آراء وتحليلات
بوتين وانضمام الأقاليم الأربعة: هل هو طلاق بائن مع الغرب؟
عمر معربوني | باحث في الشؤون السياسية والعسكرية
لم يكن عبثياً خلال مراسم قبول انضمام جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك ومقاطعتي زاباروجيا وخيرسون تركيز الرئيس فلاديمير بوتين على الأبعاد التاريخية لروسيا واللغة الوجدانية التي طغت على كلمته، كما كان الرئيس بوتين واضحاً في توصيف قرار حلّ الإتحاد السوفياتي من قبل قادته حينذاك بمثابة كارثة كبيرة، وكان كلامه دقيقاً بما يتعلق بالربط بين التاريخ والحاضر وهو أمر في غاية الأهمية ويحمل في طياته نيّة واضحة لترسيخ معالم روسيا الجديدة او ما يُعرف بـ "نوفاروسيا" والتي تتشكل من المقاطعات الأربعة التي انضمت اليوم ومقاطعات أخرى من ضمنها نيكولاييف وادويسا وخاركوف، وهذا يعني ان المواجهة لن تتوقف الا بالوصول الى تحقيق هذا الأمر.
الرئيس بوتين كان حاسماً وحازماً ايضاً بتوصيف الغرب الذي اعتبر انه لا يزال ينتهج سياسة الإستعمار التي نشأ عليها من أجل الهيمنة على العالم واسقاط الأنظمة، كما اكّد الرئيس بوتين ان الهدف الرئيسي للغرب هو الأفكار والفلسفة الروسية مؤكداً على تمسك روسيا بالقيم التي نبذها الغرب منذ زمن بعيد.
اللافت ايضاً ان الرئيس بوتين حمّل الغرب مسؤولية نسف كافة الإتفاقيات والمواثيق من خلال اعتماده لإزدواجية المعايير، مضيفاً ان الغرب وبرؤيا فوقية يقسّم العالم الى "عالم متحضر"، "بقية العالم " والى "عالم أول" و " والم أخرى".
في المقابل قال الرئيس بوتين بوضوح: " نفخر اننا كنّا جزءاً من الحركة العالمية لتحرير الشعوب والدول خلال القرن العشرين، وقد انطلق في هذا الجانب من المقارنة بين القيم الروسية والقيم الغربية، وكان تركيزه على مسألة انبثاق القيم من الدين إشارة الى الإنحلال الذي يحصل في الغرب والحرص من قبل روسيا على التمسك بالقيم والأخلاق والفطرة الإنسانية.
لم ينسى الرئيس بوتين مخاطبة شعوب الغرب والتأثير على رؤيتهم للصراع القائم باستعراض مشاكلهم الاقتصادية واستعداد روسيا للمساهمة في حلّها من خلال تخلي انظمتهم عن سياسة العداء لروسيا.
في مسألة تفجير أنابيب الغاز "نورد ستريم" كان الرئيس بوتين واضحاً في اتهامه من سمّاهم بـ " الأنكلوـ ساكسون "، وهو اتهام صريح لأميركا وأوروبا منطلقاً من مقولة من المستفيد وهي المقولة البديهية لمقاربة أي عمل إجرامي، وهذا يعني تطوراً خطيراً في مسار المواجهة سيأخذ الأمور الى مستوى مختلف.
في مسألة انضمام المقاطعات الأربعة للاتحاد الروسي من المؤكد ان الأمر سيتطور إلى أبعاد مختلفة إن لجهة شكل وتسمية العملية الروسية او لجهة مضمون ومسار العمليات العسكرية، فما قبل عملية الإنضمام كنّا أمام مسمّى: "العملية الروسية العسكرية الخاصة في أوكرانيا" وهو ما لم يعد متناسباً مع الوضعية الجديدة في البعدين الجغرافي والسياسي الاّ اذا كانت العمليات ستستمر باتجاه خاركوف ونيكولاييف وأوديسا ومقاطعات أخرى ربما على الأرجح ستشمل مقاطعات بولتافا ودنيبرو بيتروفيسك.
قبل عملية الإنضمام الى روسيا كان جائزاً اعتبار القصف الأوكراني قصفاً على أرض أوكرانية، أمّا الآن فبات الوضع مختلفاً حيث أصبحت أقلّه في الأبعاد الدستورية الروسية أرضاً روسية، وهو سيترتب عليه إجراءات مختلفة هي نفسها التي أعلنها أكثر من مسؤول روسي في حال استهداف أراض روسية قبل الإنضمام، وتتمثل في استهداف مراكز القرار الأوكرانية على الرغم من عدم اعتراف أوكرانيا والغرب بعمليات الإستفتاء والإنضمام.
وفي محاولة منه لإبداء حسن النية، توجه الرئيس بوتين لقادة كييف بوقف النار والتوجه الى طاولة المفاوضات مع وضعه خطوطاً حمراء ترتبط بعدم بحث مصير القرم ولوغانسك ودونيتسك وزاباروجيا وخيرسون، أي الإنطلاق في مناقشة المواضيع المرتبطة بتوفير قواعد الأمن لروسيا وكل ما يتعلق بمسائل الأمن القومي الروسي.
اخيراً وليس آخراً وكثابت أساسي ستتعامل روسيا مع أي استهداف للمقاطعات التي انضمت اليوم على انّه عدوان سيتم الرد عليه بحزم وقوة.
والثابت ايضاً ان احداً لا يتوقع موافقة أوكرانيا على عرض الرئيس بوتين بوقف النار والتوجه الى طاولة المفاوضات، وهذا يعني تفعيل العمليات العسكرية بعد استكمال انضمام 300 الف جندي روسي شملهم مرسوم التعبئة الجزئية، وبدء تنفيذ عمليات عسكرية اكثر توسعاً وبوتيرة اكثر سرعة ومرونة عبر توفير قوة نارية هائلة، إلى جانب القوة البشرية العسكرية الروسية التي ستبدأ بالإنضمام الى الوحدات القتالية الحالية على الجبهات، بحيث يمكن القول أنه مع نهاية استكمال إجراءات مرسوم التعبئة، سيتموضع على خطوط القتال كوحدات قتالية ووحدات دعم ما يقارب 30 فرقة عسكرية بكامل عتادها مدعومة بمئات الطائرات والحوامات، والإنتقال من مستوى العمليات التكتيكي الى مستوى العمليات العملياتي، وربما الإستراتيجي وهو ما أكده الرئيس بوتين بشكل غير مباشر من خلال إعلانه ان روسيا ستستخدم كل ما يلزم لتحقيق النصر.
ختاماً: ان مقاربة دقيقة لمضمون كلمة الرئيس بوتين توضح ما لا لبس فيه بان الكلمة كانت تهديداً بطلاق بائن مع الغرب سيكون له تداعيات قاسية على العالم، ومن ضمنه روسيا لكنها تداعيات ستكون بمثابة بدء عملية تفكك للاتحاد الأوروبي بنتيجة الضغوط الكبيرة على الاقتصاد ومعيشة الناس.
لوغانسكخاركوفزاباروجياالدونباسخيرسونالقرم
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024