معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

لبنان.. وغياب آفاق حلول الأزمة المعيشية!
29/03/2019

لبنان.. وغياب آفاق حلول الأزمة المعيشية!

محمد علي جعفر

يعاني اللبنانيون من أزمة معيشية تطالهم وعلى أصعدة عدة، تحديداً الاجتماعية والاقتصادية. ندوات تُعقد لمناقشة الأوضاع، تختلف بالمُحاضرين لكنها تتفق على صعوبة الأزمة وآفاق حلولها. بالأمس، وفي ندوة جمعت عدداً من الخبراء الاقتصاديين والمصرفيين والماليين عُقدت في فندق "رامادا" في بيروت حملت عنوان "آفاق الإصلاحات الإدارية والمالية في ضوء مقرّرات مؤتمر سيدر والحلول المقترحة"، أحسن الوزير الأسبق شربل نحّاس وصف مشهد الوضع اللبناني. لبنان أمام واقع وأزمة تسير به السلطة نحو الهاوية، واللبنانيون دولة وشعباً، يناقشون جوانب تتعلق بالحواشي ولا علاقة لها بجوهر الأزمة. بوضوح شدد الوزير نحاس على أن التعامل مع السلطة يجب أن ينطلق من سلوكها تجاه المواطن والدولة، أي مما تفعله ومما لا تفعله، وهو ما يغيب عن القراءة اللبنانية! ما يزال لبنان بعيداً عن المطلوب ليس فقط لمعالجة الأزمة بل لتوصيفها وتقييمها. يوجد اختلاف واضح في قراءة المشكلة، وهو إن أحسنّا الظن موجود لدى النخب الغيورة على البلد، في حين لم يعترف بعض المستفيدين من الواقع الراهن بوجود الأزمة.

مما لا شك فيه، يتوافق رأي الوزير شربل نحاس مع التقييم العلمي الدقيق لما يجب الانطلاق منه في مقاربة الأزمة اللبنانية. يتفق ذلك مع ما يُشار له كمفهوم يتعلق بإدارة الدولة، بالحوكمة أو الرقابة على نشاط الدولة. لكن المشكلة الإضافية التي نجدها تُشكل أساس أزمة النظام اللبناني، هي غياب الرؤية الاستراتيجية للدولة وعدم وجود خطة استراتيجية تنطلق من تقييم البيئة الاستراتيجية للبنان (الواقع الحالي)، وتضع السياسات والأهداف التي يجب تحقيقها (الواقع المطلوب).

تأتي الحوكمة كجزء من عملية إدارة الدولة والرقابة على نشاطها. وهي أساس في عملية تفعيل دور أجهزة الدولة وسلطاتها، فيما يأتي الاقتصاد السياسي ليُشكل إضافة ضرورية، تحتاج الى القراءة بتمعن، في ظل تغيرات يجب أن تطرأ على سياسات الدولة، والتي تحكم بجزء منها السياسات الاقتصادية المرتبطة آثارها مباشرة بالهم المعيشي للمواطن. وهو ما يغيب عن توجهات السلطة الحاكمة، لأسباب تتعلق بالسياسات الاقتصادية منذ ما بعد الطائف، وأسس النظام الاقتصادي اللبناني.

اليوم يعيش لبنان في ظل تحولات إقليمية ودولية، سياسية واقتصادية، تختلف عن مرحلة ما بعد الطائف. على الصعيد الاقتصادي، أعطت المعادلات الإقليمية والدولية حينها، الأطراف اللبنانية حرية القيام بما تجد فيه من مصلحة تحت سقف التوجهات الاقتصادية الليبرالية وليس ضمن توجهات سياسات الدولة الرعائية. ساهم ذلك في بناء واقع الاقتصاد اللبناني على أساس أن أهل السلطة وحكام القطاع العام، هم نفسهم تجار القطاع الخاص، الى جانب غياب النقابات والمجتمع المدني، ما جعل أهل السلطة يستفردون بالحكم. لم توضع أي خطط للنمو الاقتصادي والتنمية المحلية، ما رسخ الاقتصاد الاستهلاكي وأهدر أموال الشعب اللبناني (خزينة الدولة) وأوصل الأمور اليوم الى مرحلة عجز الدولة مالياً عن تأمين قيمة الفوائد على ديونها الخارجية وعدم تمكنها من الاستدانة بفوائد مقبولة.

اليوم يحتاج لبنان الى قراءة تقبل الوضوح كأسلوب وتقييم الواقع بدقة كمنهاج. وهو ما يزال يغيب عن التوجه السياسي. تحتاج الأمور لمعالجة وقراءة مغايرة تنطلق من واقع المجتمع اللبناني بأطيافه. يعيش اللبنانيون اليوم في ظل أزمة معيشية تتعدد مظاهرها الاقتصادية والمالية والاجتماعية، تكبر مع الأيام وستكون آثارها خطيرة على المجتمع والكيان اللبناني. يجري ذلك في ظل دولة عاجزة عن إنقاذ اللبنانيين، وفي ظل غياب القرار السياسي المطلوب لتغيير أسس النظام الاقتصادي كمدخل لمعالجة الأزمات. فهل يُعتبر أهل السلطة في لبنان شركاء في الأزمة؟

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل