معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

واشنطن تسعّر التكتلات ضد الصين: حلف جديد ياباني ــ كوري جنوبي
11/03/2023

واشنطن تسعّر التكتلات ضد الصين: حلف جديد ياباني ــ كوري جنوبي

د. علي دربج - باحث وأستاذ جامعي

يبدو أن العلاقات الدولية عادت الى سياسة التكتلات والأحلاف (كانت أفلت مع زوال حقبة الحرب الباردة) التي عززتها التحولات الجذرية مؤخرًا على مستوى العالم، في أعقاب المواجهة الأوكرانية - الأطلسية. فمع بروز الحلف الصيني - الروسي - الايراني، الذي كان سبقه سعي الولايات المتحدة إلى بناء المزيد من التحالفات الإقليمية الصغيرة (الرباعية أو الثلاثية) - مثل Quad وAUKUS -  لموازنة القوة العسكرية للصين، ها هي منطقة المحيط الهادئ تسستعد لقيام حلف ثنائي ناشئ جديد ــ جرت هندسته في مكاتب البيت الابيض ـــ  ويضم كلا من اليابان وكوريا الجنوبية.

ما هي دوافع نشوء هذا الحلف الياباني - الكوري الجنوبي؟

غني عن التعريف أن العلاقات بين الجارتين اللدودتين (سابقًا) امتازت لعقود طويلة بالتوتر والخلافات، وهي تعود بمعظمها الى زمن الاستعمار الياباني لشبه الجزيرة الكورية بين عامي 1910 و1945 إضافة إلى اتساع نطاق النزاع بشأن قضية عمال السخرة الكوريين.

لكن هذا العام، انقلب الوضع رأسًا على عقب، حيث يتحرك البلدان لإقامة شراكة جديدة (طبعًا برعاية واشراف أمريكي)، ويعملان كذلك، على إعادة النظر بموقفهما الأمني، بهدف الوقوف بوجه التمدّد الإقليمي المتزايد للصين، حيث يتحدث حلفاء أميركا الآسيويون بوضوح عن الخطر المتزايد في المحيط الهادئ، ويطلبون لأجل ذلك اعانة الولايات المتحدة للحدّ من توسع بكين.

وانطلاقًا من هذه النقطة، اتخد كل من رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، ونظيره الكوري الجنوبي يون سوك يول، قرارات سياسية جريئة غير مألوفة بنظر المراقبين، تمثلت بطي صفحة القطيعة، وفتح فصل جديد من العلاقات بين بلديهما، تماشيًا مع التبدلات في البيئة الاستراتيجية العالمية، خصوصًا وأن توسع الصين يعتبر وفق رؤيتهما تحديًا لا يمكن لأي منهما التعامل معه بمفرده.

الخطوة الأولى، جاءت من قبل يون يول الذي تعهّد باستخدام أموال كوريا الجنوبية لتعويض ضحايا الحرب العالمية الثانية عن ممارسات العمل الجبري في اليابان. وعليه سيساهم هذا، في ازالة عقبة رئيسية كانت جمدت التعاون بين طوكيو وسيول لأكثر من نصف قرن. وتعقيبا على ذلك، قال رئيس الوزراء الكوري الجنوبي الأسبوع الماضي إن اليابان "تحولت من معتد عسكري في الماضي إلى شريك يشاركنا نفس القيم العالمية".

 بالمقابل رد كيشيدا هذا الأسبوع على مبادرة يون بالثناء على تصرفاته والتعهد بتعميق العلاقات مع سيول، مؤكدًا أن هذا الأمر يمهد الطريق لليابان لاستئناف التعاون في كل شيء من تبادل المعلومات الاستخباراتية، وصولًا إلى سلاسل التوريد.

أكثر من ذلك، من المتوقع أن يحل رئيس الوزراء الكوري الجنوبي يون، ضيفًا في اجتماع قمة، على نظيره الياباني الأسبوع المقبل. كما أنه من المرجح أن يدعو كيشيدا نظيره يون أيضًا إلى اجتماع قادة مجموعة السبعة في ايار المقبل في هيروشيما، فيما سيستضيف الرئيس بايدن، يون في عشاء رسمي.

وليس بعيدًا عن ذلك، ستضاعف اليابان إنفاقها الدفاعي على مدى السنوات الخمس المقبلة لأنها تعتبر ذلك ضروريًا للدفاع عنها. فيما تعمل كوريا الجنوبية، على المقلب الآخر، على فطم نفسها عن الاعتماد على السوق الصينية وسلاسل التوريد لحماية اقتصادها.

ما تجدر معرفته، أن كلا البلدين لهما مصلحة أيضًا في إدارة التوترات مع الصين، غير أنهما، يضعان في حساباتهما أيضًا، أن مواجهة التحدي الذي تشكله بكين (برأيهم)  على الأمن الإقليمي، يجب أن تكون له الأولوية.
 
ماذا عن الدور الأمريكي في هذا الحلف؟

عمليًا، ومع أن الولايات المتحدة تنفي أن يكون لها اي دور في هذا الإنجاز الدبلوماسي بين سيول وطوكيو أو أنها شاركت بترتيبه ـــ على الرغم من أن الرئيس الامريكي جو بايدن أشاد به ـــ لكن صانعي السياسة في واشنطن، يميلون إلى النظر إلى آسيا عمومًا ومنطقة المحيط الهادئ خصوصًا، من منظور العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والصين فقط. ولهذا يردّ القادة الأمريكيون هذا الحراك القائم من قبل طوكيو وسيول، الى المشاكل التي تفتعلها بكين، معتبرين أن سلوك الصين وليس تشدد واشنطن، هو الذي يؤدي إلى تفاقم التوترات في المنطقة.

علاوة على ذلك، يدعو الحلفاء الآسيويون واشنطن، إلى المزيد من المشاركة الأمريكية في المنطقة، ويفضلون التعامل معها، وليس مع الصين، مبررين رؤيتهم تلك، بإدراكهم أن الدول ذات التفكير المماثل بحاجة إلى قضاء المزيد من الوقت في العمل مع بعضها البعض، وعدم الاهتمام بمحاولة التوفيق مع القادة في بكين وبيونغ يانغ.

بموازاة ذلك، ثمة أصوات عديدة تخرج من داخل أروقة مطابخ السياسات الامريكية، وتدعو واشنطن الى مضاعفة جهودها لطمأنة الحلفاء الآسيويين بأن الولايات المتحدة ملتزمة تجاه المنطقة، وليس فقط عسكريًا، إذ يُنظر إلى استراتيجية الاستثمار الاقتصادي الأمريكي في آسيا على أنها ضعيفة من حيث الجوهر، بالتالي لا يرى القادة الإقليميون تأثيرًا كبيرًا من الإستراتيجية التجارية لإدارة بايدن.

من هنا، قال النائب رجا كريشنامورثي (إلينوي)، العضو الديمقراطي البارز في لجنة الكونجرس الجديدة المختارة للعلاقات الأمريكية ــ الصينية: "نحن لا نريد حربًا مع الصين، لا حربًا باردة ولا ساخنة، بل نريد السلام، سلام دائم، ولكن لتحقيق ذلك السلام علينا ردع العدوان".

كيف تنظر الصين إلى هذا الحلف الناشئ؟
 
في الواقع، ترى الصين أن المشاكل التي تعاني منها منطقة المحيط الهادئ، سببها الولايات المتحدة وسياستها القائمة على "الاحتواء والتطويق والقمع"، وهذا بدوره نتيجة التفكير الجماعي المسيّس المتشدد في واشنطن التي تجهد من ناحيتها لتقويض مكانة الصين الدولية وتشويه صورتها أمام الدول الأخرى. ولهذا ألقت وسائل الاعلام الصينية، باللوم على ذوبان الجليد الجديد بين كوريا الجنوبية واليابان، على الولايات المتحدة، واتهمت رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول بـ "العمل كبيدق لامريكا".

في المحصلة، إن السياسة التي تنتهجها واشنطن في منطقة المحيط الهادئ وتقوم على حشد وتحريض دولها ضد بكين، ليس مجرد تفكير جماعي أمريكي خطير، انما هو نهج من الحزبين للدفاع عن المصالح الأمريكية أولًا وأخيرًا، بينما حلفاء واشنطن الآسيويون يقبعون على الخطوط الأمامية، وقد يتركون لمصيرهم حين تحين ساعة المواجهة الفعلية مع الصين.

 

كوريا الجنوبية

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات