آراء وتحليلات
عام على الحرب بين روسيا والناتو.. ما هي النتائج؟
يونس عودة
كشفت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا خلال عام كثيرًا من الأقنعة التي كانت تختبئ وراءها الولايات المتحدة الأميركية خصوصًا والأطلسيون عمومًا، وأظهرت بلا أدنى شك الوجه الأقبح، ليس فقط لأميركا بل للأطلسيين المجتمعين ومن معهم في حلف "الناتو" العدواني، الذي أينما حاول وضع أصابعه يحل القتل والدمار والخراب كسمات طبيعية منذ انشائه، وها هي أوروبا المأخوذة بشعارات "الناتو" البراقة تدفع أثمانًا باهظة.
مع دخولها عامها الثاني تبقى التداعيات المترتبة على العملية العسكرية متربعة على عرش الأحداث في العالم وعلى الساحة الدولية، مع إصرار روسيا على الأسباب التي دفعتها للقيام بالعملية حماية لأمنها القومي، وإصرار الأطلسيين على استراتيجيتهم بهزيمة روسيا، التي لم تستخدم بعد الكثير من الأوراق النارية، أكان في الميدان أو على المستوى الدولي، ومع ذلك يبقى الغموض سيد الموقف حيال الأسباب والشروط والظروف التي يمكن أن تؤدي إلى توقفها.
إن الحرب الدائرة عمليًا بين روسيا من جهة وحلف "الناتو" بقيادة أميركا من جهة ثانية، أفضت حتى الآن الى نتائج محورية ستؤدي حتمًا إلى واقع عالمي مختلف.
على جبهة الأطلسيين، اهتزت المجتمعات الغربية التي فعلًا بدأت تتحرك بعدما أضناها سيل المساعدات المتدفقة من بلادهم الى أوكرانيا سواء عسكرية أو اقتصادية وفي المحصلة سياسية، ولعل ما تشهده أوروبا يمكن أن يؤدي الى ما لا تحمد القارة العجوز عقباه، وقد بدأ القلق الفعلي يتسرب بقوة الى السلطات من التحركات الشعبية الرافضة تقديم مزيد من المساعدات لأوكرانيا حيث الفساد الأكبر، ولا سيما في الدول الأوروبية الأقوى سواء في المانيا أو في فرنسا، وبالطبع غيرها من البلدان التي اختارت التبعية العمياء للسياسات الأميركية الماجنة. إلا أن الأهم يبقى في التداعيات على الولايات المتحدة نفسها، وأهم تلك التداعيات:
- تمدد التضخم القهري الى اميركا، ولا يبدو في الأفق ما يمكن أن يعيد التوازن إليه، وأحد أهم أسبابه العقوبات الغربية على روسيا التي أراد منها الغرب بتوجيه أميركي اخضاع روسيا، وقد أدى فشل خطة العقوبات رغم بعض الآثار السلبية على روسيا إلى تدهور اقتصادات الدول المنخرطة في العقوبات.
- نضوب ترسانات الأسلحة في الدول السائرة في الركب الأميركي من مخازنها بما فيها الاحتياط الاستراتيجي، وقد أنفقت الإدارة الأمريكية خلال عام لإمداد أوكرانيا بالأسلحة ضد روسيا، أموالًا أكثر من تلك التي أنفقتها سنويًا خلال حربها في أفغانستان.
وقد بلغت المساعدات العسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة منفردة لاوكرانيا أكثر من 8500 قطعة من أنظمة جافلين المضادة للدروع، وأكثر من 50 ألفا من الأنظمة والذخيرة الأخرى المضادة للدروع، وأكثر من 1600 نظام ستينغر المضاد للطائرات، تبعها ما يقارب 2590 صاروخ تاو، و13 ألفا من قاذفات القنابل والأسلحة الخفيفة، وأكثر من 111 مليون رصاصة للأسلحة الخفيفة، وأكثر من 75 ألف مجموعة من الدروع والخوذات. كما أرسلت 20 طائرة هليكوبتر من طراز Mi-17، وأكثر من 700 طائرة درون من طراز "Switchblade" و1800 طائرة درون من طراز الشبح، و109 عربات قتال من طراز برادلي.
- خسارة عشرات المليارات وتآكل الكثير منها في عمليات الفساد والافساد، وعلى سبيل المثال لا الحصر مبلغ 4.5 مليارات دولار التي تعهد بها بايدن لتمويل المعاشات التقاعدية والرواتب الحكومية، وقد خصصت واشنطن مؤخرًا 113 مليار دولار لمساعدة أوكرانيا.
- تعرض المساعدات الأمريكية لانتقادات واسعة في الأوساط الأمريكية وحتى داخل الكونغرس، فقد وصفت النائبة الديمقراطية سيث مولتون من ولاية ماساتشوستس والجمهورية الجورجية مارجوري تايلور جرين، أزمة أوكرانيا بأنها "حرب بالوكالة" تشنها الولايات المتحدة وحلف الناتو ضد روسيا، كما أعلن بعض الجمهوريين في الكونغرس أنهم يعتزمون منع المساعدات لأوكرانيا، ومع ذلك أكد بايدن التزام بلاده بمواصلة دعم المجهود الحربي الأوكراني.
لم يقتصر تشخيص النتائج على بعض أعضاء الكونغرس فالمرشح الى رئاسة الولايات المتحدة للدورة القادمة فيفيك راماسوامي، اعتبر ضخ المساعدات لأوكرانيا يضعف الولايات المتحدة، وأن استمرار النزاع الأوكراني يعتبر مفيدًا للصين، لأنه سيؤثر على دعم واشنطن لتايوان باستنزافه للإمكانيات العسكرية الأمريكية. مع العلم، أرسل الأمريكيون إلى كييف 47000 طن من الأسلحة والذخيرة. وبحلول شهر حزيران الماضي، تمكنت الشركات العسكرية الأمريكية من كسب ما يقرب من 30 مليار دولار من هذه الإمدادات، أي ضعفي ما تكسبه الدول الغربية الأخرى مجتمعة.
بالمقابل فإن النتائج التي تحققت لروسيا حتى الآن يمكن أن تؤسس بالفعل إلى رؤى جديدة، وأهمها:
- إضافة 4 مناطق جديدة ومتكاملة تاريخيًا إلى روسيا يبلغ تعداد سكانها عدة ملايين وبمساحة كبيرة (أكثر من 6 ملايين شخص و100 ألف كلم مربع).
- تعزيز الأمن الإستراتيجي لروسيا بسبب بحر آزوف الداخلي، وتدمير مختبرات البنتاغون البيولوجية في أوكرانيا.
- تفعيل البناء العسكري الروسي وتعبئة الصناعة الدفاعية، مع الأخذ بعين الاعتبار الفترة الطويلة الحتمية للصراع مع الولايات المتحدة وحلفائها.
- تدمير ترسانات الناتو العسكرية في مسرح العمليات الأوكرانية.
- إعادة توجيه العلاقات الاقتصادية ونمو المكانة الدولية لروسيا، والتمكن من زعزعة استقرار الاقتصاد الغربي كنتيجة للعقوبات ضد موسكو.
هذه النتائج ترجمها ساسة وعسكريون غربيون، حيث قالت عضو البرلمان الألماني سارة واجنكنخت خلال تظاهرة حاشدة إن السياسيين الغربيين يحاولون إقناع الناخبين الألمان بأن الدبابات يمكن أن تجلب السلام إلى أوكرانيا، وأن الأسلحة كفيلة بإنقاذ حياة الناس، وهذه كذبة". وتابعت البرلمانية مستشهدة بالروايات البائسة للبريطاني جورج أورويل الذي كان يعلم أنه إن "آمن الجميع بالأكاذيب، فإنها ستدخل التاريخ وتصبح جزءا من الحقيقة الجديدة"، ونحن نقول للساسة الغربيين بوضوح إننا لم نعد نؤمن بأكاذيبكم، نعلم أن الأسلحة تقتل، والدبابات وجدت لشن الحروب، كما نعلم تماما أن أوكرانيا لا تحارب لحماية حريتنا".
وأشارت إلى أن الصراع في أوكرانيا لا علاقة له بالقيم والحرية، وإنما برغبة حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة، توسيع نطاق نفوذهما في العالم.
وعلى قاعدة وشهد شاهد من أهله أكد الصحفي في قناة "فوكس نيوز" كايل بيكر أن وسائل الإعلام الغربية لا تغطي النزاع في أوكرانيا بشكل مهني ومحايد، بل تمارس التضليل وحرف الحقائق حول النزاع. وكتب بيكر: "قدموا أدلة أو اخرسوا في النهاية. لن نرسل دون أدلة أبنائنا وبناتنا ليموتوا من أجل سياسات دولة فاسدة غير ديمقراطية".
وأشار إلى أن عدم وجود أدلة وثائقية، يجعله يشكك في عمل وسائل الإعلام الغربية التي تمارس الاحتيال على الشعب الأمريكي الذي سئم منها.
وأكد أن "لا أحد يهتم بقصص الرعب عن الروس"، والنزاع في أوكرانيا ليس مسألة أمن قومي للولايات المتحدة. ولفت إلى أن عائلته تعيش في كييف وأنه لا ينفي وجود النزاع، لكنه يدين وسائل الإعلام الأمريكية "على التغطية غير المتناسبة ونقص المواد المصورة".
أصبح محسومًا لدى شرائح واسعة من الأوروبيين والأميركيين أيضًا أن تبييض وجه الساسات الأميركية بمساحيق الكذب والتضليل بات من المستحيلات، وضمنًا من المستغفلين على مدى عشرات السنوات بتزيين الحلم الأميركي.
في حسابات الربح والخسارة التي طالما أتقنها الأميركيون، وقعت واشنطن هذه المرة أيضًا في التقييم الخاطئ، لكن الثمن سيكون أكبر على المستوى الجيوسياسي، ولذلك فمن المفيد الانتظار حتى حلول الربيع حين تهضم روسيا منطقتي خيرسون وزابوروجيه ومن ثم خاركوف واوديسا، خطوة بخطوة لأن روسيا باتت في حرب وجودية مع الغرب يجب أن تتخذ قرارات استثنائية تتفق مع فكرتي السيادة ورفض ربط مستقبل البلاد بالمؤسسات الأوروبية، السياسية والتجارية. وقد انتظر بوتين عشرين عامًا وهو يعد العدة من أجل استعادة روسيا التاريخية. في عام 2024، عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية واحتمال زعزعة الاستقرار الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية، قد تغير تكتيكاتها من الدفاع إلى الهجوم.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024