آراء وتحليلات
المشهد الآخر لزيارة بومبيو: مرارات وخيبة
غالب أبو زينب
بعيداً عن الصخب الذي أحدثته زيارة وزير خارجية الإدارة الأمريكية إلى المنطقة ولبنان، وما رافقها من لهجة عالية تتوسل الاستعراض وتثبيت الحضور في المنطقة والتذكير بدوره كفاعل أساسي في لبنان، إلا أن هذه الضجة التي ترافقت مع الزيارة لم تتلاءم مع حقيقة المجريات منذ لحظتها الأولى، إلى اللحظة التي ظنها وزير الخارجية إنها ستكون مدوية وحاسمة وستلقي الرعب في القلوب وستعيد عقارب الساعة إلى الوراء وستعطي المجد للإدارة الأمريكية وسيكون الجميع خاضعاً وعلى أتم الجهوزية لتنفيذ رغبات السيد الأميركي دون تردد أو مناقشة.
لذا كان البدء بتلاوة "أمر اليوم" ضد المقاومة وحزب الله وإيران كاشفاً الكابوس التي تعيشه الإدارة والعقدة النفسية المستعصية والندوب التي أصابته وانعكست نوبة هذيان مرضية تجلت بإعادة اسم حزب الله وإيران تكراراً ومراراً حتى انقطاع الكلام، وتم إفراغ شحنة أميركية بغيضة ملوثة بدماء الأطفال والرجال والنساء الذين شارك في قتلهم الأميركي بغطائه الواسع للعدوان الإسرائيلي على لبنان في كل المراحل.
كل هؤلاء الضحايا لم يعنَ بتذكرهم، بل تذكر جنوده الغزاة الذين سقطوا صرعى ابان محاولتهم فرض العصر الإسرائيلي على لبنان. ولعل هذا ما زاد من كابوس بومبيو إذ قارن بين الحقائق المصنوعة على الأرض من العام 82 إلى الآن بانجازاتها المختلفة التي هي في محصلها خسارة صافية للإدارة الأمريكية وإلإسرائيلية، وبين ضجيج كلامه الذي لا يحمل في طياته جديداً، ولا يمت إلى الواقع في صلة.
لذا كان القرار لدى الإدارة الأمريكية المتبجحة بالديمقراطية وحريات الإعلام، منع أي أسئلة أو استيضاح صحفي، لان ذلك من شأنه أن يحرج الوزير وان يفضح تهافت منطقه وجسامة أخطائه، وتعديه على الوقائع ومحاولة تزوير التاريخ وقلب الأمور، والاستعانة بالكذب الأبله الذي لم يقنع حتى قائله، لذا بدت هذه الجمل المكتوبة على امتداد الدقائق الثمانية عبئاً ثقيلاً رماها بومبيو متخلصاً من أوزارها وأسرع إلى الخروج عن المنصة، حتى لا يخطئ أحد من الصحافة ويتجاوز التعليمات ويطرح سؤالاً، إلا أن الأمور لم تكن تحتاج إلى أسئلة لان المشهد من الناحية المقابلة كان شديد الوضوح، فالاتهامات من قبل الإدارة "وبغض النظر عن كذبها" إنما تعكس حقيقة قاسية يدركها بومبيو ورئيسه، بان كل ما يقوم به جهد لا يعدو كونه جهد العاجز، الذي لا يملك أن يفعل جديداً، بعد أن استنفد كل وسائله ضد المقاومة دون جدوى، ولم يتبق له من وسائل فاعلة سوى إعادة ترتيب الكلام بلهجة تصعيدية تؤشر في كل محطاتها إلى مدى الانتصار الذي تعيشه المقاومة وصوابية خياراتها ومدى الضيق الذي يعانيه الأمريكي والهزائم التي تلحق بخياراته.
إن كل حرف نطق به كان اعترافاً بالهزيمة والعجز عن الفعل فيما تبدو الطمأنينة على المقاومين الذين أدركوا ان الاستعراض الأمريكي انتهى مع مفاعليه حتى قبل انتهاء الزيارة، كما أن صفعة الموقف الموحد للمسؤولين في لبنان كانت بادية على وجهه الأحمق، الذي أدرك من خلالها أن لبنان دولة أهلها أعزاء لا يشبهون الملتحفين بالعباءة الأميركية والذين يسبحون بحمد أمريكا.
إن المشهد الآخر الحاضر في لبنان هو مشهد "لبنان الشعب والجيش والمقاومة" ولا مكان لغيره أبداً فليرحل الأمريكي حاملاً مرارات خيبته بعيداً.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024