معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

"الفوضى مقابل الفوضى": "إسرائيل" ساحة صراع
17/02/2023

"الفوضى مقابل الفوضى": "إسرائيل" ساحة صراع

خليل نصر الله

لأول مرة منذ نشوئه على أرض فلسطين المحتلة، يجد الكيان المؤقت نفسه ساحة تصفية حسابات نتيجة سياسات أميركية عنوانها نشر الفوضى لفرض أجندات سياسية تخدم مصالح واشنطن، وبطبيعة الحال تصب في مصلحة "تل أبيب".

منذ ما بعد عام 2019، وهو عام مفصلي في كامل المنطقة، يُخضع الأميركيون لبنان لحصار غير معلن أعد له مسبقًا، ضمن خطة وضعتها إدارة دونالد ترامب تهدف إلى تشديد الحصار على طهران عبر عقوبات الضغوط القسوى، وبالتوازي استهداف ما تسميه واشنطن "أذرعها"، وهم حلفاء، في لبنان وسوريا واليمن والعراق وفلسطين.

بداية أحداث تشرين، وفي أحد خطاباته، أشهر السيد حسن نصرالله سلاح المقاومة في مواجهة سياسة التجويع، انطلاقًا من مؤشرات تبين أن قرارًا اتخذ لخنق لبنان ماديًا واقتصاديًا، وبالهدف، كما كان يصرح أميركيون، هو استهداف بيئة المقاومة، تمهيدًا لفوضى تفضي إلى ليّ ذراع حزب الله أولًا، وبالتالي فتح ملف "سلاح المقاومة".

خطاب السيد حسن نصرالله، يومها، قرئ جيدًا في "تل أبيب"، التي تعلم علم اليقين أنها ساحة رد الفعل على أي خطوات أميركية حادة اتجاه لبنان. كان الإسرائيليون يومها يحاولون توظيف ما يمكن توظيفه من الحصار لانتزاع تنازلات مستعجلة تتعلّق بحقوق لبنان البحرية، وهم كانوا جزءًا من الحصار عبر تشجيع دول أوروبية على ذلك، ومباركة الخطوات الأميركية.

مع مرور الوقت، بدأ الأميركيون الاعتراف بأن شيئًا من خططهم باء بالفشل، خاصة فيما يتعلق ببيئة المقاومة المباشرة، وهو ما يمكن أن يكون قد دفعهم إلى بعض المراجعات لحساباتهم وسياسياتهم، دون التخلي عن أهدافهم. من المعروف أنهم يحاولون تدوير الأمور واتباع تكتيكات مختلفة تصب في خانة تحقيق ذات الهدف.

مرّ لبنان بعدّة مفاصل، مسألة الانتخابات النيابية، والتي فشل الأميركيون فيها بقلب الموازين كما أرادوا، ثم تحديد المساحة البحرية الاقتصادية بين لبنان والأراضي المحتلة، وبهذه أيضًا، ونتيجة معادلة كاريش وما بعد بعد كاريش التي أعلنها السيد نصر الله، فشلوا في تحقيق أحد أهم أهدافهم وهو مصلحة "اسرائيل"، وبدلًا من المس بسلاح المقاومة، نجح هذا السلاح في تحصيل حقوق لبنان، وهو ما اعتبرته أوساط اسرائيلية انتصارًا لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله.

منذ انتهاء مسألة الترسيم، ودخول لبنان مرحلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، ثمة محاولات جديدة لإحداث فوضى اجتماعية تتبعها فوضى أمنية في لبنان، وهو ما يمكن تلمّسه من حالة "شبه الفراغ" التي يعشيها لبنان، والصراعات السياسية التي ارتفعت وتيرتها ولا تهدأ. ولتحقيق الأمر، توظف سبل عدة، منها اعادة استغلال ملف انفجار مرفأ بيروت ومحاولة دفعه تحو التدويل لاستهداف المقاومة، ومنها لعبة الدولار التي تشكل سلاحًا قاسيًا في وجه اللبنانيين.

ثمة مؤشرات واضحة على خطة أو جولة أميركية جديدة قد تدفع نحو التفجير، الهدف منها فرض رئيس للجمهورية يسير وفق الارادة الأميركية، وضمان رئيس حكومة خاضع لسياساتهم، وهو ما تتصدى قوى وازنة له على رأسها حزب الله.

في خطاب السادس عشر من شباط، وضع السيد نصر الله معادلة في وجه الأميركيين، يمكن القول إنها تكمل معادلة: لن نجوع وسلاحنا سنقتلكم به. ومفادها: "إذا دفعتم لبنان الى الفوضى ستخسرون كثيرًا في لبنان وعليكم أن تنتظروا الفوضى في المنطقة.. عندما تمتد مؤامراتكم الى اليد التي تؤلمنا وهي ناسنا سنمد ايدينا وسلاحنا الى اليد التي تؤلمكم وهي "إسرائيل"". هذه المعادلة، تختلف حساباتها عن المعادلات الموضوعة في وجه الكيان الاسرائيلي، فهي تتعلق بلقمة عيش اللبنانيين، كما معادلة كاريش العام الماضي، التي ذكر بها السيد نصر الله من باب التأكيد على بقاء سريان مفعولها من جهة، ومن جهة أخرى لمنع محاولات التسويف من قبل دول وشركات ووضع عراقيل أمام بدء لبنان مرحلة التنقيب. وهي أيضًا تأكيد على أن سلاح المقاومة هو ضمانة لتطبيق التفاهم البحري، لا الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة.

فيما يتعلق بمعادلة الفوضى مقابل الفوضى في المنقطة وتحديدًا مد اليد الى الكيان الاسرائيلي، فهي رفعت بوجه الأميركيين، بالتالي، تجد "تل أبيب" نفسها لأول مرة منذ نشوء الكيان ساحة لتصفية حسابات بين طرفين آخرين، هما المقاومة في لبنان، وواشنطن التي تحاول حصار هذا البلد بهدف مصالح خاصة بعضها يخدم الكيان الإسرائيلي.

وعليه، يمكن القول إن مرحلة حساسة بدأت يجب تقييم حساباتها بدقة، وتحديدًا عند الطرف الآخر سواء في واشنطن أو "تل أبيب"، فلا شيء أمام المحاصَر ليخسره، فيما الخسائر لدى الآخرين مضاعفة، منها "النفوذ" الذي عملوا لسنوات على تثبيته.
يبقى القول: إن "إسرائيل" وصلت إلى مرحلة قد تجد نفسها عبئًا حتى على نفسها، وأنها قد تدفع ثمن حسابات خاطئة، قد لا تكون هي الطرف الأساسي فيها، وهو ما يعني أن الآية في المنطقة انقلبت إلى حد كبير.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات