معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

تهديدات زائفة.. وتحديات
27/01/2023

تهديدات زائفة.. وتحديات

إيهاب شوقي

ربما يتعامل الصهاينة والأمريكيون مع المنطقة بمنطق لخّصه وزير الحرب الصهيوني الأسبق موشى ديان حين قال إن "العرب لا يقرأون وإذا قرأوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يطبقون".

ولكن محور المقاومة مختلف تمامًا عمن وصفهم ديان، حيث يتصف المحور المقاوم بعمومه بالقراءة الجيدة والواعية والتي تنتج فهمًا وتطبيقًا يكفل التنامي للقدرات وتطوير المعادلات بخطى واثقة نحو النصر النهائي.

وقد عكف العدو الصهيوني في الأسابيع الأخيرة على تصدير صورة دعائية بأنه اتجه نحو التشدد التام والحسم النهائي وأنه بصدد السيطرة على فلسطين بكاملها وضم المقدسات وشن الحرب على ايران والمقاومة وبتعاون كامل مع أمريكا.

ولمزيد من الدعائية وتكريس الصورة، مارس العدو عدة اقتحامات غير مسبوقة للمقدسات ويجري مناورات غير مسبوقة مع أمريكا للإيحاء بجدية نواياه للعدوان المشترك معها، وهو أمر يحتاج لمناقشة وتدقيق.

وهنا نود القول أن المقاومة تأخذ دومًا جانب الاحتراز وتستعد لجميع السيناريوهات وتتمتع بالجهوزية، فهل يمكن اعتبار المناورات المشتركة غير المسبوقة في الحجم بين أمريكا والكيان المؤقت، علامة جدية أم تنطوي على دلالات أخرى مفادها المناورة وعدم القدرة الفعلية على شن الحرب؟

هنا نحن بصدد تقريرين في غاية الأهمية، أحدهما صهيوني وهو تقرير معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي  (INSS)، والذي أبرز مخاطر وتهديدات غير تقليدية ينبغي التركيز عليها، والآخر تقرير أمريكي لمنظمة "راند" صادر في العام 2016، وهو تقرير لافت يحمل كافة تفاصيل السياسات الأمريكية التي نفذت ولا تزال تُنَفَّذ حرفيًا حتى الآن.

وقبل الخوض في التقريرين، يمكن القاء الضوء على الدعاية الصهيونية التي أبرزتها وسائل إعلام العدو حول المناورة الصهيونية الأمريكية المشتركة:

أولا: دعايات العدو حول المناورات المشتركة وتهديد ايران

قالت وسائل اعلام العدو إن جيش الولايات المتحدة وجيش الحرب الإسرائيلي بدأ يوم الاثنين 23 يناير أكبر تدريب عسكري أجراه الجيشان على الإطلاق، وأن التدريبات تهدف إلى إثبات أن الجيش الأمريكي قادر على الرغم من الحرب في أوكرانيا والتوترات العسكرية مع الصين على مهاجمة إيران أيضًا.

وأضاف العدو أن 1100 جندي إسرائيلي و6400 جندي أمريكي، يشاركون في التمرين بمشاركة 140 طائرة منها 100 طائرة أمريكية. تشمل القوات الجوية التي ستعمل كجزء من التمرين 4 طائرات شبح من طراز F-35 و4 قاذفات نووية ثقيلة من طراز B-52 وما لا يقل عن 45 طائرة مقاتلة من طراز Cornet F-18 وطائرتين من دون طيار طويلتي المدى من طراز MQ-9 Reaper. وتشارك في التمرين قوات كبيرة من البحرية الأمريكية والإسرائيلية. وتتولى حاملة الطائرات الأمريكية USS George HW قيادة القوة البحرية الأمريكية.
 
ثانيا: أبرز مخاوف تقرير معهد أبحاث الأمن القومي INSS

رغم هذه التلويحات العسكرية، فإن مخاوف الأمن القومي الصهيوني لم تكن موجهة للحرب أو لرد فعل إيران على عدوان تعد له "اسرائيل"، بل حمل مفاجأة كبيرة، حيث قال إن التحدي الرئيسي لـ"إسرائيل" عام 2023 هو الحفاظ على العلاقة الخاصة مع الولايات المتحدة التي قد تتآكل نتيجة تكثيف الاستقطاب والتطرف على جانبي الجدار السياسي في البلاد!

وأشار التقرير السنوي لعام 2023 لمعهد أبحاث الأمن القومي INSS، إلى التطورات الاجتماعية الداخلية داخل الولايات المتحدة وابتعاد الجاليات اليهودية عن "إسرائيل"، وتخوف التقرير من إمكانية أن يؤدي إنشاء حكومة يمينية واضحة في "إسرائيل" إلى قيام الإدارة الأمريكية التي لديها أجندة ليبرالية بتكثيف عمليات التباعد، وتهدد مثل هذه العمليات بتقويض الدعم الأمريكي التقليدي لـ"إسرائيل"، والإضرار بمكانتها الدولية والإقليمية.

كما تخوف التقرير من إمكانية أن يؤدي تفاقم الاستقطاب الاجتماعي في "إسرائيل" إلى إضعاف المناعة الاجتماعية، وهو أمر حاسم في القدرة على التعامل مع التهديدات الخارجية. ويذكر التقرير التطرف القومي، والشعور بالافتقار إلى الحوكمة وانعدام الأمن الشخصي، مما يضعف المرونة الاجتماعية.

وهنا يمكننا استخلاص محاوف العدو الداخلية وكيفية توظيف هذه المناورات في تثبيت العلاقة مع امريكا ومخاطبة الجبهة الداخلية لقطع الطريق على تمزقها ونشأة القوى الداخلية والميليشيات المسلحة التي يتخوف منها التقرير.

ثالثًا: تقرير "راند" عام 2016 وتطابق السياسات الأمريكية معه

عام 2016 نشرت "راند" تقريرًا كاشفًا بعنوان "القدرة على الإرغام.. مواجهة الأعداء بدون حرب"، وقد حمل توصيات بالاستعاضة عن القوة العسكرية والحروب المباشرة التي ارتفعت كلفتها ولم تعد مضمونة النتائج، بسياسات أخرى حملها عنوان التقرير.

وقال التقرير إنه من بين أكثر خيارات القدرة على الإرغام المتوفرة للولايات المتحدة أهمية، هي العقوبات المالية، ودعم المعارضة السياسية اللاعنفية لأنظمة الحكم المعادية، والعمليات الهجومية الإلكترونية.

وفي التفاصيل، قال التقرير نصًا: (تتضمن القدرة على الإرغام، والحنكة السياسية التي تتحكم بها، العقوبات الاقتصادية، والإجراءات السياسية العقابية، والعمليات الإلكترونية، والعمليات الاستخباراتية السرية، والمساعدة العسكرية، والحملات الدعائية، والتضييق على التجارة أو التحكم بها، والحظر على البضائع والأشخاص، ودعم المعارضة السياسية، بالإضافة إلى أمور أخرى).

وحمل التقرير عنوانًا خاصًا وهو "مساندة خصوم العدو"، وقال نصًا: (تملك الولايات المتحدة وسائل متنوعة تمكّنها من تقوية ومساندة الدول والمجموعات التي تعارض أعداءها. يمكنها لهذا الغرض تقديم المساعدة غير العسكرية أو العسكرية).

ومن هنا نلمح التطابق بين التقرير وبين سياسات أمريكا مع روسيا ومساندتها لاوكرانيا، وكامل السياسات التي تتبعها امريكا مع إيران. اتبعت أمريكا ولا زالت تتبع السياسة البديلة للحرب المباشرة وبكامل تفاصيلها، كما نلمح مخاوف العدو الداخلية ونقاط ضعفه التي أبرزها تقرير من أهم تقارير أمنه القومي، وكيف يمكن توظيف التهديدات داخليًا على مستوى الجبهة الداخلية، وخارجيًا على مستوى العلاقات المأزومة مع أمريكا.
ومع ذلك فإن المقاومة تتمتع بكامل الجهوزية لجميع السيناريوهات، وعلى رأسها أسوأها.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات