آراء وتحليلات
عدي التميمي أيقونة ومعادلة استراتيجية جديدة
إيهاب شوقي
الشهيد عدي التميمي شكل علامة فارقة ومعادلة جديدة تتخطى كونه بطل مقدام وأيقونة نضالية، لتصل لنطاقات استراتيجية عليا لها دلالات وأبعاد كان الشهيد واعيًا بها وتعمّد تكريسها، حينما ترك وصية مفادها أن يحذو الشباب الفلسطيني حذوه، وأنه فتح طريقًا لهم ليستكملوه.
وحتى لا يكون هذا الكلام في عداد المبالغات أو تحميل الأمور أكثر مما تحتمل، فينبغي إلقاء الضوء على الوضع الاستراتيجي الراهن وما حققته عمليتا الشهيد التميمي وما بينهما من أيام فاصلة، ومشهد استشهاده البطولي، ودلالات ذلك وتبعاتها المتوقعة:
أولًا: عملية شعفاط التي نفذها الشهيد قبل 11 يومًا من شهادته، كانت عملية نوعية من حيث الموقع والهدف، فهي في القدس التي تتعرض لمحاولات التركيع والتهويد المكثفة، والهدف كان حاجزًا أمنيًا، وهو ما وضع العدو أمام معضلة أمنية تجاوزت مهمته الثقيلة لحماية المستوطنين المغتصبين، لتصل إلى مهمة حماية نفسه وجنوده، وهو تطور نوعي يعمق من أزمة العدو في جبهته الداخلية التي يدخل حثيثًا بها إلى حلقة مفرغة من الانكشاف، فعندما يحاول رتق أي فتق أمني، سرعان ما يبرز له فتق آخر، مما شكل كابوسًا غير مسبوق.
ثانيًا: ظل الشهيد التميمي بعيدًا عن القبضة الأمنية للعدو لمدة 11 يومًا، وبدلًا من محاولات الهروب والاختفاء، كان يعد لعملية جديدة، وعندما تمت محاصرته فلم يسلم نفسه، بل واصل القتال حتى نفاذ الذخيرة وحتى اللحظة الأخيرة من حياته، وهو ما يرسل عدة رسائل باتجاهات مختلفة، منها ما هو للعدو وفشله والمبالغة في الدعايات لخبرته وكفاءته الأمنية، ومنها ما هو للداخل الفلسطيني بالدفع نحو خيار المقاومة باعتباره السبيل الوحيد للتحرير من عدو لا يعرف سوى القوة والقتال، ومنها ما هو للعالم، بأن هذه القضية لن تسقط بالتقادم وأن المقاومة هي الخيار الوحيد مهما كانت فجوة التوازنات وبأي سلاح مهما تضاءل أمام سلاح العدو.
ثالثًا: الشهيد التميمي الشاب ذو الاثنين وعشرين عامًا، والمقدسي، هو معادلة زمانية ومكانية، حيث يرمز زمنيًا لجيل جديد شاب يحتفظ بثوابت القضية رغم كل محاولات الطمس وبث اليأس وتسييد الاحتلال كأمر واقع، ومكانيًا للقدس التي يريد العدو ابتلاعها كعاصمة له ويرى من الأعراب من ييسر له الأمر ويطبع معه ويهيئ معه تصفية القضية.
ربما من المهم أن نلقي الضوء على فقرة من تقرير صحيفة "اسرائيل هيوم" الصهيونية، والتي اعترفت بالفشل، حيث قالت نصًا: "ينطلق النظام الأمني دائمًا بنية أن يقوم إرهابي مسلح بارتكاب هجوم ويتمكن من الفرار من مكان الحادث إذا كان في خطر وقد ينفذ هجومًا آخر. لكن بما أن الإرهابيين يعرفون أن القوات الإسرائيلية لن تدخر جهداً في القبض عليهم، فإنهم عادة ما يتصرفون كأفراد مطلوبين، أي إخفاء وتغيير مواقع والتركيز على البقاء، وهو ما يجعل من الصعب عليهم تنفيذ هجوم آخر.. هذا هو السبب في وجود حالات قليلة جدًا يحاول فيها الإرهابيون الهاربون تنفيذ هجوم ثان وينجحون فيه. على هذا النحو، فإن وصول التميمي إلى معاليه أدوميم المسلحة والتخطيط للهجوم هو فشل من قبل جهاز الأمن العام (الشاباك) والقوات الأخرى التي كانت مسؤولة عن إلقاء القبض عليه.. خلاصة القول، على الرغم من أن رئيس الوزراء يائير لبيد سارع للإشادة بالقوات الأمنية على القضاء على التميمي، إلا أن الشاباك وشرطة إسرائيل وشرطة الحدود قد فشلت"، حسب تعبيرها.
والأمر اللافت هنا، هو وعي العدو بخطورة تحول الشهيد التميمي إلى أيقونة، حيث أبرزت وسائل إعلامه تحول التميمي لبطل خارق، كما لمس العدو مدى انتشار مشهد الشهادة البطولي وتداوله، وكم الغضب الذي تفجر بسببه، وكم الحماسة وسرعة التأثير المباشر له في تدشين انتفاضة كبرى، حيث انتشر قذف الحجارة على معظم الطرقات الصهيونية لدرجة أن موقع "0404" الصهيوني تعجب من عدم تغطية الإعلام لانتشار قذف الحجارة من كل مكان على الطرقات وتهديد حياة الصهاينة والسائقين على الطرق!
ان العدو الذي فقد هيبته الإقليمية والدولية بعد رضوخه للمقاومة وفراره من المواجهة، وبعد الاستسلام لتهديدات نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي "ميدفيديف" وتراجعه عن تسليح اوكرانيا علنا، حاول تعويض هيبته المفقودة بالاستقواء على الشعب الفلسطيني، فإذا به يفاجأ بانتفاضة جديدة وأبطال جدد على غرار الشهيد التميمي لتمرغ انفه في الداخل كما الخارج.
هذا الانكشاف الاستراتيجي للعدو داخليًا وخارجيًا، يشي بزوال قريب ويصفع كل من يستسلم للعدو أو من لا يؤمن بحتمية زواله، فما بالنا بمن يراهن عليه ويراهن على الاستقواء به!
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024