آراء وتحليلات
حزب الله.. الوطن الذي يخشون قيامته
د. زكريا حمودان
أزمة عميقة تضرب لبنان وهي ليست بجديدة، فالأزمات لاحقته منذ نشأته حتى يومنا هذا مع اختلاف المقاربات والحسابات الضيقة منها والواسعة.
في العمق، الأزمة الحالية قد تكون الأكثر تعقيدًا بسبب كثرة المتغيرات، وعندما تكثر المتغيرات يصبح الوصول للنتيجة الأفضل أمرًا صعبًا وبالتالي يتم البحث في ما يسمى علميًا "أفضل الممكن".
من ضمن المتغيرات في الأزمة اللبناني المتغير الأهم وهو "حزب الله". وعادة في الحسابات العلمية، المتغير الأهم هو الذي تبنى عليه أهم قواعد الرياضيات لبناء شكل "ماتيماتيكي" صحيح يتم من خلاله رصد الاشكالية وتقديمها بهدف إيصال العملية العلمية التي يتم بحثها إلى النتيجة المرجوة سواء كانت "الأفضل" أو "أفضل الممكن" والذي هو الأقرب إلى الأفضل.
بالعودة إلى المتغير الأهم في هذه المعادلة أي حزب الله، فسبب اعتباره المتغير الأهم ليس عبثيًا أو عاطفيًا بل مبني على قاعدة علمية وحقيقية، وهي على الشكل التالي:
١- حزب الله هو الحزب الوحيد الذي لم يطلب شيئًا لنفسه تاريخيًا في لبنان منذ نشأته وعلى مختلف المستويات وتحديدًا المحاصصة في الادارات العامة، التوظيف العشوائي في الدولة، حصته من النواب داخل أو خارج البيئة الشيعية بحكم امتداده الوطني.
٢- حزب الله هو الحزب شبه الوحيد الذي لا يوجد عليه أي ملف فساد في تاريخ الجمهورية اللبنانية ضمن الأحزاب الأساسية الفاعلة تاريخيًا، بالتالي يتم اطلاق اتهامات عابرة للمنطق والعقل ضده، ثم يتضح لاحقًا بعد التدقيق أنها وهمية، حتى أن بعض خصوم حزب الله ممن يشاركون في عمليات التدقيق يُحرَجون أمام مشغليهم في هذه المواقف الحرجة بالنسبة لهم.
٣- حزب الله وهو الأقوى عسكريًا، هو الحزب الوحيد في تاريخ الجمهورية اللبنانية الذي لم يرفع سلاحه يومًا في وجه أحد من اللبنانيين. وللاجابة على تساؤلات البعض في قضايا محددة يُتهم فيها حزب الله زورًا نقدم ما يلي: إقرار البعض بافتعالهم أكثر من فتنة وفي أكثر من منطقة، وكذلك ما حصل في الطيونة مؤخرًا والذي أفشل تمدده حزب الله. مجزرة خلدة أفشل تفاعلها حزب الله. الهجمة الارهابية في منطقة الشرق الاوسط واجهها حزب الله بدماء شبابه خارج الحدود، وكتفًا الى كتف مع الجيش اللبناني داخل الحدود. وغيرها من القضايا التي كان سلاح حزب الله فيها في خدمة لبنان برمته.
٤- حزب الله هو الوحيد الذي قدم ملفًا عامًا وشاملًا عن ملفات الفساد في الدولة اللبنانية دون أي حسابات ضيقة كانت أو واسعة. والملف يتضمن أدلة وبراهين دقيقة جدًا أصبحت في عهدة القضاء وينتظر هذا الملف الشامل قدره في أروقة الأحزاب العفيفة التي تتحكم كل منها بجزء من القضاء.
٥- حزب الله الأحرص على احترام السيادة اللبنانية، فلم نره يومًا يستعرض قوته لتحقيق مكاسب معينة بالرغم من قدرته الواضحة على ذلك. فقد قدم حزب الله نموذجًا عن أن المقاومة هي بالعمل وليس بالشكل والاستعراض، مقارنة مع بعض من ادعى المقاومة يومًا في لبنان وكانت أهم انجازاته توجيه صواريخه على الجيش اللبناني، أو على بعض المناطق اللبنانية أو خدمة للاسرائيلي.
٦- حزب الله على المستوى التقني يعتبر الأوحد من بين الأحزاب اللبنانية التي تابعت وزراءها لحظة بلحظة من خلال فرق عمل كانت جديرة جدًا بالاحترام على مستوى الكفاءة وتقديم الطروحات البنيوية ونظافة الكف.
النقاط المعروضة أعلاه ليست شاملة لكنها الأهم والتي تضع حزب الله في مقدمة المتغيرات التي لا بد وأن يبنى الوضع على أساسها. بالتالي، إن من يبحث عن بناء وطن حقيقي، عليه أن يبحث مع حزب الله حول مستقبل الجمهورية لأنه الأقدر على تقديم الرؤية الوطنية الشاملة للبنان. واستنادًا الى ما تم ذكره، يمكن رؤية المرحلة المقبلة على الشكل التالي:
١- تحديد وظيفة الادارات العامة، بالتالي تحديد ماذا نريد من الادارات العامة كلبنانيين، وليس كأحزاب تبحث عن حصص لها داخل الادارات العامة.
٢- فتح ملف الفساد الشامل الذي قدمه حزب الله مع مختلف المستندات، والذي في طياته قد يطال من الحلفاء كما من الخصوم، بالاضافة إلى أي ملف فساد تقدمه أي جهة في لبنان. لكن لا يمكننا اليوم التوجه نحو مشروع بناء دولة دون ان تُفتح ملفات الفساد.
٣- شرح كل نقطة مبهمة في اتفاق الطائف وتنفيذ ما تبقى تقنيًا واداريًا من هذا الاتفاق وذلك لاخراجه من دائرة الأخذ والرد السياسية، لأنه لا يوجد أي سبيل لتعديل أو تطوير هذا الاتفاق في ظل غياب الرؤية الوطنية لدى معظم القوى السياسية وخاصة تلك التي لا تستند في حياتها السياسية إلا على الكراهية والعداء لحزب الله.
الأزمة التي عصفت في لبنان كانت تستهدف حزب الله قبل أي شخص أو حزب أو مشروع كان، وكان حزب الله تكتيكيًا بالمرصاد، ساير من يشاء، دافع كما يشاء، هاجم متى يشاء، تحمل وصبر على من يشاء، وقدم لمن يشاء وحرم من يشاء. هذا هو حزب الله، المتغير الأقوى في المعادلة اللبنانية، هو الوطن الذي يخشون قيامته.
الفسادمكافحة الفسادالجمهورية اللبنانيةالقضاء
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
07/11/2024
كم ستنبت الأرض منك!
07/11/2024