معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

أسلحة أميركية فاسدة لإفساد الرأي العام ‎‎
19/01/2023

أسلحة أميركية فاسدة لإفساد الرأي العام ‎‎

يونس عودة

بموازاة فتح كوّة في الاتصالات بين سوريا وتركيا بجهود روسيّة وإيرانية معلنة وواضحة، وخلافًا للإرادة الأميركية التي تملك قوات محتلّة على الأراضي السورية ولا تزال تمارس ضغوطًا هائلة لمنع دول عربية من اتخاذ خطوات لاصلاح ذات البين الكبير مع سوريا جراء فشل واشنطن وجيوشها النظامية ومنظماتها الإرهابية في تطويع سوريا وحلفائها أكان في الميدان أو في الحروب النفسية وتشكيل جيش اعلامي على مختلف الأصعدة، بموازاة كل ذلك يبدو أن الولايات المتحدة ستعيد الكرّة من باب الدعاية الكاذبة وعلنًا وبكل صفاقة، ولأهداف مدمرة اجتماعيًا.  

تقول وثيقة لوزارة الخارجية الأمريكية إنها ستخصص من مكتب تنسيق المساعدات التابع لوزارة الخارجية الأمريكية ما يصل إلى 15 مليون دولار لوسائل الاعلام المستقلّة في سوريا - أي العمل على استقطاب وسائل إعلامية سورية موجودة في غير المناطق الواقعة تحت سيطرة القوات الأميركية وأعوانها - وستقوم بالتعاقد مع خبراء متخصصين لدعم الجهود البرمجية "لتحسين وصول السوريين إلى معلومات غير متحيزة ودقيقة وآنية على المستوى المحلي، بهدف توسيع إمكانيات المواطنين السوريين في هذا المجال"، حسب تعبير الوثيقة.

لو عدنا قليلًا إلى بداية الحرب على سوريا، فقد تم تجنيد عشرات الأشخاص لـ"توسيع إمكانيات المواطنين السوريين" وتم تدريبهم على بث الشائعات مع انشاء أجهزة إعلامية على اختلافها نشطت في تدبيج التقارير المكتوبة والمصوّرة وتقديمها على أنها "وقائع غير متحيزة "، ثم ظهر ضلالها بالاثباتات ما دفع بعض أولئك المجنّدين الذين أغوتهم الأموال والوعود للهروب والتخفي ما لم يقتل من صحا ضميره.

بلا شك إن وراء التمويل الأميركي كالعادة خرابًا في الأفق، وهذا الخراب يستهدف الرأي العام السوري خصوصًا والرأي العام العربي عمومًا، وغالبيته اكتشف زيف الدعاية الأميركية منذ بداية الحرب على سوريا على ألسِنة ووجوه مجنديها كما في البيانات الأميركية التي فضحت بنفسها مرامي الحرب على سوريا. وليست "الحرية والديمقراطية" - الشعار المضلل - من بين الأهداف التي أدت الى مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين وتدمير المدن والقرى والبنى التحتية والآثارات التي لا تُعوّض، وليس أدل على ما ورد في الوثيقة نفسها التي تقول إنه "تهيمن على المشهد الإعلامي في سوريا حملات الدعاية والتضليل المدعومة من قبل النظام السوري وروسيا وإيران والجهات الفاعلة الخبيثة الأخرى. وتهدف هذه الحملات إلى تشويه صورة النزاع في سوريا، وتقويض جهود تحقيق الاستقرار، وعرقلة التقدم نحو حل سياسي وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254".

لم تقل الوثيقة ما هي حقيقة ما تسميه "النزاع السوري"، وأنها تمارس تطبيق أجندات معادية في محاولة للإضرار بسوريا والشعب السوري عبر ما يعرف بالتدخل الخارجي في المشهد الإعلامي لدولة ذات سيادة، وشراء الضمائر والرشى والافساد للبعض ضمن خطط افساد الرأي العام في عملية التلاعب بعقول الناس والسيطرة عليها، وهي أي وزارة الخارجية الأميركية تقر بذلك في إحدى فقرات وثيقة الـ15 مليون: انها تأمل بأن يقدم المشاركون في البرنامج حلولا مبتكرة لتثقيف وبناء قدرات الإعلام السوري "المستقل"، وأنها ستزودهم بالدعم الفني من أجل زيادة انتشارهم وجذب الجماهير في أجزاء مختلفة من البلاد. وبالتالي من يأكل من مال السلطان سيضرب بسيفه ولو كان السم في نصله.

ليس من باب المقارنة وإنما في خصوص الوقائع، فلبنان باق تحت وطأة "أجهزة" اعلام ممول من الخارجية الأميركية، بعضه قديم والبعض الآخر حديث ويعود إلى العام 2005 تحديدًا.

لقد جرى تدريب مئات من "الإعلاميين اللبنانيين" في الولايات المتحدة وبعض دول الخليج وفي لبنان عبر دورات متخصصة وخاصة، وأُنشئت مراكز بحث للتلاعب بالعقول، وجاءت وفود أميركية من مكتب تنسيق المساعدات في الخارجية الأميركية والتقت باعلاميين من اتجاهات متعددة، مخضرمين، وهواة، وعرضت المغريات، فمنهم من سقط في الحبائل ومنهم من رفض بإباء أن يكون بيدقًا أو خائنًا لبلده والمساهمة في تشويه التاريخ والحاضر والمستقبل.

لقد نجح الأميركيون في تطويع اعلاميين واعلاميات صنّفتهم البروباغندا بأنهم من عتاة الإعلاميين وأعلمهم وألمعهم، وجرى تمويل برامج تلفزيونية وإذاعية غالبيتها غثّة يقدّمها هذا أو ذاك، أو تلك، والهدف الأول إفساد الرأي العام عبر خطاب ممجوج لا يستند إلى وقائع أو يستند إلى بعض الوقائع المجتزأة والمحرّفة أيما تحريف، وقد تشكلت مجموعات من اعلاميين وصحافيين لمعوا أثناء فترة عداوتهم للسياسة الأميركية ومنهم من اليساريين السابقين الذين صحّ بهم قول لينين إن مثل هؤلاء المثقفين هم الأكثر قابلية للخيانة لأنهم قادرون على تبرير الخيانة من أجل مصالحهم الخاصة. وهؤلاء يعقدون حلقات التفكير في المقاهي لرفد مندوب السفارة بنتاج تفكيرهم المشبع بالكراهية وبعضهم ينتمي لمجموعة "خطاب ضد الكراهية".  

لقد نجح الأميركيون في استخدام محطات بأكملها لتسويق مآربهم الخبيثة وانتدبوا أشخاصًا مخضرمين في عمليات التضليل والتشويه ليكونوا على الدوام في هذه المحطة أو تلك لإعطاء التوجيهات وتحديد الموضوعات لبعض البرامج، وهؤلاء لبنانيون يحملون الجنسية الأميركية وبعضهم عمل ردحًا في وسائل إعلام لبنانية، وأيضًا في الولايات المتحدة حيث أعيد تأهيله للمهام التي تناط به حاليًا، ومن بين المهام الهجمات السيبرانية من موقع مؤهل تقنيًا داخل إحدى المحطات التلفزيونية.

لقد خصص قسم المساعدات في الخارجية الأميركية تمويلًا سخيًا لتشويه صورة المقاومة الناصعة كبياض ثلج جبال لبنان. واذا كان سفراء ومسؤولون أميركيون في الخارجية والـ"سي آي ايه" قد أعلنوا سابقًا أنهم خصصوا 500 مليون دولار لتشويه صورة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، ومن ثم مليارات لافساد الرأي العام عبر "ثورة تخريب الاقتصاد والاستقرار" فإن العمل والتمويل مستمران عبر برامج أقل ما يمكن أن يقال إنها فاجرة في الأكاذيب، وأن القائمين عليها موجودون في أروقة أميركية داخل الأراضي اللبنانية.  

في الآونة الأخيرة حصل حادث اعلامي جرى إلقاء غطاء عليه بدل تغطيته الاعلامية، إذ قامت احدى المحطات غير البعيدة عن الهوى الأميركي باجتهاد في تقرير لها عن المصارف وصفت فيه حقيقة واضحة عن مسؤولية أحد كبار المصرفيين في كيفية التلاعب بالدولار، فجرى ضرب المحطة وتعطيل موقعها الالكتروني، وقد أبلغت المحطة بالهجوم والسبب ما اضطر مديرها لزيارة المصرفي وشرح أكلاف إصلاح الأعطال فقام المصرفي بدفع الأكلاف "فريش دولار" كلها بغمزة من عينه اليمنى خلف النظارة.  

من الواضح أن من يتورط في لعبة التلاعب الأميركي سوف يتحول إلى بيدق رخيص أو يجري الاستغناء عن خدماته لمجرد الاجتهاد أو قول الحقيقة، وهذا تمامًا ما جرى مع المستشار الإعلامي والناطق باسم الرئيس الاوكراني اليكس اريستوفيتش الذي تجرأ على قول الحقيقة لمرة واحدة بجوابه على تحديد هوية الصاروخ الذي سقط على مبنى سكني في دنيبروبيتروفسكي مُقِرًا بأنه من الدفاع الجوي الأوكراني، فجرت إقالته تحت وطأة الضغط النفسي الحاد رغم أنه طوال الفترة الماضية كان يروج لما يقال ويُكتب له من معلومات منافية للحقيقة.

كل ما يفعله الأميركيون في العالم عبر الأكاذيب لا بد أن يرتد عليهم في حساب الحقائق، وبالأخص في سوريا ولبنان، ورغم وجود هذا الجيش من الكَذَبَة إلا أن الناس استيقظت وباتت ترفض التلاعب بعقولها.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات