معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

 اليابان نحو العسكرة من جديد.. والـ"توماهوك" خيارها لمواجهة الصين
17/12/2022

 اليابان نحو العسكرة من جديد.. والـ"توماهوك" خيارها لمواجهة الصين

د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي

تتجه اليابان بوتيرة متسارعة نحو التخلي عن نهجها السلمي واستبداله بردائها العسكري من جديد، بعدما وافقت طوكيو ـ (الجمعة 16 كانون الاول/ ديسمبر 2022) ـ على إجراء مراجعة شاملة لسياستها الدفاعية وزيادة ميزانيتها العسكرية، في تحول نوعي منذ هزيمتها في الحرب العالمية الثانية على يد الولايات المتحدة، التي لعبت وما زالت دورًا رئيسيًا في دفع المسؤولين اليابانيين إلى تبني هذا التوجه بما يلائم ويخدم مصالح واشنطن الاستراتيجية في منطقة المحيط الهادي، وذلك بهدف تطويق ومواجهة الصين من خلال سياسة الأحلاف العسكرية التي تنتهجها أمريكا في تلك المنطقة.

وعليه وانطلاقًا من الوصاية الامريكية التي تخضع لها طوكيو، وانعكاسها على قراراتها لا سيما الخارجية والعسكرية منها، كشف مسؤولون يابانيون وأمريكيون أنه نظرًا للقلق المتزايد من التهديدات الأمنية المتزايدة، وخطر اندلاع حرب في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ستسعى  طوكيو لشراء مئات الصواريخ من طراز "توماهوك كروز" الأمريكية الصنع، وذلك كجزء من تعزيز دفاعي كبير غير مسبوق في فترة ما بعد الحرب الكونية الثانية. (اشارة الى أن هذه الصفقة كان جرى طرحها لأول مرة خلال زيارة رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا إلى البيت الابيض في أيار/ مايو الماضي).
 
كيف ترجمت اليابان سياسة العسكرة هذه؟ وما هو دور واشنطن في هذا الأمر؟

تتبع الولايات المتحدة سياسة تمكين الحلفاء والشركاء في منطقة المحيط الهادي بقدر كبير من الاهتمام والجهد الكبير والعميق، وتحرص كذلك على تضخيم قدراتهم العسكرية، مقابل بكين. وتبعًا لذلك، قال مسؤولون إن قرار شراء مئات صواريخ توماهوك (التي قدّرت بين 400 إلى 500 بحسب الروايات الأمريكية) سيرسل رسالة صارمة الى كل من الصين وكوريا الشمالية، بأن اليابان جادة في الدفاع عن النفس، وأن التحالف الثنائي (بين واشنطن وطوكيو) ــ الذي يمكن القول إنه الأكثر أهمية عسكريا في المنطقة ــ يزداد قوة في مواجهة التهديدات من قبل بكين وبيونغ يانغ.

من هنا، تحظى عملية الحصول على الصواريخ وميزانية الدفاع المتزايدة بدعم إدارة الرئيس جو بايدن، التي تعتبر اليابان شريكًا محوريًا في غرب المحيط الهادئ. فضلًا عن ذلك، ترى القيادات الامريكية أن تعميق التحالف مع اليابان هو جزء من استراتيجية أوسع للتعاون الإقليمي لتعزيز الأمن، بما في ذلك الاتفاق الذي تشارك فيه الولايات المتحدة وبريطانيا لمساعدة أستراليا في تطوير غواصات تعمل بالطاقة النووية، ورفع الولايات المتحدة القيود المفروضة على كوريا الجنوبية لبناء صواريخ باليستية.

أكثر من ذلك، تتعاون كل من اليابان والولايات المتحدة بالفعل عن كثب في التكنولوجيا العسكرية. إذ يطير اليابانيون بالطائرة المقاتلة F-35 ويستخدمون نظام الدفاع الصاروخي Aegis، وكلاهما من صنع المقاول الأمريكي Lockheed Martin. كما يديرون تدريبات مشتركة للدفاع الصاروخي الباليستي في البحر، بما في ذلك التمرين الذي كان أجراه البلدان قبالة هاواي في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ووصف بالناجح.

وفي السياق ذاته، أعلن مسؤولون أمريكيون أن اليابان تخطط لإعادة تشكيل أنظمة الإطلاق العمودية الحالية على مدمراتها لاستيعاب توماهوك.

وهذا الشهر أيضًا، من المتوقع أن تعلن وزارة الدفاع اليابانية عن زيادة فريق الأمن السيبراني لديها من 800 شخص حاليًا، إلى 20000 بحلول عام 2027، مما يوفر موظفين للحكومة لسد الفجوات الرئيسية في قدرات الأمن السيبراني.

علاوة على ذلك، تدرس اليابان أيضًا تسهيل استخدام قوات الدفاع الذاتي للموانئ والمطارات المدنية في وقت السلم، وهو انعكاس إضافي لمخاوفها (بحسب مسؤوليها) بشأن الاستعداد في حالة نشوب صراع.
 
ما هي أهداف اليابان من سياسة العسكرة؟

تعتبر اليابان أن انجازها صفقة التوماهوك، يأتي كجزء من إطلاق استراتيجياتها الجديدة للأمن القومي والدفاع، حيث كان كيشيدا دعا إلى أجندة هي الأكثر حزمًا على مستوى السياسة الخارجية.

وبناء على ذلك، كشف كيشيدا في آب/ أغسطس الفائت أنه اتخذ خطوة غير عادية بالقول إنه يريد زيادة ميزانية الدفاع إلى 2 بالمائة، من الناتج المحلي الإجمالي الياباني بحلول عام 2027 ــ تتلاءم مع معايير الناتو التي تفرض على الأعضاء اقتطاع هذه النسبة (البالغة 2 المائة) من الناتج المحلي لكل دولة.

اللافت أنه في حال نجحت هذه الخطوة التي لطالما اعتبرت مثيرة للجدل وغير قابلة للتصديق، فمن المحتمل أن تحصل اليابان خلال خمس سنوات على ثالث أكبر ميزانية دفاعية في العالم بعد الولايات المتحدة والصين.

من هنا تبرر طوكيو هذه التوجه بأن العملية الروسية في أوكرانيا، دفعتها الى السعي على اعتماد سياسة خارجية صارمة تجاه الخصوم لا سيما الصين.

وبموازاة ذلك، تعتبر الحكومة اليابانية أن هذه الصفقة من شأنها أن تؤدي الى تعزيز قدرة اليابان على تنفيذ ضربات صاروخية بعيدة المدى، فضلًا عن أنها تمثل انفصالًا مذهلًا مع النهج التقليدي الطويل الذي اتبعته طوكيو، من خلال تجنب اقتناء أو تصنيع أسلحة هجومية كما تساهم في تقوية الردع التقليدي لديها، في الوقت الذي تقوم فيه الصين بتحديث عسكري شامل، وتحزر كوريا الشمالية تقدمًا متسارعًا في برنامجها النووي. وتعقيبًا على ذلك، قال مسؤول ياباني: "إن إدخال هذا النظام سيرمز إلى تغيير إيجابي كبير فيما يتعلق بقدرات الضربات المضادة".

ليس هذا فحسب، بالنسبة لطوكيو فإن صواريخ توماهوك التي يزيد مداها عن 1000 ميل، ستضع أهدافًا عسكرية في البر الرئيسي للصين في متناول اليد.  

ماذا عن الدستور الياباني والتعديلات عليه؟ وما هو الموقف الشعبي من هذا التوجه الجديد؟
 
فيما تحاذر اليابان السياسات الموجهة للدفاع عن النفس تماشيًا مع المشاعر الوطنية الرافضة للعسكرة، إلا أنه في الحقيقة، ثمة تحول تدريجي طرأ على نظرة الشعب الياباني تجاه هذا الأمر، حيث كانت سمحت إعادة تفسير دستورها عام 2014 بالقيام بعمل عسكري في حالة تعرض أحد الحلفاء للهجوم.

وانطلاقا من هذه النقطة، تظهر استطلاعات الرأي أن الدعم الشعبي لما تسميه الحكومة اليابانية قدرة "الضربة المضادة"، ارتفع بشكل واضح من 37 بالمائة في تموز/ يوليو 2020، إلى أكثر من 60 بالمائة في حزيران/ يونيو 2022.

أكثر من ذلك، جعلت المواجهة الأطلسية ــ الروسية في أوكرانيا، التدخل الصيني لتايوان يبدو ممكنًا بدرجة أكبر بنظر اليابانيين، مما أدى إلى تعميق قلق الجمهور بشأن الاستعداد العسكري الياباني في حالة نشوب صراع إقليمي.

ما هو موقف الصين؟

بالمقابل، شعرت الصين بالقلق من تحول اليابان. ففي تصريح صحافي الشهر الحالي، وصفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ خطط اليابان بأنها تطور "خطير للغاية".

وأضافت: "اليابان بحاجة إلى التفكير بجدية في تاريخها العدواني، واحترام المخاوف الأمنية للجيران الآسيويين، والتصرف بحكمة في مجال الأمن العسكري، والقيام بالمزيد من الأشياء التي تفضي إلى السلام والاستقرار الإقليميين".

الجدير بالذكر أن اليابان كانت أول دولة آسيوية تنضم إلى الغرب في فرض عقوبات على روسيا، التي عمدت بدورها الى تصنيفها على أنها دولة "غير ودية"، وبالتالي زيادة نشاطها العسكري (اي موسكو) في المنطقة المجاورة.
 
في المحصلة، من المرجح جدًا بعد هذا القفزة العسكرية لليابان، أن تتجه الأمور في منطقة المحيط الهادي إلى المزيد من التأزيم، (مع عدم استبعاد انزلاق الاوضاع بشكل محدود) خصوصًا أن كلًا من الصين وكوريا الشمالية، تنظران بعين الربية الى التحالف الثنائي المتطور بين اليابان وامريكا،  والذي أصبح يهدد أمن المنطقة ويشكل خطرًا داهمًا عليها وفقًا لرؤية كل من بكين وبيونغ يانغ.

كوريا الشمالية

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل