آراء وتحليلات
ماذا يجب أن نعدّل في اتفاق الطائف؟
د. زكريا حمودان
يدخل لبنان مرحلة سياسية جديدة لن تكون كسابقاتها؛ بالرغم من جميع الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي مرت وتمر علينا، بتنا على مقربة من أزمة سياسية قد تكون عميقة.
في الشكل، ينهي فخامة رئيس الجمهورية ميشال عون ولايته بإنجاز تاريخي يتمثل بتعيين الحدود المائية الجنوبية، ووعد البدء بالتنقيب في البلوك رقم ٩، ما يعني حصول لبنان على موطىء قدم له في نادي الدول التي تمتلك ثروات من النفط والغاز.
أما في المضمون، فشد الحبال السياسي المحتدم الذي واكب عهد الرئيس ميشال عون استمر حتى نهايته، وهذا الاحتدام كان واضحًا للجميع بأنه ينبثق من جوهر اتفاق الطائف.
قبل الغوص في التفاصيل، لا بد من الانطلاق من مبدأ رئيسي ومهم ألا وهو أن اتفاق الطائف تم وضعه في ظروف سياسية دولية ــ اقليمية ـــ محلية محددة ومختلفة عن واقعنا الحالي، وهو نص مكتوب وتأثر بالمرحلة السياسية التي حصل فيها، وتحضيرات المرحلة التي تلتها، بالتالي هو عرضة لاعادة النظر فيه، خاصة بعد ظهور فجوات خطيرة تهدد ديمومة البلد برمته، ليكون النظر ببعض تفاصيل اتفاق الطائف اليوم أفضل بكثير من النظر لاحقًا ربما بتعقيدات أبعد من ذلك.
بالعودة إلى عهد رئيس الجمهورية، نجد أن الكباش السني/الماروني خلال السنوات الأخيرة كان محتدمًا، بعد فترة من الوئام الوطني الذي واكب بداية العهد. بالرغم من البعد الخارجي في مشروع انتفاضة سعد الحريري على الواقع اللبناني، نجد أن الطائف كان أداة مهمة في الكباش السياسي، فكان توقيع رئيس الجمهورية يواجهه تكليف رئيس الحكومة غير المحدود الأجل، وبينهما اصلاحات جوهرية ظلت شماعة في أروقة اللجان البرلمانية من جهة والبيانات الوزارية الفضفاضة من جهة أخرى.
المقاربة السياسية للكباش الماروني/السني بسيطة جدًا، فما أخذه الطائف من صلاحيات لرئيس الجمهورية تسمح له بالتحكم بتشكيل الحكومة دستوريًا، استعاده رؤساء الحكومات المكلفون بالاعتكاف أو الفرار بعيدًا وفي جعبتهم ورقة التكليف، معطلين الانصياع لالزامية توقيع رئيس الجمهورية لمراسيم التأليف، متذرعين بمحاصصة أصلًا هم جزء منها، ضاربين عرض الحائط بأيام وأسابيعَ وأشهر وسنوات من حياة اللبنانيين.
هذه المقاربة السياسية تظهر مدى حاجتنا اليوم إلى النظر بنقطتين رئيسيتين:
١ـ وضع آلية لتشكيل الحكومات، ملزمة زمنيًا لرئيس الحكومة المكلف بمدة زمنية محدودة جدًا، لا يجب أن تتخطى الـ ـ٤ أسابيع كحد أقصى من أجل تشكيل حكومته، تبدأ هذه المدة من لحظة تكليف رئيس الحكومة.
٢ـ إلزام رئيس الجمهورية بتوقيع مرسوم تشكيل الحكومة المقدمة من قِبَل رئيس الحكومة خلال مدة اقصاها الـ١٠ ايام من تاريخ تقديم رئيس الحكومة لتشكيلته الحكومية.
٣ـ اعتبار مجلس النواب الممثل للأمة الحكم الفاصل في ميثاقية الحكومة وطنيًا من خلال اعطائها الثقة في مدة أقصاها ٥ أيام من تاريخ توقيع رئيس الجمهورية للتشكيلة الحكومة.
٤ـ اعلان الحكومة التي لم تنل الثقة في البرلمان "حكومة لاغية" مباشرة وليس بحكومة تصريف أعمال، والدعوة إلى استشارات نيابية جديدة خلال مدة أقصاها ٥ أيام من جلسة الثقة.
٥ـ اعتبار رئيس الحكومة الذي لم يقدم تشكيلة حكومية موثوقة من البرلمان غير مرشح للتكليف في الجولة التي تلي تشكيل حكومة لم تنل الثقة، وذلك لمرة واحدة فقط حيث يتم افساح المجال امام شخصية وطنية جديدة تكون مؤهلة لهكذا مهمة.
ما تم ذكره اعلاه هو حاجة وطنية لا تمس بجوهر اتفاق الطائف، لكن يشكل مدخلًا لحل أزمة تعطيل عمل المؤسسات التي تعنى بحقوق المواطنين بشكل مباشر عبر السلطة التنفيذية، وبعدها يتم اعطاؤها الثقة في البرلمان الممثل للكتل اللبنانية مجتمعة.
هذا أهم ما يمكن التركيز عليه اليوم من أجل تخفيف التعطيل من جهة، واضفاء الجدية في تشكيل الحكومات لدى رؤساء الحكومة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024