معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

لبنان بين مشهدين في مساعي الحلّ.. الاستقرار أو الانهيار
01/02/2023

لبنان بين مشهدين في مساعي الحلّ.. الاستقرار أو الانهيار

محمد أ. الحسيني

بدأ لبنان يدخل عملياً في مرحلة التهشيم المنظّم، وهو الذي لم يخرج يوماً من بؤرة التصويب في لائحة الاستهدافات الأمريكية التي تسعى إلى تصنيفه في خانة الدول الفاشلة، العاجزة عن حكم نفسها بنفسها، تمهيداً لتدخّل مباشر يقود حكماً إلى وضع اليد عليه وإدارة مؤسساته وتنظيم شؤونه مالياً وسياسيًّا. ويبدو أن الأزمة الراهنة التي تسبّبت بها القرارات الصادمة للمحقّق العدلي القاضي طارق البيطار، وما تسبّبت به من انشطار خطير في الجسم القضائي اللبناني، تنذر بإضافة الشأن القضائي ليكون بدوره تحت الوصاية الدوليّة، ليبقى الجيش اللبناني المؤسسة الوحيدة التي لا تزال تحافظ على تماسكها بالحدّ الذي يحفظ البلد من الانقسام القاتل.

سعار أمريكي - إسرائيلي

سبق أن تحدّثت في مقال تحت عنوان: "الجيل الخامس من الحرب الأميركية يهدّد لبنان بالخراب" نُشر بتاريخ 23/11/2021 عن السياسة التي تعتمدها واشنطن في إسقاط الدول والأنظمة تمهيداً للسيطرة عليها من الداخل، وذلك باستخدام مجموعات خارجة على النظام تحت شعار المعارضة، وتعمل تحت مظلة ما يسمّى "المجتمع المدني"، وتسعى إلى تخريب الاستقرار بذريعة التغيير والتطوير ورفض الطبقة الحاكمة، وهذا ما بدأنا نشهده عملياً منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 حتى اليوم، فهل بلغنا مرحلة الشوط النهائي من لعبة تدمير لبنان؟

الجواب عن هذا السؤال يضعه المراقبون رهناً بالتطوّرات المتعلّقة بسياسة واشنطن المسعورة لإشعال الحرائق في أنحاء العالم وتحويل أوروبا وكامل آسيا، وبينهما المنطقة العربية، إلى ما يشبه البركان ذي الحمم المتحرّكة التي تنتظر اللحظة السانحة للانفجار. كما أن التطوّرات الدراماتيكية على محور الحرب الروسية - الغربية، ومحاولات إقحام إيران في أتون الأزمة المتفجّرة، سواء من خلال تصعيد الموقف السلبي الأمريكي - الأوروبي حيالها أو من خلال الاستهدافات الإسرائيلية المباشرة للمنشآت الصناعية الحيوية داخل إيران، وكذلك تصعيد النهج الإجرامي داخل فلسطين المحتلة، ستسهم في رفع مستوى التوتّر المحموم في المنطقة. وعلى الرغم من أن بعض الأوساط تضع السعار الإسرائيلي في إطار البازار السياسي الداخلي واستدراج الغطاء الأمريكي لحكومة نتنياهو، إلا أن من شأن ذلك أن يضع المنطقة على صفيح ساخن، ولبنان لن يكون بمنأى عن تأثيراته.

مشهدان متناقضان

أما على مستوى الداخل اللبناني فلم تعد الأمور خافية أو ملتبسة على أحد، حتى أضحى حديث التشرذم والتفتيت وهدم بنيان البلد بمعاول الخارج حديث الشارع، ولم يعد محصوراً في الغرف المغلقة أو صالونات النخب الحاكمة. وعلى الرغم من ذلك تمضي الشرائح السياسية بالترويج لأجنداتها السياسية وخياراتها، والتسويق لرؤيتها في المعالجات وإرساء الحلول، ممّا يكرّس الانقسام العمودي المتموضع حالياً بين مشهدين، الأول يسعى إلى لمّ الشمل السياسي والاتفاق على مخارج ترضي الحدّ الممكن من الأطراف بما يقود إلى انتخاب رئيس للجمهورية والبدء بالمعالجات الحقيقية، والثاني يصرّ على إكمال باقي بنود الأجندة الأمريكية التي تفضي إلى المزيد من زعزعة الاستقرار باتجاه وضع البلد على فالق زلزالي غير مستقر.

حزب الله: لتحصين لبنان

يسعى حزب الله إلى تدوير الزوايا لانتخاب رئيس للجمهورية مع قدر ممكن من الإجماع من قبل المكوّنات السياسية في لبنان. وهو في ذلك لا يريد فرض خياره على أحد ولا يبحث عن إثارة بؤر التوتّر السياسي في الداخل، فالأصل في الهمّ السياسي لديه هو تحصين لبنان في مواجهة ما يمكن أن يحصل من مستجدّات عاصفة على مستوى الإقليم والساحة الدولية، ولا يكون هذا التحصين إلا بالحوار والتوافق الذي ينادي به أيضاً رئيس مجلس النواب نبيه بري كمقدّمة لالتقاء الأطراف السياسية على شخصية الرئيس العتيد. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن انتخاب الرئيس ليس هدفاً بحد ذاته بقدر ما هو خطوة تأسيسية لإعادة تشكيل صيغة توافقية يحتكم إليها السياسيون في معالجة الملفات الحيوية في الداخل ومواجهة الأخطار الداهمة من الخارج.

الحل في الحوار والتوافق

لم يأتِ التحذير بالخطر الكبير الذي أطلقه الرئيس نبيه بري قبل أيام من فراغ، وهو الذي يحرص دوماً على إشاعة الأجواء الإيجابية بمجرّد أن يتلمّس ملامح ضوء في نفق السياسة اللبنانية المظلم. وما تصريحه بأننا "وصلنا فعلاً إلى الأسوأ" إلا ترجمة واقعية لمخاوف حقيقية لديه من وصول لبنان إلى المرحلة الحرجة التي تستدعي خطوات جدّية تقطع الطريق أمام المساعي الأمريكية لضرب الاستقرار الداخلي، وتحبط سريان مشهد التقسيم الذي بات يروّج له البعض بشكل علني، وتسقط الدعوات المشبوهة التي تستحضر مقدّمات عودة الحرب الأهلية إلى لبنان. وفي هذا السياق، يلفت المراقبون إلى سياسة الحكمة والتأنّي التي يعتمدها حزب الله في مواقفه ولقاءاته مع الأطراف السياسية، أو من خلال اتصالاته والرسائل التي يبعث بها إلى الجهات المعنيّة، ودعوته إلى الترفّع عن المصالح الذاتية والضيقة في مقاربة الملفات الشائكة، خصوصاً أنها وصلت إلى مستوى حرج من الخطورة مع اشتداد الأزمات المعيشية واستمرار الحصار الأمريكي السياسي والاقتصادي على لبنان، وهذا ما يحتّم ضرورة التوافق الذي يقطع الطريق أمام أي اصطدام يؤدي إلى المزيد من التشظي والتفتّت، وإضعاف الموقف اللبناني بما يجعله مكشوفاً سياسياً دون أي طوق حماية.

حلول الخارج زوبعة في فنجان

أمام ما سبق، تدعو أوساط مطّلعة إلى عدم الرهان على الحلول الخارجية، لا سيمّا أن واشنطن تعمل على إجهاض أي مسعًى يخرج لبنان من عنق الزجاجة، وما الأحاديث عن مساعٍ عربية – أوروبية، التي تستجيب ـــ ولو نظرياً ـــ إلى الدعوات التي تنادي بوضع لبنان تحت الوصاية الدولية، وتقديم البلد ككيان مستسلم للإرادة الخارجية، سوى زوبعة في فنجان وتقطيع للوقت ولا تقترب من الواقعية. وفي المقابل تلفت الأوساط إلى عودة ارتفاع نغمة التدويل بموازاة تعقيدات النزاع القضائي الذي أُلصِق بملف انفجار مرفأ بيروت، واستعادة معزوفة الاتهامات التي تشبه إلى حد بعيد ما تلا عملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، محذّرة من أن مساعي التدويل لن تقف عند استلاب القضاء اللبناني ووضعه في عهدة الخارج بعد تصنيفه قضاءً فاشلاً على غرار الدولة، بل ستشمل ما تبقى من مؤسسات، ورجّحت أن تشهد الأيام المقبلة ارتفاع الأصوات المطالبة بالتدويل وانضمام مواقع سياسية ونيابية وحزبية جديدة إلى الجوقة الحالية.

القضاءالسياسة

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة