آراء وتحليلات
ما هي أهداف مناورة إعادة الإنتشار الروسية في أوكرانيا؟
شارل أبي نادر
المُتابع للتطورات الميدانية الأخيرة في أوكرانيا، يظهر له وبالوقائع الملموسة أن الوحدات الروسية ووحدات المقاطعات التي انضمت إلى موسكو مؤخرًا، تتراجع وتخلي مدنًا وبلدات مهمة، بين لوغانسك ودونيتسك شرقًا، وفي شمال غرب زاباروجيا وشمال خيرسون جنوبًا، وهذه الوقائع مثبتة عمليًا بالصور والمشاهد الحسيّة من الميدان.
اذا قيّمنا هذا التطور الميداني يمكن القول وبكل وضوح أن الروس يتراجعون أو يُهزمون، ولكن، من جهة أخرى، ومن خلال الاضاءة أولًا على صعوبة التسليم بأن الروس يتجهون نحو الهزيمة دون أية قدرة على معالجة هذا الموضوع، والاضاءة ثانيًا على بعض المعطيات العسكرية التي تحيط بتفاصيل هذا التطور أو التغيير الميداني، يمكن استنتاج التالي:
مع كل التراجع الروسي الأخير من شرق وجنوب أوكرانيا، ما زالت الوحدات الروسية تسيطر على أكثر من 90 بالمئة من مقاطعة لوغانسك، وحوالي 60 بالمئة من دونيتسك و72 بالمئة من زاباروجيا و80 بالمئة من خيرسون، وبمعدل يقارب الـ 20 بالمئة من مساحة أوكرانيا الأساسية قبل بدء العملية الروسية.
في البعد العسكري المتعلق بأهداف أي مناورة تقوم بها قوى معينة بشكل عام، تتوزع عادة هذه الأهداف بين: السيطرة على أرض أو إفقاد العدو نسبة محددة من عديده أو عتاده، أو تحييد قادة أو مسؤولين للعدو أو تدمير منشآت عسكرية أو استراتيجية للعدو، ويمكن أن ترمي المناورة أيضًا، إلى تحقيق أكثر من هدف من هذه الأهداف أو ربما جميعها.
في حالة العملية العسكرية الروسية حاليًا في شرق وجنوب أوكرانيا، من الواضح أن مناورة عمليات موسكو تقوم برأس أولوياتها على إفقاد الجيش الأوكراني النسبة الأكبر من جهوده وقدراته، في العديد والعتاد، والأهم هنا يبدو بالنسبة للروس في افقاده العدد الأكبر من جنوده ومقاتليه، وخاصة للوحدات الخاصة المقاتلة والقادرة على الاشتباك المتقارب والتي تهاجم حاليًا الوحدات الروسية على جبهات المقاطعات المذكورة، وتنجح في بعض عملياتها.
هذه المعطيات حول سقوط عدد كبير من المقاتلين الأوكران تؤكدها كل التقارير الميدانية وليس فقط الروسية، حتى أن الاعلام الاوكراني الذي من المفترض أن يتناول الاعلان عن سقوط جنود روس، هو متحفظ في هذا الموضوع ولا يتطرق الى ذلك بالشكل الذي يوحي بأن الروس يخسرون عددًا بسيطًا من جنودهم.
عمليًا، يبدو أن المناورة الروسية في إعادة الإنتشار الميداني حاليًا، تهدف إلى التالي:
أن يتقدم الأوكران ميدانيًا، في هذه المرحلة الحساسة من المواجهة، وفي المناطق التي تم إنضمامها رسميًا الى روسيا، فهذا الامر سوف يرفع من معنوياتهم ويزيد من حماستهم، وسوف يندفعون للهجوم أكثر وأكثر.
ومقابل هذه الحماسة الأوكرانية ومن خلال مناورة جرّ الوحدات الاوكرانية ومقاتليهم الى مناطق الاشتباك الحالي، يكون الروس قد سحبوا أكبر عدد من هذه الوحدات من العمق الأوكراني بين المدنيين، أي من المناطق المحددة شرقًا بين حدود الدونباس وبين نهر دنيبرو، وغربًا بين نهر دنيبرو وبين زاباروجيا وكريفي ري وميكولايف، وتصبح هذه الوحدات مكشوفة بشكل شبه كامل، ومنتشرة في مناطق مدمرة، هي حاليًا مناطق الاشتباك، فيسهل على الطيران الروسي والذي يملك تفوقًا كاملًا في أجواء أوكرانيا التعامل معها وتدميرها في بقع القتل بعيدًا عن المدنيين.
لاحقًا، وفي متابعة دقيقة وتقدير تفصيلي يخطط له الروس، يمكن استنتاج التالي:
بعد بدء المرحلة الثانية المرتقبة من هذه المناورة الروسية، (مناورة اعادة الإنتشار)، وبعد أن تكون قد اكتملت كافة معطياتها، لناحية اكتمال الجهوزية التي ستؤمنها التعبئة الجزئية التي أطلقتها مؤخرًا القيادة الروسية، أو لناحية اكتمال تجمّع أكبر عدد من مقاتلي الجيش الاوكراني، في مناطق الاشتباك الحالية التي تخليها الوحدات الروسية، ستعمد الوحدات الروسية الى استهداف هذه المناطق بما تحضنه من انتشار واسع للوحدات الاوكرانية، وذلك بواسطة مروحة واسعة من الصواريخ فرط صوتية الشديدة التدمير، وبواسطة القاذفات الاستراتيجية بما تحمله من صواريخ وقنابل موجهة، حيث حينها، ستكون تلك الضربة، شبه قاضية، على العدد الأكبر من المقاتلين الأوكران وقادتهم الميدانيين.
بعد استهداف وتدمير وتحييد العدد الأكبر من الوحدات الأوكرانية المقاتلة، والتي ستكون قد تجمعت في المناطق المذكورة، سيكون الميدان مناسبًا لتفيذ أكثر من عملية هجومية روسية، والعمل بهدف السيطرة على كل المناطق التي تم الإنسحاب منها حاليًا، وخاصة، مع وصول العدد الذي يتم تجهيزه وتعبئته الى المستوى المناسب من الوحدات الخاصة بالعمليات الهجومية، والتي تعمل حاليًا وبشكل متسارع، لاكمال جهوزيتها بكافة عناصرها وعتادها.
في الواقع، هناك الكثير من المعطيات العسكرية حول ما يملكه الجيش الروسي حاليًا من إمكانات لم تظهر بعد في الميدان، تجعل المتابعين يذهبون الى خلاصة تؤكد أن امكانية النجاح لهذه المناورة الروسية المفترضة هي امكانية مرتفعة جدًا، بالإضافة الى أن الجو العام لدى القيادة الروسية، وبالتحديد لدى الرئيس بوتين شخصيًا، يذهب باتجاه حتمية الانتصار في هذه الحرب وتحقيق كامل أهداف هذه العملية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن وتل أبيب تسليح العراق؟
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024