آراء وتحليلات
حرب الاستنزاف تتصاعد في فلسطين... وإشارات واعدة
يونس عودة
لا شك أن الشعب الفلسطيني انتقل الى مرحلة جديدة من حرب الاستنزاف اليومية مع الاحتلال الصهيوني، مستفيدًا من تراكم تجارب يخوضها منذ عشرات الأعوام، وفي ظل غياب العدالة الدولية والقرارات المسمومة من الأمم المتحدة والانحدار العربي الذي بلغ القعر الآسن، وكذلك اتفاقات ثنائية جوهرها تصفية القضية الفلسطينية برمتها، مع محاولة مستمرة لاظهار المسألة وكأنها تنحصر بتأمين الاحتياجات المعيشية للشعب الفلسطيني.
حدثت سلسلة محطات مهمة ولافتة في الأيام الأخيرة:
- ارتفاع نسبة العمليات الفلسطينية الاستهداف المحتلين جنودًا ومستوطنين، وفي الضفة الغربية والقدس على وجه التحديد رغم ازدياد أعمال القتل والتنكيل والاعتقال العشوائي من قبل قوات الاحتلال مع تجنيد قوات جديدة بالتزامن مع حصار مطبق من قبل الضفة والقدس، وتسمية ذلك ب "الإغلاق" حتى لا تستفيق ضمائر البعض من سباتها.
- المصالحة الفلسطينية من خلال مؤتمر "لمّ الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية" في الجزائر، ولهذا دلالة مهمة سيما أن الجزائر من قلة ثمينة باقية على نقائها في مقاومة التطبيع. تلتزم الفصائل الحاضرة (14 فصيلًا) بموجب المؤتمر بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في غضون عام، سيما أن الجزائر من المقاومين للتطبيع، ولهذا الأمر بحد ذاته أهمية كبرى، يفترض أن تؤسس لإعادة روابط الثقة بين القوى الفلسطينية، ولكن لا تحتاج إلى التوافق على برنامج وطني يجسد القواسم المشتركة (الأهداف وأشكال العمل والنضال والمراحل والتحالفات)، وهو مفتاح الوحدة وأساسها سيما أن هناك بأس فلسطيني جديد من نوعه في مقاومة الضفة، معالمه تتبلور باضطراد في جنين ونابلس ومعركة "وحدة الساحات" الظافرة ومحطة "سيف القدس" المحورية.
إنّ ما تشهده الضفة والقدس من مواجهات يدل على أن الشعب أخذ زمام المبادرة، ويعمل على تقرير مصيره من فوهات البنادق والسكاكين والحجارة بعد أن اكتشف أن هدف الاتفاقات تيئيسه ودفعه إلى الاستسلام تحت عنوان "دعونا نعيش فقط"، ليملأ الاحتلال وأدواته وعملاؤه ومخططاته أرض فلسطين إفسادا وفجورًا، بمساعدة عرب وإقليميين ودوليين، والوقوع تحت الوصاية والاحتواء والتصفية.
لقاء الفصائل الفلسطينية الرئيس السوري بشار الأسد بحضور وفد حركة "حماس" المنقطعة عن دمشق منذ 11 عامًا، التي وصف القيادي فيها خليل الحية اللقاء مع الرئيس الأسد بأنه "يوم مجيد ولقاء تاريخي وانطلاقة جديدة للعمل الفلسطيني- السوري المشترك".
حيث فشلت سنوات الاحتلال من مسح الذاكرة الفلسطينية وأظهر الشبان من الجيل الجديد أنهم أكثر إصرارًا على هويتهم الفلسطينية، ويعملون على "تثوير" المدن والقرى والدساكر الواقعة تحت الاحتلال، ويتشوقون لمعارك مماثلة لمعركة "سيف القدس" ويأملون انطلاقًا من إحياء المشروع الوطني الموحد باستعادة منظمة التحرير الفلسطينية لدورها الثوري وانطلاقتها مع إعادة هيكلتها وتجديدها لتقوم بدورها الوطني بوصفها ممثلًا شَرْعِيًّا للشعب الفلسطيني.
هناك مؤشرات ذات دلالة أيضًا تصب في مصلحة الوحدة الفلسطينية، منها غضب الولايات المتحدة مما أعلنه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أمام الرئيس لروسي فلاديمير بوتين بأنه لا يثق بالقيادة الأميركية. وإن "الولايات المتحدة تتخذ موقفاً متحيزاً بشكل صارخ مع إسرائيل، ولا توجد لدينا ثقة بقدرتها على الوساطة لحل الصراع مع إسرائيل". وفي هذا المجال أكد الممثل الرسمي لمجلس الأمن القومي للبيت الأبيض أن الإدارة تشعر بخيبة أمل من موقف "الزعيم الفلسطيني". وقال "شعرنا بخيبة أمل عميقة من الكلمات التي قالها الرئيس عباس للرئيس بوتين". ويضاف إلى ذلك ما مِنَن به الرئيس الأميركي الفلسطينيين، بأنه أعاد التمويل الذي أوقفته الإدارة السابقة إلى السلطة الفلسطينية.
بالمقابل، أصدر "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة "تل أبيب" بحثًا حول الفترة التي تلي عهد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وركّز البحث على ثلاثة سيناريوهات "مرجحة"، هي: انتقال الحكم بشكل منظم إلى قائد أو مجموعة قيادات من صفوف حركة "فتح"، واستمرار أداء السلطة الفلسطينية؛ صراعات متواصلة لفترة طويلة على خلافة عباس تضعف السلطة الفلسطينية وتؤدي إلى تعزيز قوة حركة "حماس" وتأثيرها؛ نشوء حالة فوضى وانعدام سيطرة تصل إلى تفكك وإعادة مفاتيح السيطرة إلى "إسرائيل"؛ و "سلطة فلسطينية معادية لإسرائيل". وبلور باحثو المعهد الذين أعدوا البحث توصيات لسياسة وخطوات يمكن أن تتخذها الحكومة الإسرائيلية تجاه الوضع الفلسطيني استعدادًا "لليوم الذي يلي عباس". وبحسب البحث، فإن "قدرة السلطة الفلسطينية على مواجهة رحيل عباس بشكل مفاجئ ستكون متأثرة جدا بقدرتها على إدارة عملية خلافة منظمة ومستقرة ومن دون صراعات".
واعتبر البحث أن "بحوزة" إسرائيل "أدوات تساعد على ذلك، مثل تعزيز السلطة الفلسطينية وقدرتها على الحكم، بهدف خدمة المصالح السياسية- الأمنية الإسرائيلية ومنع تصعيد أمني يمكن أن ينتقل إلى أراضيها" حسب تعبيره. وأوصى البحث بأن تقوم "إسرائيل" بمجهود من أجل بلورة تفاهمات مع "شريكاتها الإستراتيجية الإقليمية-" الرباعية العربية ": مصر، الأردن، الإمارات والسعودية"، والتركيز من خلال تفاهمات كهذه على سبل استقرار السلطة الفلسطينية ومنع سيطرة "حماس" عليها، وأن تشمل التزاما بمساعدة القيادة الجديدة "إذا عبرت عن تمسك بالاتفاقيات والتفاهمات التي تحققت بين" إسرائيل "والسلطة الفلسطينية، والأهم هو استمرار التعاون (التنسيق) الأمني بين إسرائيل وأجهزة أمن السلطة الفلسطينية" حسب تعبير البحث.
من الواضح إلى أين تتجه الأمور، ولذلك فإن الفلسطينيين مطالبين بكل تشكيلاتهم بتسريع الخطوات التي تمتين الوحدة لأنها قاعدة مهمة في المواجهة الآتية، لا ريب فيها، وغضب الضفة سيمتد إلى البعيد ما دام "جبل النار" أي نابلس قد تحرك.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024