معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

هل تتحوّل العملية العسكرية الروسية إلى حرب شاملة؟
24/09/2022

هل تتحوّل العملية العسكرية الروسية إلى حرب شاملة؟

عمر معربوني | باحث في الشؤون السياسية والعسكرية 

يشكل الاستفتاء للمقاطعات الأربعة بالانضمام الى روسيا تحوُّلًا كبيرًا وهّامًا يحمل في طيّاته الكثير من التداعيات منها السلبي ومنها الإيجابي وعلى المستويات كافة، لكن تبقى هذه التداعيات محمّلة بالكثير من المخاطر في ظل حالة الإشتباك بين روسيا وحلف الأطلسي بزعامة اميركا، وقد ينقل الإشتباك الى مراحل غير محسوبة لا يحتاج الوصول اليها اكثر من غلطة او حماقة.

اما لماذا هذا المستوى من المخاطر ؟

في توصيف المواجهة الدائرة بعد انطلاق العملية العسكرية الروسية الخاصّة، والتي ارادتها روسيا عملية محدودة منطلقة في محدوديتها من المخاطر التي تتهدد الأمن القومي الروسي وبعد مرور ثمان سنوات على تخلي أوكرانيا عن تعهداتها بالبقاء كدولة محايدة، ففي كانون الأول/ ديسمبر عام 2014 جرت تعديلات على قانونين حول تخلي اوكرانيا عن عدم مشاركتها في أي تحالفات. وفي شباط/ فبراير عام 2019 أدخل برلمان البلاد تعديلات على الدستور أكدت نية كييف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وبذلك أصبحت أوكرانيا الدولة السادسة التي منحت وضع شريك الناتو بالقدرات الموسعة.

هذه التعديلات كانت بمثابة اعلان حرب من أوكرانيا على روسيا بدعم أميركي مباشر، حيث اعتبرت روسيا ان هذه التعديلات ستهدد تهديداً مباشراً الامن الروسي ووجود روسياـ وكان الإجراء الروسي الأول هو ضم شبه جزيرة القرم بعد اجراء استفتاء شعبي فيها للإنضمام الى روسيا، ومن ثم كنا امام مواجهة مستمرة حتى اللحظة بين جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك والجيش الأوكراني، الى ان وصلت الأمور الى مرحلة اطلاق العملية العسكرية الروسية التي أدّت في الجانب العسكري الى سيطرة روسيا على 99% من أراضي جمهورية لوغانسك و58 % من أراضي جمهورية دونيتسك و 72 % من أراضي مقاطعة زاباروجيا و 91 % من أراضي مقاطعة خيرسون.

هذه النسب امّنت لروسيا السيطرة الكاملة على كامل شواطيء بحر آزوف وعلى 50% من شواطيء أوكرانيا على البحر الأسود، وما يقارب 120 الف كلم مربع في جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك ومقاطعات زاباروجيا وخيرسون مع نيكولاييف وهو ما يعادل خمس مساحة أوكرانيا تقريباً. 

اميركا وأوروبا منذ اللحظة الأولى لبدء العملية الروسية رفعت مستوى المواجهة بإجراءات غير مسبوقة بما يرتبط بالعقوبات التي لم تنجو منها حتى الرياضة والفنون الروسية، إضافة الى ضخ مساعدات مالية هائلة وفتح مخازن الأسلحة على مصراعيها وكأن المواجهة بين الغرب وروسيا وليس بين روسيا وأوكرانيا.

بغض النظر عن التداعيات القادمة وتفاصيلها اليومية التي لا يمكن التنبوء بها، يبقى ان الإنتهاء من عمليتي الإستفتاء والضم سيكون بمثابة متغير جيوسياسي عالمي لا رجعة عنه وهو احد اخطر المؤشرات التي يمكن ان تدفع بالأمور الى حافة الهاوية.

في الشكل تبدو المواجهة بين روسيا وأوكرانيا، لكنها في المضمون هي الحرب العالمية الثالثة، فروسيا تخوض معركة بقائها والحفاظ على أمنها ووجودها، وأميركا ومن ورائها الغرب بغالبيته يخوض معركة الإبقاء على النفوذ والحفاظ على عناصر الهيمنة.

اذًا هي معركة فاصلة ليس بمقدور احد التراجع عن خوضها حتى لو ادّى ذلك الى انتقال اميركا من حرب الوكالة الى المواجهة المباشرة، وهو ما يخشاه المراقبون حيث أعلى مستويات الثبات في القرار الروسي وأعلى مستويات الهيستيريا في السلوك الأميركي والغربي.

بعد انتهاء عمليتي الإستفتاء والضم الى روسيا ستصبح دونيتسك ولوغانسك وزاباروجيا وخيرسون اراضٍ روسية، وهذا يعني تغيير مسار العملية العسكرية وانماط الرد الروسية التي من المرّجح ان تبدأ باستهداف اهداف اوكرانية حساسة، وصولاً الى استهداف مراكز القرار الأوكرانية، وهذا سيكون بمثابة تحوُّل كبير خصوصاً بعد إتمام انضمام 300 الف من قوات الإحتياط الروسية بموجب مرسوم التعبئة الجزئية الذي أصدره الرئيس بوتين بناء على اقتراح وزارة الدفاع الروسية.

في المرحلة الأولى ما بعد الإستفتاء والضم ستكون الأولوية لإستكمال تحرير ما تبقى من جمهوريتي الدونباس ومقاطعتي زاباروجيا وخيرسون من السيطرة الأوكرانية، لتنتقل العمليات الى تحرير كامل مقاطعات خاركوف ونيكولاييف واوديسا، ومن ثم إجراءات الإستفتاء والضم على غرار ما يحصل الآن، وصولاً الى استعادة السيطرة الروسية المباشرة على شريط ترانسنيسيريا الروسي في مولدوفيا.

في المقابل قد تتخلى اميركا عن حذرها وتبدأ بتزويد أوكرانيا بصواريخ ذات مدى يصل الى  300 كلم، وكذلك منظومات دفاع جوي قصيرة ومتوسطة المدى، وضخ المزيد من منظومات هايمارس ومدافع الهاوتزر وصواريخ جافلين وستينغر، إضافة الى زيادة عدد المستشارين العسكريين والإستخباراتيين بالمئات، وربما بالآلاف للمشاركة كضباط عمليات وليس ضمن مهام استشارية، وهو امر ستعتبره روسيا بمثابة إعلان حرب من الغرب عليها، وسيكون له تداعيات أولها توسيع نطاق السيطرة ليشمل مقاطعات دنيبر وبيتروفيسك وبولتافا وكيروفوغراد، وربما يصل الى مقاطعتي تشيركاسي وفينيتسا، وبذلك تسيطر روسيا على اكثر من 60% من أراضي أوكرانيا. واذا ما اندفعت الأمور نحو الأسوأ من المرجّح ان تقوم روسيا بالسيطرة على مقاطعات سومي وتشيرنيغوف وربما كييف.

واذا ما قاربنا تطور العلاقات بين روسيا وبيلاروس والتي من المتوقع ان تصل الى مرحلة انضمام بيلاروس الى الإتحاد الروسي، فهذا يعني ربما السيطرة الكاملة على أراضي أوكرانيا وصولاً حتى كامل حدود أوكرانيا الغربية والغربية الجنوبية .

الاتحاد الأوروبي

في المقابل لا تزال اميركا والغرب في اطار رد الفعل الكلامي على إعلان التعبئة الجزئية لاحتياطي الجيش الروسي، حيث قال مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الأربعاء الفائت "إن التعبئة الجزئية لجنود احتياط روس تظهر أن بوتين ينوي مواصلة "التصعيد" في الحرب على  أوكرانيا زاعماً تشكل "مؤشر يأس جديدا" لديه".

ونقل بيتر ستانو (الناطق باسمه) عنه أن: "الاعلان عن تعبئة جزئية للاحتياط وتأكيد الاستفتاءات (في مناطق محتلة في أوكرانيا) يشكلان إشارة واضحة موجهة إلى الأسرة الدولية خلال أسبوع الجمعية العامة للأمم المتحدة على عزمه مواصلة حربه المدمرة التي لها تداعيات سلبية على العالم بأسره". وقال ستانو " بوتين يقوم بمقامرة نووية،إنه يستخدم العنصر النووي في إطار إرهاب ترسانته وهذا غير مقبول".

وتابع ستانو: "ستكون لهذه الخطوة تداعيات من جهتنا. الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عقدت اجتماعا تنسيقيا على هامش أعمال الجمعية العامة (للأمم المتحدة) في نيويورك". ولم يشأ ستانو إعطاء مزيد من التفاصيل، مشددا على "سرية" تفاصيل المناقشات.

وأضاف ستانو: "الأراضي المحتلة هي جزء من أوكرانيا التي لها كل الحق في إعادة فرض سلطتها فيها، والاتحاد الأوروبي مستعد لمواصلة دعمها عسكريا".

المانيا

من جانبه قال متحدث باسم الحكومة الألمانية إن المستشار أولاف شولتز يعتقد أن "التعبئة العسكرية الجزئية التي أعلنتها روسيا بمثابة مؤشرات على أن هجوم موسكو على أوكرانيا لم يكلل بالنجاح". وأضاف المتحدث نقلا عن شولتس أن "بوتين اضطر إلى إعادة تجميع قواته وإلى الانسحاب من كييف كما أنه  لم يحقق النجاح المنشود في شرق أوكرانيا أيضا".

وتابع المتحدث نقلا عن المستشار أن هذا يعد "علامة واضحة على أن أوكرانيا فعالة للغاية في الدفاع عن وحدتها وسيادتها ولا سيما بسبب الدعم الهائل والكبير المقدم من العديد من دول العالم ومن ألمانيا أيضا على وجه الخصوص".

وفيما يتعلق بخطط بوتين إجراء استفتاءات في أربع مناطق محتلة في الأيام المقبلة بشأن الانضمام إلى روسيا، قال المتحدث باسم الحكومة الألمانية إن "الاستفتاءات الزائفة" الروسية لن يتم الاعتراف بها أبدا.

ردود الفعل الغربية والقرارات الروسية ستشكل أجواء توتر إضافية وستدفع الأمور الى مستويات غير مسبوقة في المواجهة قد تصل الى مرحلة المواجهة الشاملة وربما النووية بين روسيا والغرب.

كييفزاباروجيا

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة