معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

واشنطن ومصاديق الرفض العراقي لها
17/01/2023

واشنطن ومصاديق الرفض العراقي لها

بغداد - عادل الجبوري

أوضحت احصائية صدرت مؤخرًا أن عدد الهجمات التي تعرض لها الوجود الأميركي في العراق خلال عام 2022، بلغت 102 هجومًا، امتدت من جنوب محافظة صلاح الدين، مرورًا بالأنبار وديالى وبغداد وبابل والديوانية والمثنى وصولًا إلى ذي قار. وبصرف النظر عن حجم الخسائر التي تكبدتها الولايات المتحدة الأميركية جراء تلك الهجمات، وعن هوية الجهات المنفذة، فإن ذلك يؤشر إلى عدة أمور، من بينها أن الولايات المتحدة ما زالت متواجدة وحاضرة في العراق، ليس في اطار العمل الدبلوماسي والسياسي أو حتى الاقتصادي والثقافي، وانما في اطار العمل والفعل العسكري، رغم ادعاءاتها العام الماضي بانهاء مهامها القتالية والاقتصار على المهام التدريبية والاستشارية التي تحدد بالتوافق والتفاهم مع الحكومة العراقية، أي وفق ما تحتاجه وتطلبه الأخيرة.

والأمر الآخر يتمثل في أن الموقف العراقي الرسمي والشعبي الرافض للاحتلال الأجنبي الأميركي وغير الأميركي ما زال قائمًا، بل ربما بات أكثر قوة ووضوحًا ورسوخًا.

ولعل تاريخ 17 كانون الثاني/ يناير، يحمل في ذاكرة العراقيين كثيرا من الصور المؤلمة التي أفرزت وولدت الكثير الكثير منها، والتي مثلت سلسلة متواصلة للمآسي والويلات التي سببتها الولايات المتحدة الأميركية ومن تحالف معها وسار وراءها للعراق والعراقيين.

في ذلك اليوم من عام 1991، انطلقت حرب تحرير الكويت، وبدأت معها مسيرة تدمير وتخريب واذلال العراق. صحيح أن نظام صدام أحدث كوارث كبرى بغزوه لدولة الكويت في صيف عام 1990، لم تكن أقل حجمًا واثرا من الكوارث التي تسببت بها حربه العبثية ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية في عام 1980، وامتدت لثماني اعوام متواصلة، إلا أن ما لا يمكن انكاره ولا القفز عليه، هو أن القوى الدولية الغربية وفي مقدمتها اميركا، ومعظم الانظمة العربية، هي التي مكنت وشجعت ودعمت نظام صدام ليشن حربه على ايران، ومن ثم ليغزو الكويت، وبعدها ليجوع العراقيين ويسومهم سوء العذاب، ويدمر البلاد ويحيلها أنقاضًا قبل أن يسقط وينتهي غير مأسوف عليه في ربيع عام 2003.

كان بإمكان الولايات المتحدة طي صفحة نظام صدام في عام 1991، بعدما وصل إلى حافة النهاية جراء هزيمته في الكويت والانتفاضة الشعبية التي اجتاحت أربع عشرة محافظة عراقية، بيد أن حسابات واشنطن ومصالحها اقتضت ابقاءه ضعيفًا ومعزولًا عن العالم، في ذات الوقت قويًا ومتسلطًا على شعبه.

وحينما قررت التخلص منه بعد أكثر من عشرة أعوام، في ظل تزايد الضغط السياسي من قبل المعارضة العراقية، والسخط والاستياء الشعبي من قبل الشعب العراقي بمختلف توجهاته وانتماءاته، ذهبت إلى الحاق المزيد من الخراب والدمار بالبلد واحتلاله وتبديد ثرواته، وفتح أبوابه على مصاريعها للجماعات والتنظيمات الارهابية التكفيرية والبعثية المختلفة، وارهاق العراقيين عبر سوء الخدمات واشغالهم بدوامة مستمرة من المشاكل والازمات.

يكفينا أن نطالع مذكرات الحاكم المدني الأميركي للعراق (2003-2004)، الموسومة (عام قضيته في العراق)، لنعرف طبيعة تفكير واشنطن ورؤيتها لحكم وادارة شؤون العراق، وبعد ذلك يكفينا أن نستعرض سريعًا الجرائم والانتهاكات الفظيعة للقوات الأميركية في العراق، وجريمة شركة "بلاك ووتر" الأمنية في ساحة السور عام 2007 خير شاهد ودليل، وجريمة تعذيب السجناء في سجن ابو غريب شاهد ودليل آخر على ذلك. وهذه أمثلة ومصاديق وشواهد قليلة من كمّ هائل وكبير لن يمحى من أذهان العراقيين في الوسط والشمال والجنوب والغرب والشرق بلا استثناء.

ومثلما مكّن الأميركيون وحلفاؤهم وأصدقاؤهم نظام حزب البعث، ومكنوا صدام حسين من التربع على عرش الحكم في العراق بعد تصفية أغلب خصومه ومعارضيه، بل وحتى رفاقه المناضلين في الحزب، فإنهم أوجدوا تنظيم "القاعدة" ومكنوه ليرتكب أبشع الجرائم في العراق وبلدان أخرى، ومن ثم جاؤوا بتنظيم "داعش"، ناهيك عن مسميات وعناوين أخرى كثيرة. هذا إلى جانب فرض معادلات سياسية بصبغة طائفية كانت بمثابة الغام موقوتة، وفسح المجال للكيان الصهيوني لاختراق المنظومة السياسية والأمنية والاجتماعية العراقية من بعض الثغرات هنا وهناك.

والآن يحاول الأميركون، عبر بث ونشر الأخبار والتقارير التضليلية في وسائل الاعلام الغربية الواسعة الانتشار عن مواقف عراقية رسمية تتيح لهم البقاء في البلاد إلى أمد غير معلوم، ولا شك أن هذه أساليب مخادعة عفى عليها الزمن، ولم تعد تنطلي على أبسط الناس، ولم يعد خافيًا على أحد أن المواقف الجماهيرية هي التي تحدد طبيعة وجوهر القرارات السياسية، لا سيما تلك المتعلقة بسيادة واستقلال وكرامة البلد، ومن الخطأ اعطاء زيارة المنسق الأميركي بريت ماكورك ولقائه بعدد من كبار الشخصيات السياسية العراقية، أكبر من حجمها، لأن مثل تلك الزيارة لم تكن الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة، ولا يمكن أن يترتب عليها شيء يتقاطع ويتناقض مع التوجه الشعبي والجماهيري العام، الذي تبلور بوضوح كبير جدًا بعد جريمة اغتيال القائدين الشهيد ابو مهدي المهندس، والشهيد قاسم سليماني قبل ثلاثة أعوام.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات