آراء وتحليلات
الطائف.. آخر أوراق السعودية
د. زكريا حمودان
لقاء جامع وحاشد في الشكل عقدته السفارة السعودية في بيروت السبت الفائت للقول إن اتفاق الطائف الذي عقد منذ ٣٣ عامًا في مدينة الطائف حول لبنان لم يُطبق.
للوهلة الأولى نسأل: لماذا لم يظهر حرص السعودية المفاجئ على اتفاق الطائف وأهمية تطبيقه، خلال الأعوام الثلاثة والثلاثين السابقة، خاصة وأن قرابة ٢٣ عامًا منها كانت بيد سعودية عبر الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونجله سعد، بالاضافة إلى فؤاد السنيورة وتمام سلام، مع العلم بأن باقي رؤساء الحكومات لم يكونوا يومًا معادين للسعودية؟
الاستنتاج الأول يوصلنا إلى ضرورة سؤال السعودية الحريصة على اتفاق الطائف عن أسباب عرقلتها تطبيق هذا الاتفاق من خلال الحكومات السابقة التي كانت تسيطر على قرارها.
الحضور في مبنى الأونيسكو أمام السفير السعودي كان شاملًا للقيادات والرؤساء وللوزراء والنواب والشخصيات التي جمعها السفير ليقول لها إن اتفاق الطائف موجود لتثبيت دور السعودية في لبنان، وإنكم يجب أن تؤيدوا هذا الوجود، وإن السعودية لا تتخلى عن الساحة اللبنانية لأنها تضمن لها ورقة صراع وتصفية حسابات مع ايران، وإنه لو كان لدى السعودية نوايا حقيقية لتطبيق الاتفاق لقامت بذلك من خلال الرئيس رفيق الحريري الذي حكم السلطة التنفيذية ١١ عامًا بعد الطائف، برعاية سعودية مباشرة. وهنا نتساءل فعلًا عن حقيقة طرح اتفاق الطائف حينها، وهل كان المراد منه أهداف محددة ولم تتحقق فتخلت عنه السعودية؟ ولماذا عاد اليوم السفير السعودي الى طرحه؟
أما النقطة الثانية المهمة فهي العقم الذي تضمنته الكلمات اللبنانية التي لم تكن هادفة ابدًا، بل كانت جزءًا من واجب الشخصيات الحاضرة تجاه المملكة التي لم تتوقف يومًا عن دعمهم خدمة لمصالحها في لبنان، والتي أثبتت جميعها أن اللقاء فلكلوري ليس أكثر من ذلك. كما كان غريبًا خلال التغطية التلفزيونية قبل بداية اللقاء موقف النائب والوزير السابق بطرس حرب من أنه لم يكن على علم بأنه من المتحدثين في اللقاء!
في السياسة، يعتبر اتفاق الطائف ناجحًا في جمع الأحزاب اللبنانية المتصارعة في الحرب الأهلية وأدى إلى وقف القتال والتوجه نحو إعادة اعمار لبنان، وتُشكر السعودية وكل من ساهم بحقن الدماء اللبنانية على ذلك. لكن، يبقى الاتفاق اتفاقًا لبنانيًا ولا يحق لدولة استضافت في إحدى مدنها الاتفاق، أن تكون وصيّة على سيادة ومستقبل البلد المعني به، الأمر الذي يشكل اعتداءً صريحًا على سيادة ودستور البلد وتدخلًا سافرًا في الشأن اللبناني ودستوره في مرحلة دقيقة من حياة اللبنانيين.
كما لا بد من التوقف عند دقة المرحلة الحالية التي يتحول فيها لبنان إلى خرق الجدار الدولي الذي حاصره ماليًا واقتصاديًا وسياسيًا، وفرض اتفاق دولي يضمن له حق الدخول الى نادي الدول النفطية.
انطلاقًا مما شاهدناه في هذا اللقاء تُطرح عدة أسئلة أهمها:
١ــ هل تعيش السعودية هستيريا تحرر لبنان ماليًا وعدم الحاجة لها ولودائعها المشروطة؟
٢ــ هل يحق للسعودية أن تتدخل اصلًا في دستور اللبنانيين وأن يتصرف سفيرها كمندوب سامٍ للجمهورية؟
٣ــ هل استأذن السفير السعودي من وزارة الخارجية والوزارات المختصة لاجراء هكذا مؤتمر بصفته ممثلًا لدولة أجنبية؟
٤ــ هل يستطيع أن يخبرنا السفير السعودي عن سبب صحوته المفاجئة ضد اللقاء الذي دعت اليه إحدى الجمعيات السويسرية بالرغم من علمه به قبل أيام وربما أسابيع؟
٥ــ هل يعلم السفير السعودي بأنَّ محاولته تهميش فريق سياسي وميثاقي من اللبنانيين ومحاولته خلق بيئة معادية له، يجرّمه قانونًا ويجعله عرضة للمحاسبة في حال حصول أي حدث في المرحلة المقبلة؟
ما قام به السفير السعودي مؤخرًا يؤكد أنَّ التلطي باتفاق الطائف هو من أجل تغطية الفشل الذريع الذي حصدته السعودية في لبنان، سواء على مستوى سياستها الخارجية من جهة، أو من خلال تغطيتها لمجموعة كبيرة من المتهمين بسرقة أموال اللبنانيين تحت مظلة السعودية والطائف.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024