معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

بعد سقوط أرتيوموفسك: هذه هي اتجاهات الهجوم اللاحقة للجيش الروسي
09/03/2023

بعد سقوط أرتيوموفسك: هذه هي اتجاهات الهجوم اللاحقة للجيش الروسي

عمر معربوني | خبير عسكري خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية

قال مسؤولون غربيون إن ما بين 20 إلى 30 ألف جندي روسي قتلوا وأصيبوا في معركة مدينة (باخموت) الأوكرانية منذ أن بدأت في الصيف الماضي، وأضافوا أن الطبيعة الملحمية للمعركة التي تجري للسيطرة على المدينة لا تتناسب مع أهميتها الاستراتيجية المحدودة.

فجأة وبقدرة قادر تحولّت مدينة ارتيوموفسك (باخموت) وهي التي يمكن اعتبارها ساقطة عسكرية إلى منطقة ليست ذات أهمية استراتيجية، بعد ان ثابر المسؤولون الغربيون أنفسهم طيلة شهور ومعهم القيادة الأوكرانية على التشديد على أهمية معركة المدينة وانها القلعة التي لا يمكن اسقاطها.

إضافة سريعة لا بدّ منها ان كامل عديد الوحدات الروسية التي تهاجم مدينة أرتيوموفسك يتشكل من كتيبتين لقوات الشركة العسكرية الخاصة "فاغنر" يقارب عديدهما الف مقاتل، وثلاثة ألوية من القوات الخاصة الروسية لا يتجاوز عديدها الـ 6 الآف جندي، إضافة الى أربعة الوية روسية في النسق الثاني، وهي تتشكل من حوالي 8 الآف جندي نصفها قوات مدفعية ودعم.

ان ذكر المعلومات حول عديد الوحدات الروسية هدفه الإشارة الى حجم التضخيم الغربي حول عدد القتلى من الجيش الروسي.

أما بالنسبة لأهمية المدينة من عدمها فالأمر مرتبط بمسألتين:

- الجانب المعنوي للمدينة حيث تم توصيفها من قبل القيادة الأوكرانية بأنها نقطة ارتكاز خط الدفاع الأوكراني، والذي اعتبره الأوكران بأنه خط القلاع الذي لا يمكن اختراقه، وهو ما تم دحضه من خلال السيطرة على سوليدار كبداية، ومن ثم بدأ الجيش الروسي بالتمدد شمالاً نحو سيفرسك، وغرباً نحو سلافيانسك، وجنوباً نحو ارتيوموفسك (باخموت).

وحول هذه المسألة لا بد من توضيح ان الجيش الروسي بات يسيطر على ثلث خط القلاع الممتد من سيفرسك شمالاً حتى افدييفكا جنوباً، هذا عدا عن خط الدفاع الموازي والذي يُعتبر الأساس في تموضعه هو خط الجبهة مع مقاطعة زاباروجيا بشكل أساسي إضافة قسم صغير يتبع لجمهورية دونيتسك وهو محور اوغليدار.

- الجانب العسكري وهو ما يهم المتابعين، بالنظر الى ما قيل سابقاً عن المدينة وأهميتها كونها الأكثر تحصيناً والأكثر قدرة على استدامة المقاومة، إضافة الى وقوعها على منتصف خط الدفاع أي في قلب الخط فإن سقوطها، والكلام للرئيس الأوكراني زيلنسكي، سيسمح للجيش الروسي بتنفيذ اندفاعات بوتيرة سريعة وعلى مساحات واسعة ستؤدي الى خسارة أوكرانيا السيطرة على مدن كبرى، تبدأ بسلافيانسك وكراماتورسك وقد لا تتوقف الا بالوصول الى مدينتي دنيبرو بيتروفيسك وزاباروجيا.

اما بالنسبة للوضعية الميدانية الحالية فالجيش الروسي حتى لحظة كتابة هذا المقال بات يسيطر على 60% من مساحة المدينة وتحديداً القسم الشرقي شرق نهر باخموتكي الذي يفصل المدينة إضافة الى الأحياء الجنوبية والشمالية.

عسكرياً باتت المدينة ساقطة حيث قطع الجيش الروسي كل الطرقات الواصلة الى المدينة ما عدا طريق واحد عند نقطة خروموف مسيطر عليه بالنار للسماح بخروج الجيش الأوكراني، وهو ما يحصل ببطء بسبب عدم صدور أوامر من رئاسة الأركان الأوكرانية بسحب القوات بحيث يقتصر الانسحاب على الهاربين الذين تتزايد اعدادهم بشكل واضح.

ولأن المدينة أصبحت بوضعية الساقطة فالحديث يتركز الآن من قبل القيادة الأوكرانية عن اتجاهات الهجوم الروسي اللاحق، وان كان الغرب الجماعي وعلى رأسه اميركا وكذلك القيادة الأوكرانية قد باتوا على قناعة بأن مسألة السيطرة الكاملة من قبل الجيش الروسي على المدينة باتت مسألة أيام، فمن المؤكد ان الجيش الروسي يخوض هذه المعركة بخلفية عملياتية لا بل استراتيجية، وهو ما يؤكده تقرير صادر عن معهد التحليل الأوراسي "Asia Times" لكاتبه براندون ويتشر، الموظف السابق في الكونغرس الأميركي، فإن فكرة أن الصراع الأوكراني ستكون مجرد وسيلة لإضعاف الجيش الروسي أشبه بالخيال، والوضع في أرتيوموفسك يظهر فقط استعداد روسيا لمواصلة تحقيق أهدافها.

وقال ويتشر: "أوكرانيا تسحب قواتها من المدينة المحاصرة. بالطبع، لا يهم أحدا في حد ذاته. المهم في هذه التسوية أنها تقع على الطريق إلى نهر الدنيبر. قلب التجارة والنقل النابض، دنيبر الشريان الرئيسي لأوكرانيا. طرد القوات الأوكرانية من المحتمل أن يسمح لروسيا بالاندفاع إلى نهر دنيبر. كما أن السيطرة الروسية على نهر دنيبر ستمنع أيضًا هجومًا غير مدروس من قبل الأوكرانيين على شبه جزيرة القرم".

وفقا للخبير، فإن سلوك القيادة الأوكرانية فيما يتعلق بأرتيوموفسك يرجع إلى التعصب. وقارنها ويتشر بسلوك القيادة النازية، التي أمرت جيوشا بأكملها باتخاذ مواقع دفاعية كانت موجودة فقط على الخرائط، مضيفا: "لقد اقترب الموت البطيء والمؤلم للنظام الأوكراني بالفعل. وبغض النظر عما إذا كان سيحدث في غضون بضعة أشهر أو خلال عام، فإن الروس لن يذهبوا إلى أي مكان، وسوف يخوضون هذا الصراع بنفس الطريقة التي حاربوا بها كل من سبقه في تاريخهم".

في وقت سابق، قال الكولونيل النمساوي ماركوس ريزنر إن القوات الأوكرانية بدأت انسحابا تدريجيا من أرتيوموفسك قبل أسبوعين. ووفقا له فإن القوات الروسية ستسيطر قريبا على أرتيوموفسك.

وبالنظر الى طبيعة تموضع الوحدات الروسية الحالي فمن السهل توقع اتجاهات الهجوم الروسي اللاحق وهو برأيي سيكون على الشكل التالي:

1- المرحلة التكتيكية :
- عبر استكمال السيطرة على مدينة ارتيوموفسك وهي مسألة باتت محسومة.
- البدء بعمليات السيطرة على مدينة سيفرسك شمال مدينة سوليدار.
- بدء عمليات تقدم على جبهة كريمينيا نحو ليمان وكراسني ليمان لحماية اندفاع الوحدات الروسية التي ستتقدم من غرب سوليدار نحو سلافيانسك.
- الاندفاع نحو مدينتي افدييفكا واوغليدا.
- استكمال الطوق الواسع باتجاه بلدة تشاسوف يار ومدينة كونستياتينيفكا من اتجاه شمال غرب ارتيوموفسك.

2- المرحلة العملياتية :
- الاندفاع نحو مدينتي سلافيانسك وكراماتورسك من اتجاهين: غرب سوليدار ومن اتجاه ليمان وكراسني ليمان.
- الوصول الى منطقة بيتروبافليفكا عبر عملية اندفاع أولية ستكون بمثابة عملية تطويق لمساحة واسعة من خط الدفاع الأوكراني بعد السيطرة على مدينتي سلافيانسك وكراماتورسك في الشمال، وعلى تقاطع كوراخوف في الجنوب، وهذا سيؤدي الى اندفاعات واسعة هذه المرّة نحو دنيبروبيتروفسك وليس زاباروجيا فقط .

انطلاقاً من الوضعية الحالية سيشكل سقوط مدينة ارتيوموفسك بداية انهيارات واسعة للقوات الأوكرانية وسيكون ذلك بما يشبه تساقط احجار الدومينو وهو ما يخشاه الغرب الجماعي الذي يصارع الوقت لمنع ذلك قبل تنفيذ مخططات معركة الربيع المنتظرة.

اوكرانياباخموتارتيوموفسك

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة