آراء وتحليلات
الانتخابات النصفية الأمريكية: استحضار تجارب جمهوريات الموز.. الى الفوضى دُرّ
د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي
مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي، المقرر اجراؤها في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، يبدو أن الفوضى وأعمال البلطجة والتزوير ستكون العنوان الرئيسي لهذا الاستحقاق المفصلي، بعدما بدأت مؤشراتها بالظهور بالفعل في عدد من الولايات، لا سيما في نيفادا وميشيغان اللتان من المرجح أن تتحولا إلى انموذج حي للتشجيع على المخالفات وتجاوز القوانين والأنظمة الانتخابية، وربما قيادة الشغب والاضطرابات.
وبناء على ذلك، يتزايد قلق المسؤولين عن الانتخابات في امريكا من خطر جديد يتمثل في أن الجماعات التي تتطلع إلى تقويض نتائج الانتخابات، ستحاول الاستفادة من مؤيديها للعمل في تنظيم الاقتراع، وبالتالي اطلاق يدها للعبث والتلاعب بالنتائج وفرز الأصوات.
ومع أن العاملين في مجال الانتخابات في الخطوط الأمامية يشرفون على كل شيء، من فحص الأشخاص في مواقع الاقتراع، إلى المساعدة في معالجة بطاقات الاقتراع بالبريد غير أن بعض الحوادث البارزة التي تورط فيها هؤلاء، أثارت قلق المسؤولين عن الانتخابات، من أن موجة أكبر من المتاعب قد تلوح في الأفق.
ماذا يحدث في نيفادا؟
ما حدث في ولاية نيفادا دق جرس الانذار للناخبين الأمريكيين، من أن هذا الانتخابات لن تمر بسلام كما يأمل المسؤولون في واشنطن، بل ستشوبها تجاوزات كبيرة كما يحدث تمامًا في جمهوريات الموز.
أولى التهديدات جاءت من مرشح الحزب الجمهوري جيم مارشانت ـ هو واحد من العديد من المدافعين المتحمسين لما يسميها الديمقراطيون "الكذبة الكبرى" أي أن انتخابات 2020 كانت مزورة ـ الذي زعم أنه كان ضحية لتزوير الانتخابات، بعد خسارته أمام النائب الديمقراطي ستيفن هورسفورد في انتخابات 2020.
حاليًا، يقود مارشانت مجموعة من رافضي نتائج الانتخابات، وصرّح بأنه إذا تم انتخابه هو وزملاؤه "سنقوم بإصلاح البلد بأكمله، وسيكون الرئيس ترامب رئيسًا مرة أخرى".
لم يترك مارشانت فرصة إلا يمهد فيها للتشكيك بنزاهة الانتخابات، وآخر أفعاله كانت اطلاق مزاعم كاذبة (بحسب الديمقراطيين) بتزوير آلات التصويت. واستنادًا لذلك، اتخذت أربع مقاطعات على الأقل خطوات للتخلي عن آلات التصويت وإدارة الانتخابات عن طريق الاقتراع الورقي، والعد اليدوي، وهي عملية من المؤكد أنها ستؤخر النتائج وتحدث المزيد من الأخطاء.
وبعد أن حثّ مارشانت لجنة المقاطعة على "التخلص من آلات التصويت والتبويب الإلكترونية الخاصة بالانتخابات"، تحركت اللجنة لتنفيذ مطالبه. إضافة الى ذلك استقال كاتب المقاطعة منذ فترة طويلة، وهو جمهوري، بسبب الإحباط، وعينت اللجنة كاتبا آخر هو مارك كامبف، الذي روج لمؤامرات انتخابية مختلفة، ويسعى الآن الى تكرار نفس ورقة الاقتراع في الانتخابات.
ما هي الارتكابات والمخالفات والتجاوزات التي حدثت في مقاطعة نيفادا؟
ميدانيًا استقال المشرفون على الانتخابات في 10 من أصل 17 مقاطعة في الولاية، أو أجبروا على الخروج أو أعلنوا مغادرتهم. كذلك استقال العاملون في الانتخابات من المستوى الأدنى في مواجهة الانتهاكات المستمرة. فيما خسرت الولاية، ثمانية من موظفيها البالغ عددهم 12 موظفًا.
أكثر من ذلك، في مقاطعة واشو في "رينو"، ثاني أكبر منطقة في الولاية، قاد أحد منظري المؤامرة المعادية للسامية، حملة مضايقة ضد مُسجّلة الناخبين، متهمًا إياها بالخيانة والإدمان، واستقالت خوفًا على سلامة عائلتها. ليس هذا فحسب، أرسلت المقاطعة مؤخرًا في غيابها ،عينة اقتراع بالبريد إلى ناخبين تحتوي على أخطاء مثل: مرشح مفقود، أو اسم لا ينتمي إلى بطاقة الاقتراع، أو خطأ إملائي.
وبالمثل في مقاطعة ستوري، استقال الكاتب في وقت سابق من هذا العام، وحل محله جيم هيندل، نائب رئيس الحزب الجمهوري في نيفادا، وأحد الناخبين المزيفين الذين تم طرحهم كجزء من محاولة لإلغاء نتائج إنتخابات 2020.
علاوة على ذلك، يتوقع المسؤولون أن يطعن الخاسرون في نهاية المطاف في العديد من المسابقات، وربما العشرات، في النتائج، وهم يستعدون لاحتمال أن يرفض مفوضو المقاطعات الذين يفكرون في المؤامرة، التصديق على النتائج، كما هدد العديد منهم في عام 2020. وعلى المنوال ذاته، هناك عدد من مقاطعات نيفادا، في طور تخريب إجراءات فرز الأصوات الخاصة بها.
هل انتقلت حالة الفوضى إلى الولايات الأخرى؟
ما يحدث في ولاية نيفادا، بسحب الخبراء الأمريكيين، هو جزء من توسّع الجهود المبذولة على الصعيد الوطني لإحداث فوضى في النظام الانتخابي بهدف تقويض نتائج الانتخابات.
وتبعًا لذلك، واجهت جورجيا تحديات جماعية لتسجيل الناخبين. بينما فلوريدا لديها قوة شرطة جديدة شاركت في تخويف الناخبين. فيما تقاتل ميتشغن عمال الانتخابات المارقين، إذ شجع مرشح يميني متطرف لمنصب الحاكم ــ كان خسر الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري ــ عمال الاقتراع على فصل المعدات الانتخابية إذا اعتقدوا أن شيئًا ما كان خطأ. فضلًا عن ذلك، شجعت "منظمة الحزب الجمهوري" بمقاطعة ميتشغن، العاملين في الاقتراع على تجاهل القواعد التي تحظر الهواتف المحمولة في أماكن الاقتراع ومراكز فرز الأصوات.
ونتيجة لذلك، يعيش بعض مسؤولي الانتخابات المحليين حالة قلق من أن موظفي الاقتراع قد يمثلون خطرًا أمنيًا على معدات الاقتراع نفسها، كما هو الحال في مقاطعة كينت، أو أنهم قد يحبطون العمليات في مواقع الاقتراع ومراكز فرز بطاقات الاقتراع المركزية.
وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة بوليتيكو سابقًا أن اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، كانت تقوم بتجنيد عمال الاقتراع في ميتشغن في المناطق ذات الكثافة الديمقراطية، بالإضافة إلى العمل مع المنظمات التي تبنت حملة "أوقفوا السرقة" لعقد "ورش عمل" استعداد للتزوير ورفض النتائج اذا اقتضى الامر.
وليس بعيدًا عن ذلك، وفي نداء واحد أعده فريق العمل الانتخابي التابع لمركز السياسات من الحزبين وتمت مشاركته أولاً مع "بوليتيكو"، لاحظت المنظمة أن هناك "قلقًا متزايدًا" بشأن "عمال الانتخابات المؤقتين الذين يتم تجنيدهم وتدريبهم من قبل المنظمات ذات النوايا الشائنة. فالضغط من أجل الاقتراع الورقي، سيؤدي إلى إطالة وقت فرز الأصوات، وبالتالي من المحتمل أن يقوض الثقة بالعملية الانتخابية، ويتحول الى صندوق بارود.
ينظر المسؤولون الأمريكيون بعين الريبة الى ما يجري. فبرأيهم هناك بعض المجموعات التي تستخدم انتخابات التجديد النصفي لمعرفة بالضبط كيف يمكنها التسلل إلى مكتب الانتخابات، تمهيدا للانقضاض على الدورة الانتخابية لعام 2024.
وأمام هذه الفوضى، وعند مقارنتها بلبنان، نجد أنه عند أي استحقاق انتخابي لبناني، تتجنّد جيوش من الجمعيات والمنظمات المحلية والأجنبية لمراقبة الانتخابات بداعي الحرص على نزاهتها. وهنا يتبادر فورا الى ذهننا السؤال التالي: هل يجرؤ هؤلاء الذي يكيلون بمكيالين، على انتقاد ــ حتى بكلمة واحدة ـــ ما جرى في نيفادا ومتشيغان، أو أن يشككوا بنزاهة الانتخابات الامريكية، إن جرى التلاعب بنتائجها أو بفرز الأصوات، وهو ما يتوقعه المراقبون؟ الجواب معروف مسبقا. انه زمن النفاق والتحريف والتضليل.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024