات الصينية بما جعل الغضب الأميركي يفلت من العقال، خصوصًا وأن الرئيس الصيني أعلن بصرامة غير مرّة أن بلاده ستحمي طرق تجارتها مع توقيع بكين والرياض اتفاقات في مجالات التمويل والاستثمار والابتكار والعلوم والتكنولوجيا والفضاء والنفط والغاز، والطاقة المتجددة، واللغة والثقافة. كما أن مشروع الصين باسم "الحزام والطريق" وهو الطريق الجديد، بعد طريق الحرير القديم وهو مشروع صيني عملاق تشارك فيه 123 دولة، تريد الصين من خلاله تسريع وصول منتجاتها إلى الأسواق العالمية، بما في ذلك آسيا وأوروبا وأفريقيا وأميركا الجنوبية والوسطى، وهذا بحد ذاته يحفّز استنفارًا أميركيًا للّعب بالنار.  

اضافة الى ذلك فإن الوضع السوداني زاد سوءًا بعد اكتشاف الذهب والنفط والغاز في البلاد. لا يمكن للمستثمرين الأجانب الاتفاق مع المجموعات العرقية، التي ينبغي أن تقرر من الذي يجب أن يُعطى حق الأولوية لتطوير التعدين والتصدير.

أثار الصراع في السودان قلق العديد من الدول، بما فيها روسيا والصين وايران والولايات المتحدة والبلدان العربية والإفريقية والأوروبية والآسيوية وحتى دول أمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى العديد من المنظمات، كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، إلخ. والجميع يطالبون الطرفين بوقف إطلاق النار فوراً والعودة إلى حالة ما قبل 15 نيسان، إلا أن أداء الدول يظهر من يريد فعلًا وقف الاحتراب ومن يريد أن يدفع السودان الى اتون يشبه الصومال أو ليبيا، وهما دولتان من ضحايا الولايات المتحدة وحلف الناتو، وكل العالم يدرك ذلك، ووقفت غالبية الدول كشهود زور لعلها تستفيد بحصة من الثروات الغائرة. بينما الأمم المتحدة عبر أمينها العام أنطونيو غوتيرش أعلنت بصريح العبارة أن الأعمال القتالية في السودان قد "تمتد إلى كامل المنطقة وأبعد منها".

ليس ما يجري في السودان مجرد تصفية حسابات بين طرفين، يبدو أن كلا منهما يمتلك قدرات شبه متكافئة مع الآخر، وما يجزم بذلك هو أن القوى السياسية المؤثرة والتي كادت أن تصل الى اتفاق مع السلطة العسكرية للتوقيع على اتفاق اطاري للحكم، تقف على التل لأن في الأمر خيانة على اعتبار أنه سوف تستمر المواجهة حتى تحسم إحدى القوتين الأمر أو تضعفهما وتملي عليها شروطها، لكن لا يبدو أن هنالك فرصة لإنهاء الاحتراب.

ما يجري بالسودان من تدهور شامل وشروخ في بنائه السياسي والمجتمعي والعسكري ومواجهات دموية يطرح مخافة جدية على مستقبل السودان واستقلاله ووحدته وسلامة أراضيه وأمان شعبه، ويهدد استقرار القرن الافريقي والجنوب العربي وكذلك أمن مصر ومصالحها الحيوية. وفي هذا السياق، فالغرب وبقيادة اميركا طالما افشلوا أي تقارب مصري – سوداني بعد أن كانا بلدًا واحدًا، لأن تكامل مصر والسودان الذي تفرضه الطبيعة وتخلق معه مصالح مشتركة طالما كان هدفًا لمخططات أجنبية رأت في أي تقارب قوي البناء بينهما تهديدًا لمصالحها في القارة الافريقية وجنوب العالم العربي.

من المشين للعرب عشية القمة التي ستعقد في الرياض أن يدعو الكيان الصهيوني الذي كان أول المحتفين بانفصال "دولة جنوب السودان"، حيث باتت له قاعدة لوجستية واستثمارية، كلًّا من قائد الجيش السودانيّ عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي"، للحضور إلى اجتماع "مصالحة" في الكيان، يبحث طرفا النزاع في السودان خلاله، وقفًا لإطلاق النار "بوساطة إسرائيلية".

ووفق مسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية، فإنه منذ اندلاع القتال في السودان، نقل وزير الخارجية إيلي كوهين، والمدير العام لوزارته رونان ليفي "رسائل وتحدّثا مباشرة إلى برهان وحميدتي" ودعواهما لوقف القتال. كما بعث مسؤولون في الموساد برسائل إلى الجانبين في السودان، تطالبهما بوقف التصعيد. وقال هؤلاء إن كلا من البرهان وحميدتي "لم يستبعدا إمكانية حضور مثل هذا الاجتماع في "إسرائيل""، مشيرين إلى أن الطرفين "ينظران إلى الأمر بشكل إيجابيّ"، حسب تعبيرهم.

ولفت التقرير إلى أن "إسرائيل" نسّقت تحرّكاتها الدبلوماسية بشأن السودان مع الإدارة الأميركية ومع دول أخرى في المنطقة، مثل الإمارات، و"أبلغتهم مسبقًا باقتراح عقد قمة مصالحة بين البرهان وحمدتي في إسرائيل". هنا لا يصلح القول الشهير "يكاد المريب أن يقول خذوني" لأنه بات واضحًا وجود تفسير سياسي أكثر عمقًا وهو أن الحكام العرب ينظرون حولهم ويرون صينًا حازمة تتحدى الهيمنة الأمريكية، وروسيا قوية صامدة في وجه الغرب، وإيران تكسب سياسيًا بصمودها الذي بات مضرب مثل، لا بل نموذجًا يحتذى، وفي نفس الوقت يرى هؤلاء الحكام أن حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط يخسرون وأن العالم يتجه الى قيام نموذج جديد من العلاقات الدولية.

السودانقوات الدعم السريعالجيش السوداني

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة