آراء وتحليلات
الصندوق السيادي لمواجهة دولة المجالس والصناديق
د. زكريا حمودان
يدخل لبنان اليوم نادي الدول التي تمتلك ثروات واعدة وغير محدودة سواء من الغاز أو النفط، أو حتى ربما قد تكون هناك ثروات أخرى ستنكشف تدريجيًا مع بدء عمليات التنقيب بعد اعلان وثيقة تعيين الحدود.
قد يكون الدخول متأخرًا إلى عالم الدول النفطية، لكن من المؤكد أن سبب التأخير الأول هي سمفونية "قوة لبنان في ضعفه"، والتي جعلته هزيلًا غير قادرٍ على الوصول إلى ما وصل إليه اليوم. أما اليوم، وبعدما تمت الإطاحة بلبنان المتغني بضعفه، باتت "قوة لبنان بمقاومته" هو العنوان الأصح.
هذه القوة لا تستمر اذا لم تتأمن لها أرضية لحمايتها، فالضعف المشؤوم يجب أن يواجه بحلول تجعل الجسد الهزيل لسنوات صلبًا متماسكًا. هذا التماسك ينطلق من تثبيت معادلات اقتصادية جديدة تكون على مستوى معادلات المواجهة التي حررت لبنان، ولكن هذه المرة إقتصاديًا.
النظام المالي والاقتصادي الحالي تسوده الكثير من الثغرات، فدولة الصناديق والمجالس يجب تذويبها لتكون جزءًا من صندوق وطني يستند إلى موازنة علمية وعملية، ستساهم الثروة الواعدة بتثبيت امكانية أن تجعلها متوازنة.
هذا الأمر لا يعني أن طرح الصندوق السيادي يكفي، فالصندوق السيادي مهمته إدارة الثروة وكيفية استثمارها وليس إدارة الدولة، بالتالي وتحضيرًا للمرحلة المقبلة علينا أن نبدأ من عملية إدارة الدولة وصناديقها ومجالسها.
من هنا تكون العودة في بادئ الأمر الى عملية بناء بنية إدارية واضحة الأهداف، وتجيب على الأسئلة التالية:
١- ماذا تريد الدولة اللبنانية من الإدارة العامة؟
٢- ما هي الخطة الانمائية البديلة عن خطة الاعتماد على الصناديق والمجالس الخارجة عن اطار الشفافية والتوازن؟
٣- من يحق له أن ينفذ هكذا خطة؟ وما هو حجم الرقابة عليه والقدرة على محاسبته؟
٤- ما هي الخطة الزمنية لكل هدف؟ ومتى يستعيد لبنان تعافيه؟
نقاط عديدة ورئيسية لا بد وأن ننظر اليها لنحدد فعليًا وجهة المرحلة المقبلة. فإذا أردنا النظر إلى النقطة الأولى سنجد بأن العديد من الادارات العامة فاقدة للهدف، بالاضافة إلى افتقادها للأشخاص المناسبين لتحقيق أي هدف مستقبلي. كما أن تحديد دور الادارة العامة يحتم طرح الشق التقني الذي سيكون جزءًا من الدور العملي، فبدون ادخال المكننة والحوكمة الالكترونية لن نتمكن من محاربة الفساد وستبقى القدرة البشرية تتحكم بمعاملات المواطنين خارج اطار نظام موحد وممكنن يقطع الطريق على الفاسدين داخل الادارة العامة.
أما الخطة الانمائية البديلة عن خطة الصناديق والمجالس فهي حتمًا تنطلق من اطلاق اللامركزية الموسعة التي ستكون مستقبل الانماء المتوازن في حال تم تطبيقها خارج الاطار الطائفي والمناطقي، استنادًا الى معايير علمية فقط.
إن عملية طرح من يحق له أن ينفذ الخطة سببه الزبائنية في التلزيمات والتي اشتهرت بها المجالس في لبنان، فكانت جميعها تأتي لأصحاب النفوذ المقربين من الطبقة الحاكمة، وفي بعض الأحيان كان السياسي هو المتعهد والمنفذ والفاسد في آنٍ معًا.
أما فيما يخص المدى الزمني للخطط التي تستطيع النهوض بلبنان، فيمكننا القول بأن الخطط الخمسية لبلد مثل لبنان قد تكون هي الأنسب، فالمدة الزمنية المرهونة بـ٥ سنوات منطقية من أجل الانتقال ببلد صغير الحجم من حالته الحالية الى حالة مغايرة تسمح بأن ينتقل بعدها بخطة أخرى الى واقع أفضل. وهنا لا بد والتركيز على ضرورة الأخذ بالحسبان تبعات الأزمة الحالية ومدى قدرة لبنان على الاستجابة والخروج من هذه الازمة.
أمام هذا الواقع الجديد الذي نعيشه اليوم لا بد وأن ننطلق من مشروع يحمي الثروة الوطنية عبر صندوق سيادي مبني على قواعد عالية الدقة في الشفافية، بالتوازي مع تنظيم واقع لبنان الحالي والذي يستند على المجالس والصناديق.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024