معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

تعديل مهام اليونيفيل.. من أسباب حادثة "العاقبية"!
16/12/2022

تعديل مهام اليونيفيل.. من أسباب حادثة "العاقبية"!

خليل نصرالله

أربعة عقود ونيف من الزمن، واليونيفيل متواجدة في جنوب لبنان. ترحيب شعبي واسع بها وعلاقة متينة نسجتها "عشرة العمر". لم يسجل أن ثار الجنوبيون على قوات الطوارئ لأعوام طويلة، بل تعاملوا مع عناصر قوات حفظ السلام بشيء من الود والاحتضان.

في مقابل ذلك، يسجل التاريخ عددًا كبيرًا من الاستهداف الاسرائيلي لهذه القوات، كما حصل في قانا عام 1996 عندما استهدفت مدفعية العدو مقر القوة الفيجية، حيث احتمى المواطنون بقوات حفظ السلام، التي كانت تعطيهم شيئًا من الطمأنينة. وجميعنا يذكر صور الأشلاء المقطعة للمواطنين اللبنانيين وعناصر قوات الطوارئ والتي اختلطت ببعضها بعضا. وهو ليس الاستهداف الاسرائيلي الوحيد.

في الأيام الأخيرة للعدوان الاسرائيلي عام 2006، ومع اتضاح الصورة بتمكن المقاومة من إفشال أهداف العدوان وتحقيق الانتصار التاريخي، سجل يومها نصر موازٍ تحقق بإفشال مساع غربية قادتها واشنطن لارسال قوات متعددة الجنسيات تحت الفصل السابع، لتنتهي الأمور إلى تعزيز قوات اليونيفيل المتواجدة منذ عام 1978 وزيادة عديدها. اتفق يومها على مهام محددة لها، تتم وفق تنسيق مباشر، بل ومرافقة الجيش اللبناني، الذي عزز بدوره حضوره في الجنوب. العملية تلك تمت بسلاسة، خاصة مع تواصل دول أوروبية مع المقاومة عشية وقف الأعمال الحربية لأخذ ضمانات والتوافق حول عمل اليونيفيل.

مع تصاعد العدوان في سوريا، وفي ظروف أمنية عصفت بلبنان، صعد الإسرائيليون مدعومين بأصوات غربية وداخلية لبنانية من تصاريحهم المطالبة بتعديل مهام اليونيفيل، وهو ما تصدت له الدبلوماسية اللبنانية، بشكل كبير، فيما موقف المقاومة كان واضحًا لجهة اعتبار أن تعديل المهام ينسف التوافقات التي حصلت في الأيام الأخيرة خلال عدوان تموز. وهو ما سيترتب عليه تبعات على الأرض.

المساعي الأميركية ـــ الاسرائيلية عبر مجلس الأمن لم تتوقف. فالكيان الاسرائيلي كان يبدي علانية عدم رضى عن عمل اليونفيل بوضعها الحالي، ويسعى بالتالي إلى تعديل مهامها وتحويلها إلى ذراع تلبي متطلباته الأمنية.

خلال السنوات الأخيرة تصاعدت الاشكالات في بعض القرى بين دوريات تابعة لليونفيل والمواطنين، عندما كان يلمس بشكل واضح تعديها لصلاحياتها، وهو ما كان يتم احتواؤه ومعالجته سريعا.

في أيلول/ سبتمبر الماضي، وفي ليلة ظلماء، وفي ظل الاشتباك بين لبنان والعدو الاسرائيلي على خلفية تهديد المقاومة بالذهاب نحو عمل عسكري ما لم تتم تلبية مطالب الدولة اللبنانية في تحديد المساحة البحرية الاقتصادية، مرر في مجلس الأمن تمديد عمل قوات اليونيفيل لعام واحد، مع إضافة بند يتحدث عن عدم الحاجة إلى إذن مسبق لأداء مهماتها، أي يمكنها القيام بأعمالها دون التنسيق مع الجيش اللبناني وفق الآليات المعتمدة، تحديدًا في منطقة عملها جنوب نهر الليطاني.

القرار تعرض لانتقادات واسعة، أهمها ما قاله الأمين العام لحزب الله يومها بأن تعديل المهام هو اعتداء على السيادة اللبنانية. وهو ما فسر أنه رد واضح وستكون له تبعاته. بعدها ومع تكثف الاتصالات داخليًا مع قيادة اليونيفيل في الناقورة، وخارجيًا مع الدول الرئيسية التي تتشكل منها، بقي بند عدم الحاجة للإذن المسبق حبرًا على ورق، وبالتالي مواصلة العمل وفق الآليات السابقة.

ما تقدم قد يوصلنا إلى خلاصة لفهم الاشكالات المتزايدة بين المواطنين وبعض دوريات اليونيفيل، آخرها ما حصل في منطقة العاقبية ليل الأربعاء ـ الخميس، وهي منطقة خارج نطاق مهام اليونفيل، ناهيك عن أن المنطقة ليست مسارًا معتمدًا لتنقل تلك القوات بين مطار بيروت والمرفأ وأماكن تمركزها في الجنوب.

التوجس من هذه الدوريات سببه في الدرجة الأولى الخطوات الأميركية - الاسرائيلية في مجلس الأمن، والتي لا تصب في مصلحة اليونيفيل والدول التي ينتمي عناصرها لها بالدرجة الأولى، كما أنها ليست مصلحة للبنانيين.

هاجس الأمن في الجنوب المعرض للعدوان الإسرائيلي، والذي يقع تحت العين الاسرائيلية أيضًا، هو ما يدفع المواطنين لايقاف دوريات تابعة لليونفيل في أماكن يشكل تواجدها فيها شبهة أمنية وسؤالهم عن وجهتهم.

حول ما تقدم، لا نبرر ما حصل في العاقبية، وليأخذ التحقيق مجراه ووقته. لا يلام أهل الجنوب الذين قدموا عشرات آلاف الشهداء وهدمت بيوتهم لأكثر من مرة عندما يعبرون عن هواجسهم، وهم الذين يعلمون أنهم عرضة للعدوان. ويجب على المسؤولين اللبنانيين، بدلًا من التوعد بالمحاسبة، وبشكل يسبق التحقيقات، أن يطمئنوا أهل الجنوب أولًا.

ختامًا، من المنطق القول إنه يجب انتظار نتائج التحقيقات ليبنى على الشيء مقتضاه، ولتعلن حقيقة ما جرى بشكل واضح ومن دون مجاملات، لكن من المنطق أيضًا أن يعاد تصويب البوصلة نحو التزام اليونيفيل بالآليات المتفق عليها دون محاولة التفاف حولها.

الحدود البرية اللبنانيةاليونيفيل

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل