معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

أيلول وانطلاقة النظام العالمي الجديد: هل كانت مصادفة؟
17/09/2022

أيلول وانطلاقة النظام العالمي الجديد: هل كانت مصادفة؟

عبير بسّام
عند الحديث عن الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، لا يمكننا أن نهمل حقيقة أنه بغض النظر عما إذا كانت الأحداث عملية استخبارات أميركية داخلية، أو عملية مخططة ومدبرة من تنظيم "القاعدة" من أجل هز عرش الولايات المتحدة وأمنها، فقد شكلت مدخلا للاحتلالات الأميركية في العراق وسوريا، وامتداد قواعدها العسكرية على طول دول الخليج والأردن واحتلال أفغانستان ومحاولة السيطرة على دول بحر قزوين، ومن ثم بدء العمل على إعادة تقسيم الوطن العربي والعالم عبر سلسلة من الثورات المزعومة التي ابتدأت في العام 2011، والتي خدمت جميعاً الولايات المتحدة في بناء "النظام العالمي الجديد".

لا يمكننا أن نفصل أحداث 11 أيلول والتعامل معها على أنها قد أتت مصادفة أو معزولة عن الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي جورج بوش الأب، قبل عشرة أعوام من أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2000، وذلك في 11 ايلول/ سبتمبر 1990، حول بناء "النظام العالمي الجديد". خطاب ألقي قبل حادثة 11 أيلول بـ 11 عاماً بالتحديد وبعد اجتياح صدام حسين للكويت في 2 آب/ أغسطس من العام نفسه، قال فيه: "إن ما على المحك أكثر من مجرد بلد صغير.. إنه فكرة نظام عالمي جديد".
وفي 17 كانون الثاني/ يناير من العام 1991، ألقى خطاباً آخر أمام الكونغرس قبيل شن حملة جوية أميركية دمرت القوات العراقية في الكويت، وبدا يومها وكأن الجيش العراقي قد سيق إلى المسلخ. أعاد يومها بوش الأب ما يعنيه بالتحديد في حديثه حول النظام العالمي الجديد، والذي يمنح السلطة وقوة القانون الأهمية الكبرى، ويعزز دور الأمم المتحدة، التي تديرها اميركا، في تثبيت سلطة القانون حول العالم.

في تلك المرحلة التاريخية انهار الاتحاد السوفياتي وانفصلت مجموعة من الدول، ولكن الأسوأ كان في انهيار دول أوروبا الشرقية وتحولها إلى دويلات منقوصة السيادة، والعديد منها كان ذا طابع طائفي وديني، كما حدث في صربيا والبوسنة والهرسك، وهي الدول التي مثلت يوغسلافيا سابقاً. ودخلت قوات الأمم المتحدة تحت البند السابع وحاولت تنظيم الفوضى التي خلقتها حروب أوروبا الداخلية في بداية التسعينيات، وهذه كانت بداية ارساء قواعد النظام العالمي الجديد، الذي مكن الولايات المتحدة بعد انهيار الشيوعية من السيطرة على العالم كقوة عظمى لأكثر من 20 عاماً.

من هنا ابتدأت الخطة الجديدة بالسيطرة على منابع النفط والغاز وعلى الشرق الأوسط، والشرق الأدنى من أجل ضمان أمن "اسرائيل". وهذا ما أعلنته كوندليزا رايس مستشارة الأمن القومي لحكومة جورج بوش الإبن خلال الحرب على لبنان في العام 2006، وهو المشروع الذي بدأت عملية اسقاطه من خلال إنشاء محور المقاومة الذي امتد من إيران عبر العراق إلى سوريا إلى لبنان، لتنطلق عملية إسقاط "النظام العالمي الجديد".

قد يبدو للمرء أن الأحداث قد جاءت ضمن خطة عشرية محددة تنفذها الولايات المتحدة. لربما جاء التأريخ مجرد مصادفة، في ذلك اليوم تحدث بوش الأب عن النظام العالمي الجديد، الذي كانت تقوده أميركا آنذاك، ولكنه في الحقيقة مثل بداية الإعلان الأميركي عن نظام عالمي جديد متداخل بشكل عميق مع الأهداف الصهيونية العالمية، والتي لها علاقة وثيقة بالصهيونية المسيحية، والتي تتعلق ببناء هيكل سليمان المزعوم في موقع المسجد الأقصى بالتحديد.

اجتياح صدام حسين للكويت لم يكن سوى عثرة أخرى وقع بها رئيس العراق الأسبق حين قرر الذهاب لغزو بلد عربي آخر، وخطوة أخرى نحو تصفية واحد من أقوى الجيوش العربية والقضاء على ما تبقى من قدراتها بعد العثرة الأولى، التي وقع تحتها صدام في الحرب العراقية على الجمهورية الاسلامية الإيرانية، والتي انهكت العراق فذهب للتعويض عن خسائره باحتلال الكويت، فوقعت الواقعة! تعويض الخسائر، أحد أهم أسباب غزو الكويت. ولكن، السبب الأساس أن الغزو كان فخاً أميركياً هدف للقضاء على ما تبقى من الجيش العراقي. وهذا له علاقة كبيرة بالنظام العالمي الجديد الذي تحدث عنه بوش الأب. ولم يبق ما يهدد السلام العالمي، الذي يتحدث عنه الأميركيون، سوى الجيش العربي السوري، بعد تحييد الجيش المصري بعد معاهدة كامب ديفيد.

بعد حرب الخليج الأولى، فتحت الطريق أمام محادثات السلام التي كانت ابتدأت في مدريد وفي أسلو، وتم توقيع اتفاقيات سلام مهينة في الأردن وفلسطين، ولكن ما لم يفلح جورج بوش الأب ومن بعده بيل كلينتون بالسياسة في تحقيقه، ألا وهو توقيع اتفاق السلام مقابل الأرض في محادثات مدريد مع سوريا، وخاصة بعد اغتيال رئيس وزراء الكيان العبري، اسحاق رابين في 1995، فكان لا بد من خطة جديدة.

وضع الخطة ريتشارد بيرل في العام 1996، تحت عنوان "خطة ينون" في إطار وثيقة جديدة بعنوان "Clean Break" أو "القطع النظيف" وأرسلها للرئيس كلينتون في العام 1998. وسمي المشروع الذي تعمل الخطة في إطاره باسم "مشروع القرن الأميركي الجديد"، حين أصبح بيرل أحد أهم قيادات المحافظين الجدد، كان نائباً لنائب الرئيس الأميركي ديك تشيني في العام 2001، ثم ترأس مجلس سياسات الدفاع، وهو منصب استشاري في حكومة بوش الابن. بيرل: صهيوني ويهودي أميركي، لم يدفع باتجاه الإطاحة عسكرياً بصدام حسين وغزو العراق في العام 2002، بل طالب أيضاً باحتلال منابع النفط في السعودية.

وإذا كنا نذكر أن قرار اجتياح العراق الذي اتخذه جورج بوش الابن كان في أول خطاب ألقاه وحتى قبل الحادي عشر من أيلول، ولكن بعد احتلال أفغانستان بدا وكأن قرار احتلال العراق بات مؤجلاً إلى أن عقد اجتماع بلديربيرغ، ثم عادت بعد ذلك وسائل الإعلام الأميركية للتحدث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، وعن حماية أمن العالم المتحضر. تصاعد الأمر حتى بدا وكأن أمن أمريكا لا يمكن حمايته إلا باحتلال بغداد، على الرغم من  نفي جميع التقارير الاستخباراتية البريطانية والأميركية على حد سواء امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل. وذهب البلدان لتنفيذ خطة "القطع النظيف" ودون قرار من مجلس الأمن.
إن ما حدث ويحدث اليوم هو تتابع الخطى من جورج بوش الأب إلى الابن إلى يومنا هذا.

في خطابه في ذكرى 11 أيلول/سبتمبر في هذا العام، أبرز ما قاله رئيس أمريكا جو بايدن، بعد أن عزى أهالي الضحايا، وذكر بأهمية القيم الديمقراطية، وأعاد التذكير بضرورة محاربة الإرهاب هو ما صرح به للصحافيين حول ضرورة الاستمرار في محاربة الإرهاب ، مشيرًا إلى أنه أذن بالضربة القاتلة على زعيم القاعدة أيمن الظواهري هذا الصيف، وأن "الولايات المتحدة لن تهدأ، ولن ننسى أبدًا، ولن نستسلم أبدًا".

كلام يذكر بخطاب بوش الأب في 17 كانون الثاني/ يناير أمام الكونغرس والذي أكد فيه أن ما يحتاجه العالم المتحضر: "في هذه الأوقات العصيبة ، يمكن أن يظهر هدفنا الخامس - نظام عالمي جديد - حقبة جديدة - أكثر تحررًا من تهديد الإرهاب، وأقوى في السعي لتحقيق العدالة، وأكثر أمانًا في السعي لتحقيق السلام". وما يزال الحبل الأميركي على الجرار.

إن إعادة القراءة في الحقب الأميركية المتتالية، تثبت أن 11 أيلول ليس إلا نقطة علام حددت للملمة ما تعثر في العام 1995 وحتى اليوم، وتذكرة بأن أمريكا ماضية في تحقيق أهدافها في تحقيق "أمن اسرائيل"، والتحقق من سيطرتها على ممرات المياه حول النفط والغاز العربي، والسيطرة على الثروات الباطنية، وأخيراً تحقيق بناء مملكة اسرائيل الآمنة من الفرات إلى النيل، وبالتالي إعادة بناء هيكل سليمان المزعوم وإرساء دعائم "النظام العالمي الجديد".

افغانستان

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات