آراء وتحليلات
ماذا لو أوقف الغرب دعمه لتحالف العدوان على اليمن؟
شارل ابي نادر
على خلفية القرار الأخير لمجلس النواب الأميركي حول إنهاء دعم واشنطن لتحالف العدوان على اليمن، والذي تقوده السعودية بمشاركة فاعلة من الامارات، يدور الحديث عن القيمة العملية للقرار، وهل سيؤدي الى وقف العدوان على اليمن، أم أنه لن يتعدى الفقاعة الاعلامية، والتي لن يتجاوز هدفهُا امتصاصَ ردات الفعل والانتقادات الدولية، المتصاعدة في الفترة الأخيرة بشكل لافت، حول الجدوى من هذه الحرب المدمرة واللانسانية، والتي أثبتت فشلها وعجزها عن تحقيق أيٍ من أهدافها التي انطلقت من اجلها بدعم اقليمي ودولي واسع.
من الناحية الدستورية، مازال أمام القرار عقبة أساسية، وهي رفضه من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب باستعمال صلاحيته الدستورية بحق النقض، وهذا الاحتمال وارد بقوة كون القرار يعتبر ضربة لسياسته، حيث لم تتغير الأسباب التي يستند اليها لتغطية دعمه لتحالف العدوان على اليمن، والا، كان اتخذ قرار وقف الدعم بنفسه دون انتظار قرار من الكونغرس.
من الناحية السياسية والديبلوماسية
لواشنطن دور أساسي وفاعل في الضغط على المؤسسات الدولية لغض النظر عن الحرب على اليمن، وعن لا شرعيتها من ناحية القوانين الدولية والانسانية وقوانين الحرب والنزاعات المسلحة، وهذه القوانين جميعها مخترقة من قِبَل التحالف في حربه على اليمن، وتشكل مواداً واضحة على مجلس الأمن إثارتها ومتابعتها، لكنه مقيد بتأثيرات وضغوط واشنطن.
إضافة الى دور واشنطن الديبلوماسي، تلعب عدة دول غربية أيضاً دوراً مؤثراً في عزل مجلس الأمن عن الاضطلاع بواجباته في وقف هذه الحرب، وهذه الدول كبريطانيا وفرنسا، كان باستطاعتها أن تلعب دوراً ضاغطاً على مجلس الأمن وعلى واشنطن، فيما لو اتَّحَدت مع الصين ومع روسيا في جبهة دولية من أربعة دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، لوقف الحرب على اليمن، لكنها، أولاً لمصالح خاصة تتعلق باستفادتها المالية والتجارية، وثانياً لمصالح ديبلوماسية تتمحور بالابتعاد عن إغضاب واشنطن، تذهب باتجاه المساهمة مع الأخيرة في استمرار الحرب على اليمن.
من الناحية العسكرية
تدعم واشنطن تحالف العدوان على اليمن بمهام إعادة تزويد الطائرات بالوقود في الجو، فضلاً عن دعم يتعلق بجمع المعلومات والاستهداف، وهذا الدعم يعتبر أساسياً من الناحية العملية، اولا في موضوع إعادة تزويد الطائرات بالوقود جواً، حيث تقوم هذه الحرب، وبأغلب عناصر الضغط العسكري فيها، على التغطية الجوية وعلى استهداف مواقع وتحركات الجيش واللجان الشعبية اليمنية بالصواريخ والقنابل الموجهة من القاذفات الحربية، وذلك دفاعاً أو هجوماً، ومن دون مناورة القاذفات، لا يمكن للتحالف تنفيذ أي تقدم أو زحف ناجح. وايضا من دون التغطية الجوية، فإن التحالف عاجزٌ مع وحداته البرية ومرتزقته عن الصمود دفاعياً في أغلب المواقع بمواجهة الجيش اليمني واللجان الشعبية ووحدات أنصار الله، والميدان خلال الأربع سنوات الماضية من الحرب يشهد بذلك، وحيث يمتد ميدان الحرب على اليمن على مساحة واسعة جداً تتجاوز مئات الكيلومترات، ما بين الساحل الغربي على البحر الأحمر وما بين الحدود الشمالية مع السعودية المترامية الأطراف، والتي جميعها تشهد مواجهات شرسة، وتحتاج لتغطية جوية على مدار الساعة، تأتي أهمية تزويد القاذفات بالوقود جواً.
من ناحية أخرى، يلعب الدعم الأميركي العسكري للتحالف، لناحية تزويده بالمعلومات الضرورية في إدارة المعركة وقيادتها والسيطرة عليها، دوراً فاعلاً وأساسياً في الحرب، يتجاوز حتماً قدرات السعودية والامارات العاجزة عن ذلك لوحدها، ويمكن الاستناد في ذلك كنموذج، على ما احتاجه الروس والاميركيون في معركتهم الجوية ضد "داعش" والمجموعات الارهابية الأخرى في سوريا من امكانيات وجهود ضخمة. فكم بالحري تحتاج المعركة الجوية في الحرب على اليمن، والتي تُستهدف فيها وحدات نظامية وشبه نظامية يمنية قوية، وعلى جغرافيا واسعة تتجاوز جغرافية سوريا بأضعاف.
من ناحية الدول الغربية الأخرى، ربما من غير الواضح وجود دور عملاني ميداني لكل من الفرنسيين أو الألمان في هذه الحرب، غير ما تحصل عليه الامارات والسعودية من أسلحة وقدرات عسكرية متطورة، المانية أو فرنسية، وهذا لوحده يعتبر دوراً مهماً كمشاركة غير مباشرة في العدوان، لكن يبقى للدور العسكري المباشر للبريطانيين (طبعا غير تزويد العدوان بأسلحتهم)، أهمية حساسة في هذه الحرب، والذي يمكن تحديده بالتالي:
كان لافتاً مؤخراً ما أثارته القناة الرابعة البريطانية من تحقيق استقصائي عن دور بريطانيا في الحرب على اليمن، أشارت الى بعض تفاصيله قناة "الجزيرة"، حيث يتضمن التقرير معلومات عن شركات دفاعية بريطانية، يعمل فنّيوها في قواعد جوية سعودية لضمان استمرار تشغيل المقاتلات السعودية البريطانية الصنع من نوع "تايفون"، وحيث يتطرق التقرير الى اضطرار هؤلاء الفنيين الانكليز، وفي احيان كثيرة، لتنفيذ مهام المساندة الجوية بأنفسهم، بسبب عدم التزام أو تهرُّب الضباط السعوديين من ذلك، أو بسبب عدم كفاءتهم، وذلك في أعمال تتعلق بترتيب مساند القنابل وقاذفات الصواريخ على الطائرات. وأشار هؤلاء الفنيون، ودائما استنادا لتقرير القناة البريطانية الرابعة، الى أن سماء اليمن ستخلو فورا من قاذفات التايفون بالكامل، اذا أوقفت الشركة البريطانية خدماتها اللوجستية والميدانية .
ربما تمثل هذه المعطيات الديبلوماسية والعسكرية، بعضاً من ما تقدمه الدول الغربية الكبرى لتحالف العدوان في حربه على اليمن، ومن خلال ما يمكن أن يحصل من تطورات وتغييرات ميدانية لصالح الجيش واللجان الشعبية اليمنية، فيما لو توقفت هذه المساندة الجوية الغربية، وهذا الدعم اللوجستي والاستعلامي الواسع الاميركي البريطاني للتحالف، يمكن فهم سبب إحجام هذه الدول عن وقف مساهمتها في هذه الحرب على اليمن حتى الآن .
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024