آراء وتحليلات
"تصريف الأعمال" بين الدستور والفراغ الرئاسي
هاني ابراهيم
أرخى غياب الاستقرار السياسي في لبنان بظلاله هذه المرة على المشهد الحكومي لا سيما موضوع تشكيل حكومة جديدة في ظل حكومة مستقيلة تمارس صلاحية تصريف الأعمال منذ فترة زمنية ليست بالقليلة. إلا أن الأهم في الوضع الراهن هو ترافق ذلك مع قرب الاستحقاق الرئاسي والتخوف من فراغ في سدة الرئاسة.
وعليه، كثرت التساؤلات والاشكاليات التي تبدأ ولا تنتهي، خاصة أن لبنان يشتهر بظاهرة قيام الحكومات المستقيلة بتصريف الأعمال لفترات طويلة جدًا من الزمن، حيث تؤدي هذه الحكومات من الناحيتين الدستورية والواقعية إلى تضييق صلاحيات الحكومة التي تفقد بدورها القدرة على رسم سياسة الدولة في جميع المجالات.
لكن ما هو الإطار القانوني لعمل حكومة تصريف الأعمال؟
هو مصطلح اعتاد عليه اللبناني عند كل استحقاق دستوري يتعلق إما باستقالة حكومة أو اعتبارها مستقيلة ألا وهو "تصريف الاعمال". تعتبر الحكومة ومنذ استقالتها أو اعتبارها مستقيلة، حكومة تصريف أعمال ما يعني وفقًا للدستور اللبناني لا سيما المادة 64 أنها حكومة لا تستطيع أن تمارس صلاحياتها إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال. أما تحديد المعنى الضيق فهذا المصطلح فسره مجلس شورى الدولة على أنه كل ما هو ملح و/أو يرتبط بمهل دستورية أو قانونية وكل ما لا يلقي أعباء مالية جديدة على الدولة.
وبما أن معظم القوانين الموجودة لدينا تعود في أساسها إلى القوانين الفرنسية، فقد استند القضاء اللبناني في قراراته مرارًا إلى الاجتهاد الإداري الفرنسي مميزًا بين الفئات الثلاث التالية المتعلقة بأعمال الحكومة:
- الفئة الأولى، وهي الأعمال العادية بطبيعتها، أي القرارات اليومية الروتينيّة التي تعدّها المراجع الوزارية المختصة والتي يوقّعها الوزير ببساطة بعد الاطّلاع عليها.
- الفئة الثانية، هي الأعمال المهمة أي القرارات التي لا يمكن لحكومة تصريف الأعمال اتخاذها إلا في حالات الطوارئ لكن مع ضرورة خضوع هذه القرارات إلى الرقابة القضائية لمجلس شورى الدولة.
- الفئة الثالثة تتعلق بالأنظمة القانونية الرئيسية والتي تعدل الأحكام القانونية والحقوق المعترف بها قانونًا، وهي لا تندرج على الإطلاق ضمن صلاحيات حكومة تصريف الأعمال.
وعليه، فإن الدستور حدد حالات تصريف الأعمال من جهة وحدد أيضًا المسار العملي والنطاق الضيق لهذه الأعمال من جهة أخرى. إذًا أين تكمن الاشكالية في تصريف الأعمال في حال الفراغ الرئيسي؟
بالعودة إلى الدستور اللبناني لا سيما في مادته الـ62 لم يميز الدستور بين حكومة تصريف أعمال وأخرى مكتملة الصلاحية، حيث نصت المادة المذكورة على ما حرفيته: "في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء"، ما يعني أن الحكومة وبشكل حكمي تتسلم وبالوكالة ـ مع ما لهذا المصطلح من بعد قانوني وواقعي ـ زمام الحكم إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية. مع الاشارة هنا إلى أمر جدًا مهم ويجب التوقف عنده وهو أن انتهاء ولاية رئاسة الجمهورية وسواء كانت الحكومة عادية أم لا فإنه بمجرد انتهاء الولاية تصبح بطبيعة الحال بحكم المستقيلة وتصبح بموقع تصريف الأعمال.
لذا فالسؤال الذي يطرح نفسه وبشكل بديهي، هو ما الفرق بين أن تكون الحكومة حكومة تصرف الأعمال ما قبل نهاية ولاية الرئيس وبين حكومة تصبح بعد انتهاء الولاية حكومة تصريف أعمال بموجب المادة 69 من الدستور البند "د"؟ لا بل أكثر من ذلك فإن الحكومة ما بعد انتهاء ولاية رئاسة الجمهورية يصبح العبء عليها أكبر مع توليها مهام رئاسة الجمهورية.
لذا، فإن الكلام من الناحية الدستورية عن عدم امكانية حكومة تصريف أعمال القيام بهذا الموجب يقع في غير مكانه الدستوري أو الواقعي ـ بحسب بعض القانونيين ـ انما مع ضرورة احترام المفهوم الضيق لهذه الاعمال وهذا ما استقر عليه اجتهاد مجلس شورى الدولة منذ 1969، وفي قرار آخر عام 1995، أضاف المجلس المذكور شرطا آخر وهو أن لا تنطوي ممارسة الحكومة المستقيلة للصلاحيات (بالمعنى الضيق) على ما يمكن أن يرتّب أعباء جديدة على الدولة.
أما لمن يقول بعدم امكانية قيام حكومة تصريف الأعمال بأعباء ادارة الدولة في حال الفراغ الرئاسي ـ يقول أصحاب الرأي القائل بجواز تسلمها لهذه الأعباء ـ بأن ممارسة حكومة تصريف الأعمال لبعض الصلاحيات، وإن كانت محدودة بعد استقالتها، من الأساسيات والضرورات الملحّة، إذ انه من غير المنطقي الرضوخ لمفهوم الفراغ المطلق في السلطة والقبول به لحين تشكيل حكومة جديدة، لا سيما في مرحلة انعدام الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأمني.ش
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024