معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

تطور غير مسبوق.. ايران تعبر نهر الفولغا
07/12/2022

تطور غير مسبوق.. ايران تعبر نهر الفولغا

د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي
 
فتحت الأزمة الأوكرانية الباب على مصراعيه أمام موسكو، لتطوير علاقاتها بشكل غير مسبوق مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والتجارية، كما سمحت لطهران بتعزيز حضورها في الاتحاد الروسي، وذلك بالاستفادة من حاجة البلدين إلى هذا النوع من التعاون والشراكة الطويلة الأمد، لمواجهة الحصار الخانق الذي فرضه الغرب الأطلسي على كل من ايران وروسيا.

كيف استفادت موسكو من موقع إيران الجيوسياسي؟

في الحقيقة، مع بداية المواجهة الأطلسية - الروسية، سعى الكرملين إلى ايجاد ممرات عبور بديلة لتجارتها، بهدف تخطي العقوبات وقيود العبور، على خلفية عملياتها العسكرية في أوكرانيا. لذا كان من الأهمية بالنسبة لروسيا في هذا الصدد، تعزيز التعاون في مجال الشحن والنقل مع إيران في منطقة بحر قزوين.

وتبعًا لذلك، استقبل ميناء نوشهر شمال إيران، أول سفينة شحن روسية (Ro-Ro) منذ 21 عامًا.  المثير في الأمر أن هذه الشحنة من البضائع - التي مرت عبر روسيا وإيران والهند - كانت قد سلكت طريقًا متعدد الوسائط، بدءًا بميناء أستراخان وتحديدًا جزء سوليانكا (روسيا)، ثم مينائي بندر عباس وشابهار (إيران)، وصولًا إلى مرفأ نهافا شيفا (الهند). أكثر من ذلك توصلت إيران وروسيا في حزيران الماضي، إلى اتفاق مبدئي لإطلاق مشروع بناء سفن مشترك في بحر قزوين.
 وفي هذا السياق، أعلن رئيس هيئة الموانئ والبحرية الإيرانية علي أكبر صفائي بعد لقائه نائب وزير النقل الروسي دميتري أزاروف في طهران في تشرين الأول الفائت، عن استعداد موسكو للسماح للسفن الإيرانية بالمرور عبر نهر الفولغا.

لماذا يعتبر وصول ايران إلى نهر الفولغا انجازًا استراتيجيًا يسجل لطهران؟

في الحقيقة، يعد هذا التطور الفائق الأهمية الأبرز والأحدث في سياق التحركات العديدة الهادفة لتوسيع التعاون في مجال الشحن والعبور بين كل من إيران وروسيا في بحر قزوين، والذي زاد بعد اطلاق الكرملين عملياته الحرب ضد أوكرانيا.

ما يجدر التوقف عنده والتدقيق في دلالاته الايجابية كثيرًا على المستوى الايراني، هو أنه قبل ذلك، لم تسمح روسيا للسفن الأجنبية، بما في ذلك الإيرانية منها بالمرور عبر نهر الفولغا أو استخدام قناة الفولغا دان.

 فالسلطات الروسية تعتبر هذا النهر ممرًا مائيًا داخليًا، وبسبب اعتبارات الأمن القومي لم تسمح موسكو للسفن الأجنبية بالمرور عبر نهر الفولغا والقنوات الموجودة داخل الأراضي الروسية. لذلك كانت السفن الإيرانية في الماضي، تضطر إلى نقل حاوياتها إلى السفن الروسية في ميناء أستراخان، حتى تصل الشحنات إلى وجهتها النهائية داخل روسيا، أو الانتقال إلى البحر الأسود عبر قناة الفولغا دون.

 وانطلاقًا من هذه النقطة، وعند البدء بتنفيذ هذا الاتفاق والعمل بمضمون بنوده وتطبيقها - وهو أمر أصبح قريبًا نظرًا للتحولات النوعية في العلاقات بين طهران وموسكو - ستتمكن إيران حينها من الوصول إلى أطول نهر في أوروبا، والذي يبدأ في تفير أوبلاست (حوالي 400 كيلومتر موسكو) وينتهي في أستراخان (جنوب روسيا) على الشاطئ الشمالي لبحر قزوين، ويمر عبر 15 منطقة روسية بما في ذلك سامارا، ونيجنيظ، نوفغورود، وكازان، وفولجوجراد.

وستكون السفن الإيرانية قادرة على استخدام قناة الفولغا-دون، التي توفر أقصر اتصال صالح للملاحة بين بحر قزوين، والبحر الأبيض المتوسط عبر بحر آزوف والبحر الأسود.

ماذا عن التحديات اللوجستية التي قد تواجه ايران في نهر الفولغا؟

بالرغم من هذه التحول في مسار ازدياد التوجه الروسي نحو ايران، إلا أن ثمة تحديات ومصاعب قد تواجه ايران، وفي مقدمتها أن السفن التجارية التي تزيد حمولتها عن 5000 طن لن تكون قادرة على المرور عبر نهر الفولغا وقناة "الفولغا دون" بسبب ضحالة المياه في بعض الأماكن، خصوصًا أن قدرة الشحن الإيرانية في بحر قزوين في الوقت الحالي دون مثل هذه السفن محدودة.

لكن البلدين أوجدا الحلول لهذه المعضلة، حيث من المتوقع بعد الاتفاق على منح الإذن للسفن الإيرانية لعبور نهر الفولغا، وأن توقع روسيا عقودًا جديدة لبيع عدد من السفن بسعة قصوى تبلغ 5000 طن - حتى السفن المستعملة - إلى إيران، مما سيدر عائدات مالية كبيرة على شركات بناء السفن الروسية في أستراخان، ومناطق أخرى حول نهر الفولغا، وهو ما سيحقق إفادة مشتركة لكلا البلدين.

وبالفعل، أعلن السفير الإيراني في روسيا كاظم جلالي أن "خطوط خازار البحرية للملاحة في البلاد تتفاوض مع روسيا لشراء البضائع، وسفن الدحرجة لاستخدامها على طول خطوط بحر قزوين من أجل توسيع التجارة بين البلدين".

إضافة إلى الصعوبات المذكورة أعلاه، تسبب النقص الحاد في التجريف خلال العقود الماضية في زيادة ضحالة المياه، مما زاد من صعوبة تحريك السفن عبر قناة الفولغا وفولغا دون.
لذلك ستعمد موسكو إلى القيام بأعمال التجريف في القناة لضمان المرور الآمن للسفن التي يصل غاطسها إلى 4.5 متر، على أن يتم تمويل هذه الأشغال من الرسوم التي ستفرض على السفن الإيرانية التي تعبر نهر الفولغا وقناة الفولغا دون، والتي يمكن أن تغطي جزءًا كبيرًا من النفقات المقدرة لإعادة إعمار روسيا، وانجاز تجريف هذه الممرات المائية.
 
 في المحصلة، رفعت هذه التطورات - التي تؤكد بوضوح اهتمام روسيا الأكثر جدية بتعزيز التجارة البحرية وعلاقات الشحن مع إيران في بحر قزوين - طهران إلى مرتبة الحليف الاستراتيجي لموسكو، بعدما لم يجد المسؤولون الروس في محنتهم سوى الجمهورية الاسلامية البلد الوحيد الذي تحدى أمريكا والغرب ومدّ يد المساعدة إليهم، وهذا ما دفعهم إلى الموافقة على تقديم تنازلات وإبداء بعض المرونة مع إيران بشأن القضايا التي لم يكونوا مستعدين لها قبل الحرب، مثل التعاون في بناء خط سكة حديد رشت - أستارا (وإرسال سفن الشحن الروسية Ro-Ro إلى الموانئ الإيرانية) وبيع السفن إلى إيران في بحر قزوين، والسماح للسفن الايرانية بالمرور في نهر الفولغا وقناة الفولغا دون، وهذا ما يظهر بوضوح نهج الكرملين بدفع العلاقات السياسية والاقتصادية بين طهران وموسكو إلى مستويات غير مسبوقة.

هل من عاقل يسأل بعد، لماذا هذه الهيستريا الغربية من سياسات طهران؟

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات